
بقلم: حاجة فضل كرنديس
لطالما كانت المرأة السودانية رمزًا للصمود والتحدي، وتجسيدًا حقيقيًا للقوة في مواجهة الأزمات والصراعات التي عصفت بالبلاد. لكن الحرب المستمرة منذ ما يقارب ثلاث سنوات ألقت بظلالها الكئيبة على حياتها، فغدت مرآة تعكس ألوانًا من المعاناة في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والصحية. هذه المعاناة لا تقتصر على فقدان الأحبة وانعدام الأمان، بل تمتد لتشمل التمييز، والاضطهاد، والعنف الجسدي والنفسي الذي يفتك بكرامتها.
ومع كل هذه الجراح، تظل المرأة السودانية شعلة أمل وقوة فاعلة في النضال من أجل السلام، ومحركًا أساسيًا لإعادة بناء الحياة الكريمة لها ولأسرتها. تستحق هذه المرأة كل الدعم والتقدير، فهي ليست مجرد ضحية، بل صانعة للتغيير.
معاناة تتجاوز الوصف
تتجلّى أكبر معاناة للمرأة في ظل هذه الحرب في فقدان أفراد أسرتها، سواء بالقتل، أو الاختطاف، أو الهجرة القسرية. فالنساء والأطفال هم الأكثر عرضة للعنف والتشرد، مما يترك أثرًا عميقًا على صحتهم النفسية. تعيش المرأة في حالة قلق مستمر، يمزقها الخوف على مصير أبنائها، ويزيد من معاناتها النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة، بالإضافة إلى الحزن الذي لا يغادرها. كما أن تفرق شمل الأسرة الواحدة، سواء باللجوء خارج الوطن أو النزوح إلى مناطق آمنة داخل السودان، يترك في قلب المرأة خوفًا دائمًا على عائلتها وأمن أسرتها.
وتعدّ النساء السودانيات من أكثر الفئات عرضة للعنف الجنسي خلال فترات النزاع. فغالبًا ما تُستخدم المرأة كوسيلة للانتقام أو للابتزاز، أو كأداة للانتقام العسكري. تنتشر حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية بشكل واسع، وتُستخدم كوسيلة لترويع المجتمع وإضعافه. هذه الانتهاكات تؤدي إلى آثار طويلة الأمد على الصحة الجسدية والنفسية للنساء، وتفاقم من مشكلات الزواج والأسر. والمستجد على الساحة الآن هو قتل النساء، وسبيهن، وظاهرة بيع النساء كسلعة في أسواق بعض دول الجوار.
بالإضافة إلى ذلك، تدمر الحرب البنية التحتية وتؤدي إلى توقف الحياة الاقتصادية، مما يضاعف معاناة المرأة التي تعتمد على العمل اليومي لتوفير لقمة العيش. فقدت العديد من النساء وظائفهن أو أُجبرن على العمل في ظروف غير آمنة أو غير مستقرة، ويجدن أنفسهن عاجزات عن توفير الاحتياجات الأساسية لعائلاتهن، خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
تأثرت فرص التعليم بشكل كبير في مناطق النزاع، حيث تتعرض المدارس للهجمات أو تُغلق، مما يحرم الأطفال، خاصة الفتيات، من التعليم. تواجه المرأة التي تسعى لتعليم أبنائها أو لنيل حقها في التعليم تحديات كبيرة، منها ضعف البنية التحتية، والتمييز، والخوف من العنف، وهو ما يزيد من مستوى التهميش الذي تعانيه.
وتعدّ الرعاية الصحية من أبرز التحديات، حيث تتعرض المراكز الصحية والتجهيزات للخطر، ويصعب على النساء الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، خاصة في حالات الولادة أو الأمراض المزمنة. كما أن النساء يعانين من نقص في وسائل منع الحمل، والخدمات النفسية، والرعاية الصحية للحالات الطارئة مثل الكوليرا التي انتشرت بشكل مخيف وحصدت الأرواح، هذا غير بعض الحميات المجهولة وحالات الاختناق.
لا يمكن إغفال التمييز الاجتماعي والثقافي الذي تعاني منه المرأة السودانية، خاصة في مناطق النزاع، حيث يُنظر إليها أحيانًا على أنها مسؤولية الأسرة أو المجتمع، وتُحمّل أعباء عائلية ضخمة، بالإضافة إلى قيود ثقافية تحد من مشاركتها في الحياة العامة. وفي حالات النزاع، تتفاقم هذه القيود، وتُفرض على النساء قيود إضافية، مما يحد من حريتهن وحقوقهن.
حلول طارئة ودائمة لمستقبل أفضل
لمواجهة هذه التحديات، تبرز الحاجة الملحّة إلى حلول شاملة وفعالة. من أبرز هذه الحلول:
– تعزيز الحماية القانونية والحقوقية: من خلال تفعيل القوانين ووضع قوانين صارمة تجرم العنف الجنسي والاعتداءات على المرأة، وضمان تطبيقها بشكل فعال من قبل الجهات المعنية. كذلك، إنشاء مراكز حماية للنساء المعرضات للخطر، وتقديم الدعم القانوني والنفسي لهن. وتدريب الشرطة والجهات القضائية على التعامل مع قضايا النساء في ظل النزاعات لتعزيز العدالة.
– دعم الخدمات الصحية والنفسية: بإنشاء مراكز صحية متنقلة في مناطق النزاع، وتوفير الخدمات اللازمة للنساء، خاصة في حالات الولادة، والأمراض المزمنة، والصحة النفسية. بالإضافة إلى تنظيم برامج علاج نفسي وتأهيل نفسي للنساء المتضررات من الحرب، لمساعدتهن على تجاوز الصدمات.
– تمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا: من خلال توفير برامج تدريب مهني للنساء، لتمكينهن من الاعتماد على أنفسهن وتحقيق الاستقلال المالي. ودعم المشاريع الصغيرة للنساء من خلال التمويل والتدريب، لخلق مصادر دخل مستدامة. وإعادة فتح المدارس وتوفير برامج تعليمية مرنة للفتيات والنساء، بما يتناسب مع ظروف النزاع.
– تعزيز الوعي والتثقيف: بإطلاق حملات توعية مجتمعية حول حقوق المرأة وأهمية حماية النساء من العنف والتمييز. وتمكين النساء من المشاركة في عمليات السلام، وصنع القرار، والمبادرات المجتمعية.
– دعم وتطوير المؤسسات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية: بتمكين المؤسسات ودعم منظمات حقوق الإنسان والنساء، وتمكينها من تقديم خدماتها بشكل فعال. والتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لدعم برامج حماية المرأة.
* بناء السلام وإعادة الإعمار: العمل على تحقيق سلام دائم وشامل، يضمن حقوق المرأة ويضعها في صلب عملية البناء. ودعم مشاريع إعادة بناء المناطق المتضررة، وتوفير فرص عمل، وتحسين البنية التحتية.
نساء سودانيات يضيئن دروب الأمل
بالرغم من كل المعاناة، هناك نساء سودانيات أبدين مقاومة وشجاعة في مواجهة الصعوبات، وأسسن منظمات ومبادرات لدعم المجتمع، مثل:
– النساء في دارفور: اللاتي أسسن جمعيات للدفاع عن حقوق النساء، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي.
– التنسيقية النسوية الموحدة: التي تضم مجموعة من التنظيمات النسوية، وقد ولدت شامخة ووضعت بصمتها على المشهد خلال الحرب.
– منظمات نسوية خارج السودان: مثل “نساء من أجل السلام” في لندن، التي تعمل بجد من أجل الناجيات من الاغتصاب وغيره.
– مبادرات التعليم: مجموعات نسائية تطلق برامج تعليمية في المناطق التي تشهد نزاعات، بهدف تمكين الفتيات من التعليم.
– منظمات تدعم مشاركة النساء في لجان السلام: وتوصيل أصواتهن للمفاوضات.
تبرز هذه القصص أهمية العمل الجماعي، والدعم المجتمعي، والتضامن من أجل تمكين المرأة السودانية، وإعادة بناء حياة كريمة لها.
استثمار في المستقبل
إن معاناة المرأة السودانية في ظل الحرب طويلة ومعقدة، وتحتاج إلى جهود جماعية ومستمرة من المجتمع، والحكومة، والمنظمات الدولية، والمؤسسات الحقوقية. لا يمكن إغفال الدور الحيوي الذي تلعبه المرأة في بناء السلام والتنمية، فهي ليست فقط ضحية، بل أيضًا فاعلة رئيسية في عملية التغيير.
من خلال تفعيل القوانين، وتوفير الحماية، وتعزيز القدرات الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير خدمات صحية ونفسية، يمكن تخفيف معاناة المرأة، وتمكينها من لعب دور أكبر في مستقبل السودان. إن استثمارنا في المرأة هو استثمار في مستقبل البلاد، إذ أن تمكين المرأة هو مفتاح لنهوض وازدهار المجتمع ككل.
Leave a Reply