بت الكلب الشعيرية!!

بقلم: ممدوح أبارو

يحكى أن أحد أبناء أبسن، انقطعت به السبيل والوقت نهار، والقهنيبة ولفح السَموم “ينجضن العنكوليب”؛ فنزل عند أهلنا في إحدى قرى جنوب البطانة، بأول بيت مطرٓف، بصفته عابر سبيل وليس ناظر البطانة المعروف، المهم.. صاحبة الدار امرأة على قدر حالها، فقطعت بصلتها، ودقت شطتتها، وعاست عصيدتها من الفيتريتة، حتى تكرم ضيفها كسرة حارة بي موية، فلما جاء ابنها وتعرّف على شيخ العرب، سارع إلى الدكان الوحيد و”ضبح ورقتين شعيرية”، وهي التسمية المتعارف عليها للكيس.. “أمي قالت ليك جيب ورقتين شعيرية، وقيدها في الدفتر”؛ وحلبت الأم شاتها البرقاء، وولعت لهبتها، ونجضت شعيريتها باللبن للضيف العظيم، حينها أطلق ود أبسن قولته المشهورة: “بت الكلب الشعيرية، يجيبوك في الغداء”.
وقد سادت في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ثقافة امتلاك ماكينة الشعيرية، التي تُجلب من مصر في المنازل، وتبارت النسوة في فتلها وشرها على القنا وأعمدة السراير، حتى أنهن خصصن لها يومًا مثل يوم الجبنة والمشاط والودع! تسمع: “الليلة يوم شعيرية فلانة”، فيتبارن في جلب المساهمات من سكر ودقيق وزيت، وكذا يستثمرن باقي الدقيق في عمل “لقيمات” الونسة.
كنا صغارًا نظن أن للشعيرية شجرًا كما للأرز، حتى رأينا هذه الماكينة العجيبة! لذا صرنا نتنافس في خطب ود أمهاتنا حتى يُسمح لنا بلف منفلة هذه الآلة المعجزة، التي كانت سببًا في تدني مييعات كناتين الحلة، إن لم تساهم في إغلاقها!
تاريخيًا للشعيرية مساهمات كبيرة في إثراء الانثروبولوجيا الاجتماعية، وتحديد مسارات وتقاطعات السوسيولوجيا، فللشعيرية قدرة المحافظة على شعرة معاوية، أو نتفها، بنشب الخلافات بين المخطوبين، إذ يمكن لأحدهم أن يفرنب ويفركش الخطوبة لأن نسيبته قد أعدت له شعيرية مع شاي المغرب مثلًا، كما لها الأثر الكبير في مجتمعات أخرى.. كالذي يدعو أسرة للارتباط بأخرى، كل مؤهلات ابنتهم أنها تجيد تظبيط الشعيرية بالسمنة، حيث لم تظهر المكسرات آنذاك بعد! كما أن ارتباط الشعيرية بالزواج لاحق لملازمتها “فطور الطهور”، حيث ظلت على مدى سنوات في حلفٍ متين مع مِلاحات الروب اللبيض والتقلية الحمراء، حتى أتى عليها اليوم، الذي خانت فيه هذا الارتباط بعقد اتفاقية تكتيكية جديدة مع الفطير، برغم منافسة مجايلتها السكسكانية لها في الأمر..
لغويًا وسيمولوجيًا قد تكون التسمية من تشبيهها بالشعر، إلا أنني لم أجد لها تفسيرًا غير ذلك، إلا أنها لا تختلف عن “النودل” الألمانية و”الباستة” الإيطالية إلا في أننا لا نطبخها إلا مع اللبن، أو بالسكر والسمن؛ هذا فيما قبل دخول الأندومي والكوشري بالطبع!
والأمر كله ليس له منطق إلا أنه يجعلك تتمطق..

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.