
في قلب منطقة تعج بالصراعات والتوازنات الهشة، تبرز القواعد العسكرية الأمريكية في الوطن العربي كإحدى أدوات واشنطن الأساسية لترسيخ حضورها الاستراتيجي وتأمين مصالحها الحيوية، خاصة في ما يتعلق بالطاقة، والتحالفات الإقليمية، ومحاربة الجماعات المسلحة، ومراقبة التحركات الروسية والإيرانية والصينية.
من الخليج العربي إلى تركيا، ومن الأردن إلى إسرائ-يل، ترسم هذه القواعد خريطة وجود ممتدة، تعكس حجم الرهان الأمريكي على المنطقة، ومدى تورط واشنطن في أمنها وتوازناتها الداخلية والخارجية.
قطر: قاعدة العديد… أكبر موطئ قدم في المنطقة
تُعد قاعدة العديد الجوية في قطر واحدة من أكبر وأهم القواعد الأمريكية خارج الأراضي الأمريكية، حيث تضم أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي. تُستخدم القاعدة في عمليات القيادة والسيطرة في الشرق الأوسط، وتضم مركز القيادة الجوية الأمريكية المركزية. وجودها في قطر يُشكّل نقطة ارتكاز استراتيجية لعمليات واشنطن في العراق وسوريا وأفغانستان سابقًا.
البحرين: عصب الأسطول الخامس
تحتضن البحرين مقر الأسطول الخامس الأمريكي، وهو الذراع البحري للولايات المتحدة في الخليج العربي. يضم المقر أكثر من 8 آلاف موظف عسكري ومدني أمريكي، ويتولى مهام تأمين حركة الملاحة في مضيق هرمز، وردع التهديدات الإيرانية في المياه الإقليمية.
السعودية: عودة الوجود بقوة
تحتضن المملكة قواعد عدة منها “الأمير سلطان الجوية” وقاعدة “ثربة إسكان”، ويُقدّر عدد الجنود الأمريكيين داخل الأراضي السعودية بأكثر من 2500 جندي. هذا التواجد يأتي ضمن تعاون أمني عسكري واسع يركز على التصدي للتهديدات الإقليمية، خاصة من الحوثيين.
الكويت: العقدة اللوجستية
تضم الكويت ما لا يقل عن 13 قاعدة أمريكية، أبرزها معسكرات عريفجان والدوحة والسالم والشعيبة. يُقدر عدد الجنود الأمريكيين هناك بنحو 13 ألفًا، نصفهم متمركزون في ثلاث قواعد رئيسية. وتُعد الكويت نقطة انطلاق أساسية لتحركات الجيش الأمريكي في العراق والمنطقة.
الإمارات: قاعدة الظفرة الجوية
تضم الإمارات قاعدة الظفرة الجوية التي تحتضن نحو 5000 جندي أمريكي، وطائرات متقدمة من طراز F-35، وتستخدم واشنطن هذه القاعدة كمركز مراقبة إستراتيجي لإيران وشرق أفريقيا.
سلطنة عمان: تعاون بصمتٍ ميداني
في عُمان، يُوجد حوالي 600 جندي أمريكي يتمركزون في قواعد “مصيرة” و”ثمريت” الجوية، وتُستخدم لتسهيل عمليات الطيران والهجمات الجوية من قبل القوات الأمريكية في مناطق النزاع بالمنطقة.
الأردن: حليف تقليدي بانتشار صامت
يضم الأردن أكثر من 22 موقعًا عسكريًا أمريكيًا، تتنوع بين قواعد مستقلة ومرافق تشاركية مع الجيش الأردني. وتُستخدم هذه القواعد في مهام استخباراتية وتدريبية ولوجستية متقدمة.
العراق: وجود بعد الانسحاب
رغم انسحاب القوات القتالية الأمريكية رسميًا، لا تزال هناك 12 قاعدة أمريكية في العراق تضم نحو 2500 جندي. أبرزها قاعدة “عين الأسد” التي تُستخدم لمهام استشارية وضربات ضد تنظيم “داعش”.
سوريا: قواعد عسكرية رغم السيادة المنقوصة
تنتشر أكثر من 20 قاعدة أمريكية في الشمال الشرقي من سوريا، أبرزها “التنف”، “كونيكو”، و”الشدادي”. يُقدّر عدد القوات الأمريكية هناك بنحو 900 عنصر، ويعملون بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
اليمن: وجود ميداني محدود في العند
تستخدم الولايات المتحدة قاعدة “العند” الجوية في لحج جنوبي اليمن، حيث ينتشر نحو 600 جندي أمريكي، وتُستخدم القاعدة لتسيير الطائرات المسيّرة في عمليات مكافحة الإرهاب.
تركيا: إنجرليك… القاعدة النووية
تضم قاعدة “إنجرليك” نحو 4000 جندي أمريكي، وتُعد من بين القواعد القليلة خارج الولايات المتحدة التي تستضيف أسلحة نووية، إذ تحتوي على نحو 50 قنبلة نووية من طراز B61.
إسرا-ئيل: تكنولوجيا ودعم مباشر
يوجد تواجد أمريكي في قاعدة “نفاتيم” داخل إسرائيل، وتضم أنظمة رادار ودفاع جوي متطورة، وتعمل كجزء من مشروع مشترك ضمن “القبة الحديدية الموسعة”.
مصر: شراكة بلا قواعد… وتواجد ضمن القوة الدولية
رغم أن مصر لا تظهر في خرائط القواعد الأمريكية الدائمة، إلا أن تعاونها العسكري مع واشنطن يُعد من الأقدم والأهم في المنطقة. لا توجد قواعد أمريكية مستقلة في مصر، لكن هناك تواجد محدود ضمن “القوة متعددة الجنسيات” (MFO) في سيناء، حيث يشارك جنود أمريكيون في مراقبة تنفيذ اتفاقية السلام مع إسرائيل. كما تحتضن مصر مناورات كبرى مثل “النجم الساطع”، وتستفيد من مساعدات عسكرية أمريكية سنوية تفوق مليار دولار، في إطار شراكة قائمة دون تمركز عسكري دائم.
ختاما تكشف هذه الخريطة الواسعة من القواعد عن حجم النفوذ الأمريكي المتغلغل في الوطن العربي وتركيا، حيث لا تكتفي واشنطن بالتواجد الرمزي، بل تحرص على تمركز جغرافي استراتيجي يتيح لها التدخل السريع، وضمان السيطرة على مفاصل التأثير السياسي والعسكري في الإقليم.
وفي ظل عالم يتغير بسرعة، وتنافس دولي محتدم، تبقى هذه القواعد أدوات مرنة بيد واشنطن: تُستخدم حينًا للدفاع، وأحيانًا للردع، ودائمًا لضمان بقاء الشرق الأوسط ضمن المدار الأمريكي.
Leave a Reply