
بقلم: محمد عثمان أبو شوك
الهجوم الإسرائيلي على إيران والرد الإيراني عليه لم يكن مفاجئًا، كما أنه لم يكن الأول من نوعه. فهو استمرار لمشهد معقد دام سنوات طويلة منذ استيلاء آيات الله على السلطة في طهران، تميز بازدواجية العداء الصاخب علنًا والتعاون الفعلي سرًا، بشواهد معروفة وموثقة، أكثرها شهرة وتوثيقًا ما عُرف بفضيحة “إيران جيت” أو “كونترا جيت” خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية.
هذا المشهد المعقد في العلاقات بين الكيانين له أسبابه البنيوية:
- فكلا الكيانين يستندان إلى مرجعية فكرية عمودها الفقري الدين.
- النظامان تتقمصهما فكرة الصفاء والتميز العرقي، التي ينتج عنها الاستعلاء والحكم على غيرهم بالدونية.
- الكيانان يؤمنان بشكل مطلق بحقهما المقدس في التوسع واحتلال أراضي الغير، انطلاقًا من سرديات خرافية مستمدة من رؤاهما اللاهوتية الممزوجة بالاستعلاء العرقي.
- كلاهما مسكون بعقدة أنهما موجودان في محيط معاد لهما، وعليه فإن جزءًا كبيرًا من أطروحاتهم الفكرية والسياسية إنما تقوم على شعارات المظلومية التي تعرضا لها عبر التاريخ من محيطهما القريب والبعيد.
- كلا النظامين يستخدمان نظرية التقية في نهجهما حربًا أو سلمًا: فالكذب والخداع حتى الأقربين، و”الغاية تبرر الوسيلة”، هي أمور ليست جائزة عندهما فحسب، بل ومطلوبة.
في ضوء ذلك، فليس من المستغرب أو غير المتوقع أن تشن إسرائيل حربًا محدودة على إيران مصحوبة بشعارات التباكي على أمن الناجين من محرقة النازية في ضوء اقتراب امتلاك إيران المزعوم للقنبلة النووية، أو أن ترد إيران على ذلك (العدوان) بمئات أو عشرات من الصواريخ مصحوبة بآلاف الشعارات الصاخبة ضد الإمبريالية والصهيونية والعدو الكافر، بينما يتواصل الطرفان سرًا لوقف الحرب، مباشرة أو من خلال الوسطاء.
الحرب الأخيرة بين الطرفين لها أيضًا أسبابها التي لا تتناقض مع المشهد المعقد للعلاقات بين “الأعدقاء”:
- إسرائيل تعاني من عزلة دولية خانقة بسبب عدوانها على غزة خصوصًا وفلسطين ولبنان وسوريا عمومًا واستمرارها في تجاهل القانون الدولي، الأمر الذي قد يقود إلى نتائج وخيمة على الكيان الغاصب، ليس أقلها الاعتراف بالدولة الفلسطينية من أقرب حلفائها وإقرار حل الدولتين، إضافة إلى انكشاف الطبيعة العدوانية العنصرية لهذا الكيان أمام الشعوب المحبة للسلام والعدالة.
- رئيس وزراء إسرائيل في وضع شخصي لا يُحسد عليه: فهو مواجه بقضايا فساد ضخمة لا عاصم له من مواجهتها إلا البقاء رئيسًا للوزراء لأطول فترة زمنية ممكنة، وذلك يفرض عليه التحالف مع أكثر أحزاب إسرائيل عنصرية وعدوانية وإدخال البلاد في حروب مستمرة تجعل المطالبة بإقالته وتقديمه للمحاكم أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلًا.
- النظام الإيراني فقد الكثير من بريقه بعد تخليه (أو بيعه) لحلفائه: حزب الله في لبنان ونظام الأسد في سوريا وحماس في غزة، فلم يتبق له سوى الحوثيين ونظام الميليشيات في العراق. آيات الله في حاجة ماسة لاستعادة بريق نظامهم الذي لطخته الهزائم وشكوك الخيانة والتخلي عن الصمود والمقاومة، وليس أفضل لمعالجة كل ذلك من حرب بين “الأعدقاء” تصاحبها وتليها حملة إعلامية واسعة عن انتصارات مزعومة ويتخللها الحديث المعهود عن المظلومية التاريخية والعداء الإمبريالي الصهيوني لقاعدة الإسلام وكعبته الجديدة قم.
ستنتهي حرب الأعدقاء كما انتهت حروبهما العلنية والسرية باتفاق يرعاه كفيلهما الدائم، غير أن نظام آيات الله سيخسر هذه المرة كل أوراقه وربما بقية زعانفه، لأنه دخل هذه الحرب وقد هُزم سلفًا فانطبق عليه مقولة: “أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأسود”.
Leave a Reply