
تقرير: رانيا فاروق
فرضت حرب 15 إبريل 2023 واقعًا جديدًا على نساء السودان، أثر بشكل عميق على حياتهن اليومية وفي الفضاء العام. فمع تزايد أعداد ضحايا النزاع، وجدت السيدات السودانيات أنفسهن أمام مسؤولية ضخمة، ما دفع بمعظم الأنشطة والمبادرات النسوية، التي ازدهرت خلال وبعد ثورة ديسمبر، للتحول إلى “تكايا” وغرف طوارئ. تبدأ هذه المبادرات عملها من داخل دور الإيواء، بتقديم الإطعام وتوفير احتياجات النازحات، وتقديم الدعم النفسي والطبي والقانوني، وصولاً إلى أدوار أكبر في الدفاع عن حقوق الإنسان والمطالبة بوقف الحرب وإشراك النساء في كل تفاصيل عملية صنع السلام.
من الحراك الثوري إلى “إعلان كمبالا”: رحلة مطالبات نسوية مستمرة
شكلت مشاركة النساء خلال الحراك الثوري 2018 – 2019 أكثر من 60%، خاصة بين الشابات، ما عكس دورهن المحوري في التغيير. وخلال فترة الحكومة الانتقالية، برزت مبادرات نسوية وشبابية رائدة في العمل المدني الهادف إلى التوعية وبناء الدولة المدنية، وتحقيق شعارات الثورة، ورفض العنصرية وإنهاء التمييز ضد النساء. توج هذا الحراك بالتوقيع على القرار الأممي 1325 الخاص بأمن وسلامة النساء في مناطق النزاعات ومشاركتهن في عملية السلام وإعادة الإعمار وتجريم العنف ضد النساء في مناطق النزاعات.
وعلى الرغم من إدراك النساء لأهمية الدور الدولي والضغط في اتجاه مشاركتهن في عملية السلام والمفاوضات، إلا أن منبر جدة التفاوضي الذي ناقش الأزمة السودانية لم يشهد أي مشاركة نسوية. يأتي ذلك في الوقت الذي كانت فيه النساء من أوائل المطالبات بوقف الحرب، حيث رفعن مذكرات إلى الفاعلين الدوليين وقدن حملات تطالب بفتح الممرات الآمنة وتوصيل المساعدات الإنسانية للنازحين، خاصة النساء. كما طالبن بالمشاركة في المفاوضات وعملية السلام، انطلاقًا من وعيهن المتزايد بقضاياهن.
في أكتوبر 2023، توافقت أكثر من 350 امرأة يمثلن عددًا من المبادرات النسوية من مختلف الفئات العمرية والطبقية والإثنية على “إعلان كمبالا النسوي”. يهدف هذا الإعلان إلى التأثير على مسار السلام ودعم بناء التحالفات النسوية. وتضمن الإعلان مبادئ أساسية منها ضرورة إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار والعودة لمنبر التفاوض، والبدء في محادثات السلام المستدام الذي لا يمكن تحقيقه دون اعتماد رؤية نسوية مشتركة. كما شدد الإعلان على إعلاء الأجندة النسوية فوق الانتماءات الحزبية والفكرية والدينية والإثنية والمناطقية والطبقية، واعتماد منهج التشاركية لضمان المشاركة النوعية المتساوية والفعالة للنساء بدءًا من مفاوضات السلام وجميع مستويات وضع السياسات واتخاذ القرار في كل مؤسسات وهياكل الحكم السياسية والتنفيذية والتشريعية والعدلية والقضائية والأمنية.
عقبات متعددة أمام المشاركة السياسية للمرأة
على الرغم من هذا الدور الفاعل، لا تزال هناك أسباب كثيرة تضعف مشاركة النساء في العملية السياسية والفضاء العام، وتشمل هذه الأسباب جوانب سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية. في ورشة سابقة لمركز “الألق”، كشفت الباحثة والمدربة في مجال النوع الاجتماعي، د.سامية الهادي، عن هذه الأسباب.
تعزو د.سامية بعض هذه الأسباب إلى الجانب الاجتماعي، حيث تنشغل النساء بالأعباء المنزلية، مما يقلل من فرصهن للمشاركة في الشأن العام. أما على الجانب السياسي، فتتجلى الأسباب في نظم الحكم العسكرية والدكتاتورية الطويلة التي تقيد حرية التنظيم السياسي والجماهيري، وتجمد الجمعيات النسوية، وتعزز النظم الذكورية الأبوية. حتى خلال فترة الحكومة الانتقالية، كانت مشاركة النساء “مخجلة”، وفقًا للدكتورة سامية.
إضافة إلى ذلك، تشير الدكتورة سامية إلى ضعف مطالبة النساء أنفسهن بالمشاركة السياسية. وتلفت الانتباه إلى مسألة تحتاج إلى بحث ودراسة وهي: “أين الشابات اللاتي قدن الثورة ولماذا لا ينخرطن في الأحزاب السياسية؟” وتطالب د.سامية بضرورة اهتمام النساء بقضية المشاركة السياسية وإدارة حوارات حول إحجام الشابات عن السياسة، ومناقشة التحديات التي تواجه النساء في الأحزاب، بالإضافة إلى إدارة نقاشات أخرى على مستوى قادة الأحزاب حول إحجام النساء عن العمل السياسي.
Leave a Reply