التوطين الصناعي

بقلم: أ. عصام عثمان

تحمل كلمة “التوطين” في طياتها مفاهيم وعوامل ومعايير وأساليب متعددة المعاني، سواء في مجال اللغة أو الاقتصاد أو الاجتماع. فلكل عنوان من هذه العناوين (اللغوية، الاقتصادية، والاجتماعية) معنى يتباين، برغم اختلاف مجال التطبيق والهدف من سياسات التوطين.

في المجال الاقتصادي، على الرغم من وضوح الهدف، إلا أن الموضوع يتفرع ويتشعب. ولكن يمكن حصره في مجالين رئيسيين هما (الزراعة والصناعة). وكلا هذين المجالين، تشكل (الجغرافيا، المجتمع، والموارد المتاحة) أهم محددات أو عوامل التوطين.

لا يختلف مفهوم التوطين الزراعي كثيراً عن التوطين الصناعي، طالما كان الهدف هو تحقيق منفعة قصوى أو ربح أعلى، بتقليل نفقات (تكاليف) أحد عوامل مدخلات الإنتاج أو مخرجاتها، من تخزين وترحيل وتوزيع. إلا أن موضوع التوطين الصناعي يأخذ أهمية خاصة لا تقف عند التوصيف ودراسة الآثار الاجتماعية للمشروع، بل يستهدف دراسة وتحليل أسباب وعوامل التوطين الصناعي، بهدف الوصول إلى عدد من المعايير والأساليب الفنية التي تساعد على (اختيار وتحديد) الموقع الأمثل للمشروع.

عليه، فالموقع الأمثل هو الذي يحدد حقيقة الارتباط الوثيق بين (قرار) اختيار المشروع وعملية نجاح التصنيع والتنمية.

إن مقدرة المجتمع على النمو وتحقيق معدلات أعلى للتقدم لا تتوقف على حجم الموارد المتاحة، لكنها تتوقف على مدى نجاح المجتمع في استغلال موارده المتاحة بأفضل استغلال ممكن. مما يتيح للمجتمع اتخاذ قرار اختيار نوع المشروع (زراعي كان أم صناعي) وكذلك اختيار المكان الذي يتم فيه تنفيذ المشروع، وذلك من بين الأماكن المختلفة المشابهة لهذا الموقع. لأن الاختيار غير السليم لموقع المشروع قد يكون سبباً رئيسياً في إفشاله. أضف إلى ذلك، أن أهمية دراسة اقتصاديات التوطين تتأتى من خلال آثارها الضخمة بعيدة المدى على المناطق والأقاليم التي تتوطن بها المشروعات (الزراعية والصناعية).

من عوامل التوطين الصناعي:

بنظرة سريعة إلى خريطة الصناعات في العالم، تكشف حقيقة التوزيع غير المتكافئ للصناعة على مستوى دول العالم، أو على مستوى أقاليم أو أجزاء الدولة الواحدة. الأمر الذي أدى إلى فجوة واسعة في الدخل ومستوى المعيشة بين الشعوب الصناعية وشعوب الدول غير الصناعية، بل بين سكان المناطق غير الصناعية داخل الدولة الصناعية ذاتها.

إن اتخاذ قرار توطين الصناعة مرتبط بمدى توفر مقوماتها الأساسية من:

  • الطاقة: تُعتبر الطاقة من أهم مقومات قيام وتطوير الصناعة.
  • المواد الخام: يُعتبر جوهر الصناعة كنشاط اقتصادي هو تغيير شكل أو حالة المادة، بما يساعد على خلق منفعة أو زيادتها. من هنا تبرز أهمية المادة أو مجموعة المواد موضوع الصناعة. وكذلك الصناعات التحويلية لا تقوم إلا بتوفر المواد الخام نصف المصنعة التي تقوم عليها. هذا بالرغم من أن المواد الخام مهمة لتوطين الصناعة، إلا أن هذا العامل ليس حاسماً. والدليل على ذلك دولة اليابان، ليس بها مواد خام ولكن لديها صناعات متطورة، أو دول بها مواد خام وليس بها صناعات، وهذا من تأثير الاستعمار واستغلال المواد الخام للدولة الواقعة تحت الاحتلال ونهب مواردها.
  • القوى العاملة: تُعتبر القوى العاملة من أهم مقومات توطين المشروع، وبالذات القوى العاملة الماهرة والمدربة نوعياً، وذلك مثل دولة الصين.
  • رأس المال: ضروري لأي مشروع.
  • السوق: الغرض النهائي من المشروع الصناعي هو إنتاج السلع التي يطلبها الأفراد لإشباع حاجاتهم، أو إنتاج سلع تُستخدم في إنتاج سلع أخرى من صناعات تحويلية.
  • تكاليف التخزين والنقل: كلما كان المشروع قريباً من مصدر المواد الخام أو بالقرب من السوق، كلما قلت تكاليف التخزين والنقل.
  • الربح: هو هدف لأي مشروع صناعي، فلذا يلجأ المستثمر إلى توطين صناعته بالقرب من العوامل التي تتيح له تحقيق أكبر ربح ممكن، وذلك بتفعيل العوامل أعلاه من توفر الطاقة والمواد الخام والأيدي الماهرة وتقليل نفقات التخزين والترحيل.

وكذلك في:

  • التعليم
  • العلاج

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.