
بقلم: د. عزالدين ميرغني
- من المعروف بان تأثير اللغات على بعضها البعض، محسوس ومؤكد، وقد قدمت عدة دراسات حول هذا الموضوع. لأن اللغة كائن حي، تتجدد، وتتطور، وإذا لم تفعل ذلك فإنها تموت، كما حدث لكثير من اللغات في العالم . فاللغات الحية، المتجددة، هي، التي بقدر ما تأخذ فإنها أيضًا تعطي وتأثير اللغات بعضها علي بعض يأتي من عدة عوامل، من أهمها الجوار الجغرافي بحيث يكون التواصل بين الشعوب هو، الذي يجعل كل لغة تأخذ من الثانية. وهذا الاتصال والقرب الجغرافي يضاف إليه التبادل التجاري، وقد ظهر حديثًا تأثير الهجرة على اللغات، قديمًا وحديثًا، وقد تأثرت اللغات الأوربية كثيرًا بلغات المهاجرين إليها وخاصة اللغة العربية، واللغة التركية. ومن أكبر التأثيرات، التي تحدث للغة هو التأثير الديني، بحيث أن اعتناق الأمم للدين الوافد إليها، يجعل الفرد يسعى جاهدًا لمعرفة اللغة الأصل، التي نزل بها الدين، وتأثير الإسلام والقرآن كان كبيرًا وفاعلًا في تعلم اللغة العربية والأخذ منها، في كل جهات الكون الأربعة . ثم تأتي أيضًا الهيمنة السياسية والاستعمارية، بحيث يفرض القوي لغته على الضعيف. فقد انتشرت اللغات الأوربية في كل أرجاء الكون بحكم القوة والسيطرة، والاستيطان أيضًا . وهذه اللغات الأوروبية أخذت أيضًا من لغات الشعوب، التي استعمرت ( بضم التاء ) أيضًا.
- وقد أثرت اللغة العربية، تأثيرًا واضحًا في كثير من اللغات الحية المعروفة الآن، منها السواحيلية، التي تمثل العربية 60% من كلماتها . ومن أكثر اللغات الأوربية أخذًا من العربية، هي اللغة الإسبانية، وتأتي عوامل كثيرة ساعدت في ذلك منها قيام دولة الأندلس والقرب الجغرافي للمغرب العربي . وينطبق هذا على اللغة الفارسية، التي تكتب باللغة العربية . وفي إفريقيا يبدو هذا التأثير واضحًا في لغة الهوسا ولغة التقراي والأمهر، ويظهر تأثيرها واضحًا في لغة عربي جوبا.
- وكما ذكرنا بأنه من أهم العوامل، التي ساعدت في انتقال اللغة العربية، إلى اوروبا وبريطانيا، هو قيام دولة الأندلس في العام 1508 م، وكان لها دورًا كبيرًا في نشر الإسلام والثقافة العربية في أوروبا . وكان لانفتاح عصر النهضة الأوربية على ثقافات العالم، ومن ثم اهتمام العلماء والمستشرقين والأدباء والمؤرخين بدراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية وكان لاهتمام الجامعات، وجمعيات البحث في أوروبا، بدراسة اللغة العربية ( جامعة أكسفورد، وجامعة لندن ) دورًا مقدرًا في ذلك.
- بحسب ما جاء في قاموس oxford English فإن هنالك ما يقرب من الثلاثة ألف كلمة عربية في اللغة الإنجليزية أصبحت قوية وراسخة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة . وهناك بحث مشهور قام به الأستاذ تيلر بعنوان Arabic words in English ( الكلمات العربية في اللغة الإنجليزية . وقد ذكر أن هنالك أكثر من ألف كلمة عربية في الطب والكيمياء، والفلك وعلم الأحياء، والجراحة . والتأثير من حيث الألفاظ يظهر جليًا في دخول أداة التعريف ( أل ) مثال لذلك كلمة alchemy, alcohol, elixir, almanac ( الكيمياء، الكحول، الإكسير، المناخ ) ويظهر تأثير الثقافة الإسلامية في الكلمات الآتية : Koran , minaret , caliph , mosque , muezzin , kadi , mufti , coffin (قرآن، مئذنة، خليفة، مسجد، مؤذن، قاضي، مفتي). وقد دخلت بعض الكلمات العربية في التصنيف الطبقي للناس مثل كلمة : admiral , sheikh , sultan , mamluk , harem ( أمير البحر، شيخ، سلطان، مملوك، وحريم .)
- ومن كلمات التجارة والسوق والاقتصاد والموازين والمقاييس , كلمات : – gauze ,shash ,check , carat ,cotton , souk , tariff ,candle , kais ( قز، شاش، صك، قيراط، قطن، سوق، تعريفة، شمعة، وكيس . ) ومن كلمات الأواني، والمأكولات، والمشروبات، مثل كلمة : – apricot ,cup , jar , syrup , sugar,caroub,orange , lemon coffe (برقوق، كوب، جرة، شراب، سكر، خروب، برتقال، ليمون، وقهوة .) وفي العطور والألوان، والزينة، مثل كلمة saffron jasmine , sandal ,kohol ,amber , grim son , ( زعفران، ياسمين، صندل، عنبر، كحل، قرمزي . ) . ومن أسماء الحيوانات مثل كلمة : – sacker , gazelle , giraffe , cat , camel , roc (صقر، غزال، زراف، قط، جمل، ورخ) ومن أسماء النجوم، التي بلغت مائة وستين اسما، منها كلمة perked , benatnash , Suhl , algoid , thuraya , kochab (الفرقد، بنات نعش، سهيل، الجدي، الثريا، الكوكب).
- ويظهر التأثير الكبير في إدخال الأرقام العربية في اللغات الأوروبية : 1, 2 , 3 , 4 , 5 , 6 , 7 , 8 , 9 , 10. وقد استخدمها عرب الأندلس والمغاربة، ثم انتقلت منذ القرن السادس عشر إلى أوروبا بواسطة التجار العرب . وأول من ابتدع هذه الأرقام، هو عالم الرياضيات العربي (الخوارزمي) وقد كان لاختراع الرمز ( صفر ) علامة فارقة في الرياضيات . لأن الأرقام الأوربية ( الرومانية ) لم تكن تشمله . ( 0 ) ولأن الصفر في الأرقام الهندية، أو العربية الشرقية، يجعل من الصعب التفريق بينه وبين (النقطة).
- في هذا الجانب، يمكن أن نشير إلى مرجعين مهمين، وهما من أعمال العلامة الراحل عبد الله الطيب . أولهما كتاب (المرشد إلى فهم أشعار العرب).، الذي يشير فيه إلى أن الشاعر الإنجليزي وليام شكسبير، قد أخذ من معاني أشعار (المتنبئ) وضرب عدة أمثلة تأكيدًا لما ذكره . وقد ذكر أيضًا أن الشاعر (أندرو مارفيل) قد أخذ من أشعار (أبي تمام). والمرجع الثاني هي الدراسة النقدية، التي نشرها في مجلة (الدوحة) القطرية في عام 1982م تحت عنوان ( حتام نحن مع الفتنة بإليوت ) وفيها يرى البروفيسور عبد الله الطيب أن ( إليوت ) قد توكأ علي شعر العرب الأقدمين، وذلك من خلال تراجم الأقدمين . وأثبت بالأمثلة والنصوص، أنه قد حاكى وقلد ( معلقة لبيد ) وسطى على معاني (إمرؤ القيس) وذي الرمة، وقد تأثر في شعره، بموسيقى القافية العربية، كما أنه قد استخدم الجناس الداخلي، الذي لا يوجد في اللغة الإنجليزية. وقد تأثر الكتاب الإنجليز، بالتراث القصصي والسردي العربي القديم، وبخاصة كتاب (ألف ليلة، وليلة) وتظهر في رواياتهم وقصصهم، روح الحكاية الشرقية . ومنهم (شارلز ديكينز، وجيمس جويس، وجون بارت). ويمكن أن نتوسع أكثر في هذا الموضوع إذا درسنا الأمثال الإنجليزية وبحوث ودراسات الأساتذة العرب في الجامعات الإنجليزية، وكذلك الروايات العربية المكتوبة بالإنجليزية.
Leave a Reply