
بقلم: هتون حازم
يُشكل التمييز ضد المرأة واحداً من أعقد الإشكاليات الاجتماعية والسياسية التي تُلقي بظلالها على العصر الحديث. فعلى الرغم من التقدم المُحرز الذي تُوجت به مسيرة المرأة في شتى الميادين، إلا أن أشكال التمييز المنهجية لا تزال تُنغّص حياتها اليومية بشكلٍ ملموسٍ ومُعيق.
من صور التمييز المُتغلغلة في فضاءات العمل، إلى حواجز التمييز التي تعترض سبل التعليم، ومن وحشية العنف الأسري، إلى غياب العدالة في المضمار السياسي؛ تُلاقي المرأة تحدياتٍ جمةً لا تُحصى في غمار حياتها. إن هذه التحديات لا تقتصر آثارها بعيدة المدى على المرأة ذاتها فحسب، بل تمتد لتُلقي بتبعاتها على كيان الأسرة بأسرها، وعلى نسيج المجتمع ككل، مُحدثةً فيه شرخًا عميقًا.
يُعد السودان من الدول التي صادّقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، إلا أنه احتفظ بحقوقه في التحفظ على بعض بنودها الجوهرية، كالمادتين الثانية والسادسة عشرة، والفقرة الأولى من المادة التاسعة والعشرين من الاتفاقية. وتُشدد المادة الثانية على ضرورة دمج مبدأ المساواة بين الجنسين في صلب القانون والسياسة، وتدعيم الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل. أما المادة السادسة عشرة، فتُلزم الدول الأطراف باتخاذ كافة التدابير اللازمة للحيلولة دون ممارسة أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة في جميع الأمور المُتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية.
التمييز في فضاءات العمل:
يُصنف التمييز في محيط العمل كأحد أكثر أشكال التمييز ضد المرأة انتشارًا وشيوعًا. فالمُتفحّص للواقع يرى أن المرأة تواجه عقبات كؤوداً في الحصول على فرص التوظيف اللائقة، وفي الارتقاء الوظيفي، وفي نيل أجورٍ تتسم بالعدالة والإنصاف. ووفقاً لتقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة، فإن نسبة انخراط المرأة في القوى العاملة لا تتجاوز الـ40%، بينما تصل نسبة الرجال إلى 80%، ما يُشير إلى فجوة واسعة تُعيق تكافؤ الفرص.
التمييز في رحاب التعليم:
يُعتبر التمييز في مجال التعليم أحد أوجه التمييز الخطيرة التي تُحد من طموح المرأة. فالملاحظ أن المرأة تُصادف صعوبات جمة في الوصول إلى فرص التعليم المتكافئة، لا سيما في المجالات العلمية والتكنولوجية الدقيقة. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نسبة المرأة في التعليم العالي لا تتعدى 30%، في حين تصل نسبة الرجال إلى 50%، مما يعكس تحديًا هيكليًا يستوجب المعالجة.
العنف الأسري: وصمةٌ في جبين الإنسانية:
يُمثل العنف الأسري واحداً من أخطر أشكال التمييز المُمارس ضد المرأة. فكثيراً ما تجد المرأة نفسها عاجزةً عن الحصول على الحماية الكافية من هذا العنف، خاصةً في المجتمعات التي تتدنى فيها مستويات الوعي بقضايا المرأة وحقوقها. وتُفيد تقارير الأمم المتحدة أن نسبة النساء اللواتي يُعانين من العنف الأسري تبلغ 30% على الأقل، وهي نسبة تُنذر بخطرٍ مجتمعيٍّ لا يصح تجاهله.
التمييز في دوائر السياسة:
يُعد التمييز في المجال السياسي وجهاً آخر من أوجه التمييز ضد المرأة. حيث تواجه المرأة عقبات واضحة في نيل فرص المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، خاصة في الميادين القيادية وصنع القرار. وتُظهر تقارير الأمم المتحدة أن نسبة تمثيل المرأة في البرلمانات لا تتجاوز 20%، بينما تُسيطر نسبة 80% من المقاعد على الرجال، مما يؤكد الحاجة الملحة لتعزيز مشاركتها السياسية.
لذا، بات لزامًا علينا وضع استراتيجيات حلولٍ شاملةٍ وفعالةٍ؛ لتعزيز الوعي العميق بالقضايا النسائية، وترسيخ مبدأ المساواة بين الجنسين في كلٍ من التعليم وميدان العمل، وتدعيم سبل الحماية الفاعلة للمرأة من براثن العنف الأسري، بالإضافة إلى إرساء آلياتٍ قوية لتعزيز مشاركتها السياسية. يجب أن نسعى جاهدين نحو بناء مجتمعٍ قوامه العدل والمساواة، حيث تتمتع المرأة فيه بالحقوق والامتيازات ذاتها التي يتمتع بها الرجل، دون أي تمييز أو تفرقة.
Leave a Reply