وسأمتحن.. ولو بيدٍ مبتورة وبطنٍ خاوٍ

بقلم: د. سلمى نايل
في زمنٍ بات فيه التعليم حلمًا مؤجلًا، وفي وطنٍ تناثرت فيه البيوت كما تتناثر أوراق الخريف في مهب الحرب، كنتُ أنا هناك… أضع حجرًا على بطني لأكبح جوعًا لا يُرحم، وأشد على قلبي كي لا ينكسر في زحمة القهر والتشريد.

فقدت داري، بيتي، الذي كان حضنًا دافئًا، مأوى يحميني من تقلبات الحياة، لكن الحرب لا تقرع الأبواب حين تدخل، بل تقتحم بلا إذن، تسرق الأمان، وتتركنا نحمل جراحنا على أكتافنا بحثًا عن ملجأ يشبه الوطن، أو على الأقل لا يشبه الجحيم.

نزحت أو لجأت، لا فرق. المهم أنني غادرت المهد، ولم أغادر الحلم.

في أقسى لحظات الجوع، كانت يدي تقبض على كتابي، كأن العلم هو خبزي الوحيد، وهواء رئتي، وسلاح عزيمتي. وبالرغم من أن الحرب بترت يدي الأولى، إلا أنني سندت ظهري على كتف أخي، وواصلت المسير، على قدم الإرادة.

أعددت نفسي للامتحان الأخير، امتحان مصيري، لا يختلف كثيرًا عن امتحانات الحياة، التي خضتها مرارًا: الفقر، النزوح، فقد الأحبة، والخذلان. لكن كان لا بد من وقفة، من شهادة تثبت أنني موجود، أنني لم أُهزم.

لكنّ وزارة التربية والتعليم، التي يُفترض أن تكون الحاضن الأخير للطالب، اختارت أن تبتر يدي الأخرى، لا بسلاح، بل بإعلان رسوم تسجيل تعجيزية، وكأن الفقر جريمة، وكأن الجوع تهمة، وكأن البقاء على قيد الحلم جريمة لا تُغتفر.

أقولها لكم جميعًا، لكل من يضع العراقيل أمام أبناء الفقراء والمنكوبين، أمام من يحملون الوطن في قلوبهم لا في جيوبهم: أنا أُحب التعليم. وسأواصله ولو زحفت على بطني. ولو بلا يدين.

فيومًا ما، سيكتب التاريخ أن فتاةً من هذا الوطن الجريح، خاضت أصعب امتحانات الحياة، ونجحت. لأن نجاحها لم يكن درجات على ورقة، بل كان اقتلاعًا لآخر معقل من معاقل الظلم، من أجل سودان جديد، يليق بنا جميعًا.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.