زاوية مضيئة المرأة.. بين مطرقة التحول الرقمي وسندان العنف الإلكتروني

بقلم: د.امتثال بشير

المرأة الأصيلة هي تلك القادرة على صوغ هويتها الإنسانية بكل اقتدار؛ لا تنقاد لأيَّة إملاءاتٍ تُعارض قِيَمها ومبادئها الراسخة؛ تُصقلها التجارب، فتزداد ثقةً بذاتها دون أن تميل إلى غرورٍ أو تعالٍ؛ وتُكسِبها مواقفها احترام الجميع، لكونها اختارت ذاتها ووضعت لنفسها موقعًا واضحًا من الأشياء، سواءً كان ذلك إيجابًا أو سلبًا. “كوني أنتِ، ولو لم تُعْجبي أحداً”.

لقد أفرزت ثورة التكنولوجيا والمعلومات واقعًا مُفعمًا بالكثير من التعقيدات. غدت وسائل التواصل الاجتماعي نِعمةً لمن يُحسن ويُتقن التعامل معها بموضوعية وعقلانية. وعلى النقيض التام، يُمكن أن تتحول إلى نِقمةٍ بليغةٍ يتأذى من لظاها القاصي والداني.

إن الطفرة التقنية التي وفّرت سهولة الوصول إلى الإنترنت وتغلغله في معظم مفاصل الحياة اليومية قد جعلت المرأة، سواءً في الحضر أو في الأرياف، أكثر عرضةً للانكشاف عبر الوسائط الرقمية. ففي هذا الفضاء الإسفيري الفسيحتتجلى فرصٌ لا تُحصى: منصات للتعليم الذاتي، ومسارات للتطوير الشخصي والتدريب، وأبوابٌ مُشرعة للعمل الحر والريادة الرقمية والتجارة الإلكترونية. كما تتوفر مساحات شاسعة للترفيه، والتواصل الاجتماعي، والدردشة، والتسوق الذي بات معظمه إلكترونيًا. إذاً، لا مفرَّ ولا مهرب منه، بل المفرّ إليه.

في ظل هذا المشهد الرقمي المفروض، وهذه السياحة الإلكترونية غير المحدودة، تتسع دوائر المعارف وتترسخ العلاقات الاجتماعية وتنشأ الصداقات بشقيها: الموضوعي وغير الموضوعي. وهذا الأخير يُصنف عنفاً إلكترونياً – لأنه يتم عبر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومنها الإنترنت، والبريد الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، والهواتف المحمولة – والذي تتجلى صوره في انتحال الشخصية بغرض الابتزاز المادي، فضلاً عن تداول وتبادل وإرسال الرسائل والصور الخادشة للحياء، والمتجاوزة للأعراف والعادات والتقاليد المجتمعية السمحة؛ أو حتى معلومات شخصية وخاصة قد تتعرض صاحبتها أحيانًا للابتزاز بكافة أنواعه ومُسمياته.

هذا النمط من التعامل اللاأخلاقي ينعكس سلباً على المرأة التي تمارس تعاملات موضوعية – كأن يكون لها عملٌ أو مشروعٌ يُشكل مصدراً للدخل – فيؤثر ذلك تأثيرًا مباشرًا على صحتها النفسية والذهنية والتي بدورها تنعكس على الصحة الجسدية، مُسببةً الكثير من العلل والأمراض المستعصية.

إن تنامي وتطور هذه المظاهر السلبية يُعزىجزئياً إلى غياب القوانين الرادعة التي تحكم هذه الفضاءات الإسفيرية في بعض الدول، أو لضعف تطبيقها في كثير من الدول الأخرى. يضاف إلى ذلك، انعدام مساحات كافية للشكاوى والتبليغ ضمن بعض المنصات الرقمية، وهذا بدوره يشجع المتفلتين على التمادي في غيّهم. وأحياناً، يقع اللوم ظلمًا على الضحية نفسها؛ بزعم أنها لم تُفرض طوقاً من السرية على معلوماتها الشخصية، أو لجهلها بحقوقها القانونية التي تقيها شرّ التنمر والتحرش الإلكتروني.

بالمقابل، فإن تفعيل القوانين الرادعة، ووضع الضوابط الصارمة على المنصات المختلفة، وتشجيع الإبلاغ الفوري عن التجاوزات، من شأنه أن يُوفر بيئات آمنة لأصحاب التعاملات الموضوعية. فالقوانين، وإن كانت رادعة، تستطيع تقليل هذه الظواهر والحد منها، لكنها لن تُعدمها تماماً.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.