تفاعلات إعلامية متضاربة: طهران وتل أبيب.. حرب الروايات تشتعل وسط التصعيد المتبادل

في تصعيد جديد للغة التهديد بين إسرائيل وإيران، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس المرشد الإيراني علي خامنئي بأن العاصمة الإيرانية طهران “ستحترق” إذا استمرت طهران في إطلاق الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين. وقال كاتس في بيان صدر اليوم السبت: “يأخذ الديكتاتور الإيراني مواطني إيران رهائن، مما يُجبرهم، وخاصة سكان طهران، على دفع ثمن باهظ بسبب الأذى الفادح الذي يلحق بمواطني إسرائيل.” وأضاف الوزير الإسرائيلي محذراً: “إذا استمر خامنئي في إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فستحترق طهران.”
من جانبها أبلغت إيران رسميًا كلًّا من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بأنها ستبدأ هجمات واسعة النطاق ضد إسرائيل. وقالت إن أي دولة تُشارك في صدّ الهجمات الإيرانية على إسرائيل ستكون هدفًا لقوات إيرانية، بما في ذلك جميع القواعد الإقليمية للدول المتحالفة، ومن ضمنها القواعد العسكرية في دول الخليج، والسفن والزوارق في الخليج الفارسي والبحر الأحمر.
تهديدات الطرفين نقلت الصراع إلى مربع جديد، إذ لم يقتصر المشهد على العمليات العسكرية الميدانية، بل امتد إلى ميدان موازٍ لا يقل سخونة: حرب المعلومات والروايات الإعلامية. وبينما تعمد وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية في كلا البلدين إلى بث تفاصيل الهجمات والخسائر، تبرز تباينات حادة في الأرقام والوقائع، تعكس في كثير من الأحيان توظيفاً سياسياً وإستراتيجياً للخطاب الإعلامي في إدارة الصراع.

من الجانب الإيراني: رسائل نارية وتحذيرات مفتوحة
بحسب التلفزيون الرسمي الإيراني، فإن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة تسببت في مقتل غلام رضا محرابي، مسؤول شؤون الاستخبارات بهيئة الأركان، ومهدي رباني، المسؤول عن العمليات في ذات الهيئة، وهي خسارة نوعية تؤشر إلى أن الضربات استهدفت مراكز حساسة تتجاوز المواقع النووية أو البنية التحتية.
ووفقاً لتقارير إعلامية إيرانية، فقد أسفر الهجوم على مجمع سكني في طهران عن سقوط 60 قتيلاً، ما دفع طهران إلى إعلان أن الرد سيكون “متعدد الاتجاهات”، وقد يشمل أهدافاً أمريكية في المنطقة، بحسب تصريحات نُقلت عن مسؤولين بارزين لوكالة فارس.
وسجلت تقارير محلية وقوع انفجارات جديدة في خرم آباد وكرمانشاه، إلى جانب ضربات في أذربيجان الشرقية وقرب مصفاة تبريز. وفي تطور لافت، نقلت وكالة مهر أن إيران أبلغت كلاً من واشنطن، وباريس، ولندن بأنها بصدد توسيع نطاق الرد على الضربات، مع إعلان الجيش الإيراني استعداده لإطلاق ما يصل إلى 2000 صاروخ باتجاه أهداف إسرائيلية في حال تواصل الهجمات.
في السياق نفسه، أفادت مصادر إعلامية بأن أحد المواقع العسكرية في أسدآباد غرب البلاد تعرّض لقصف جوي أسفر عن مقتل عنصرين من فرق الصواريخ، بينما تواصل الدفاعات الإيرانية حالة التأهب القصوى في طهران والمدن الاستراتيجية.

من الجانب الإسرائيلي: استهداف عقول المشروع النووي ومرافق حيوية
على الطرف المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي، عبر إذاعته الرسمية، تنفيذ ضربات دقيقة استهدفت منشآت نطنز وأصفهان وفوردو النووية، مؤكداً مقتل 9 من كبار العلماء والخبراء الإيرانيين، من بينهم:
فريدون عباسي، محمد طهرانجي، أمير حسن فخي، منصور عسكري، عبد الحميد منوشهر، وسعيد برجي، وهو ما اعتبرته إسرائيل “ضربة مؤلمة لقدرات إيران العلمية الاستراتيجية”.
كما ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن 3 مطارات رئيسية في طهران وهمدان وتبريز كانت ضمن نطاق الضربات، إضافة إلى منشآت عسكرية ومقرات لقيادات الحرس الثوري.
وفي المقابل، أقرّت إسرائيل بأن وزارة الدفاع، ووزارة الاقتصاد، وقاعدة تل نوف الجوية، تعرّضت لهجمات إيرانية مباشرة خلال الرد الصاروخي الأخير، الذي شمل ما يقدّر بـ200 صاروخ باليستي، وفقاً لتقديرات رسمية.

وعلى مستوى الحدود الإقليمية، أفادت تقارير أمنية إسرائيلية أن منظوماتها الجوية اعترضت مسيرة إيرانية في ريف درعا الشمالي بسوريا، دون الإشارة إلى خسائر بشرية.

من المجتمع الدولي: قلق متزايد وتحذيرات من الانزلاق
وسط هذا التصعيد، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن منشأة أصفهان النووية قد تعرّضت لـ”عدة استهدافات” خلال اليومين الماضيين، فيما طالبت بتمكين المفتشين من دخول المواقع المتضررة، وهو ما لم يتلقَ رداً رسمياً بعد من طهران.
من جهتها، أعربت عدد من العواصم الغربية عن قلقها إزاء استمرار التراشق، داعية إلى تجنب استهداف المنشآت المدنية أو الحيوية، بينما تواصلت التحذيرات من احتمال تحول هذه المواجهة إلى صراع إقليمي واسع النطاق.

حرب المعلومات: بين الرواية والتضليل
يبقى من اللافت أن كلا الطرفين يتعمّدان تضخيم مكاسبهم وتقليل حجم خسائرهم، بما يعكس طبيعة الصراع الذي لا يقتصر على الأرض، بل يمتد إلى فضاء السرد والخطاب. ففي الوقت الذي تتحدث فيه إسرائيل عن تدمير قدرات نووية نوعية، تنفي إيران ذلك وتعرض صوراً قالت إنها “تثبت محدودية الضربات”.
وفي مقابل تأكيدات إيرانية بأن الرد سيشمل قواعد أمريكية في الخليج، يؤكد مسؤولون غربيون أن طهران تحاول ممارسة ضغط نفسي، لكنها لم تتجاوز بعد قواعد الاشتباك غير المباشر.

تصعيد مفتوح على كل الجبهات
تدلّ المؤشرات الحالية على أن التصعيد الإعلامي والسياسي بين طهران وتل أبيب ما زال في طور التمدد، مع استبعاد أي اختراق دبلوماسي فوري. وبينما تتحدث بعض التحليلات عن “ضربة واحدة متبادلة ثم التهدئة”، يرى آخرون أن المنطقة تتجه إلى مواجهة أكثر تعقيداً وأطول مدى، خصوصاً مع دخول أطراف جديدة على خطوط النار بشكل غير مباشر.
ويبقى المشهد مفتوحاً على احتمالات شتى، أبرزها أن تتحول حرب الروايات إلى واقع ميداني شامل، يُلقي بثقله على استقرار الشرق الأوسط بأكمله.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.