
بقلم: محمد عبد القيوم
لا تكاد مدينةٌ في حضن الوطن اليوم إلا وتعيش تحت وطأة الحرب ومعطياتها القاسية. لم تعد الحياة الآن كما كانت قبل الصراع، ولا تسير نحو الأفضل؛ بل تتجه نحو الأسوأ. حتى قبل اندلاع الحرب بساعات قليلة، كانت الحياة تسير على ما يرام؛ اعتاد الناس منذ فجر كل صباح أن يستيقظوا من نومهم، يؤدوا فرائضهم، ويذهبوا إلى أعمالهم. كانت المدارس تكتظ بالطلاب، والأسواق بمن يرتادونها، وكل شيء يبدو طبيعياً.
أما اليوم، وتحت مظلة استمرار الحرب، فقد تغير الوضع جذريًا. حتى مصطلحاتنا اليومية التي كانت متداولة تبدّلت، لتحل محلها مفردات تختلف جوهريًا عما كانت عليه في السابق. أصبحت الأحاديث في الطرقات والأماكن العامة تدور حول أسئلة مؤلمة: “كم أسرة نزحت اليوم؟”، “وأين سكنت؟”، “كيف وصلت مسيرات الأمس؟ أين ذهبت؟ ومن ضربت؟ ولماذا ضربت؟”، “ولماذا ترتفع الأسعار بهذه الصورة الجنونية؟”. لم تكن تلك الأسئلة وحدها التي تدور في أذهان ما تبقى من السكان في السودان، بل هي جل الأسئلة التي لم تجد لها إجابة.
تحديات متفاقمة وواقع مرير
مع تفشي ظاهرة البطالة بصورة غير طبيعية، وتفاقم الفقر المدقع، والمرض، والجوع، وكوارث السيول والفيضانات في مواسمها، يزداد العقبات. يُضاف إلى ذلك انقطاع دائم للتيار الكهربائي، والذي في الفترة الأخيرة دام لأكثر من شهرين، وجفاف الأرض، وذبول الزرع، وخسائر المزارعين الفادحة للموسم الشتوي، وانهيار البساتين وموت ثمارها من نخيل ومانجو وموالح.
على أثر هذه الظروف، توقفت جل المستشفيات عن الخدمة، وأُغلقت المحال التجارية وورش الحدادة والنجارة والصناعات الخفيفة التي تعتمد على الطاقة الكهربائية. بل امتدت صعوبات الحياة لتجعل شعبنا يواجه الموت الذي تسببت به بنادق الحرب التي يمجدونها. فمن لم يمت برصاص المواجهة، أو القذائف الطائشة، أو القصف العشوائي، يموت باستهداف المسيرات والإطلاق العشوائي للنار، كما أصبح يحدث في المناسبات والأفراح، نتيجة انتشار السلاح بصورة كبيرة وواسعة وعشوائية خارج المؤسسة العسكرية.
حلم وطن ينبض بالحياة
لم تعد أمنيات وأشواق شعبنا تقتصر على تحمل استمرارية هذه الحرب فحسب، بل أصبحت ترنو إلى العيش في حياة حرة كريمة في وطن يعلو فيه صوت الحوار على صوت البنادق، وصوت العقل على الجهل، مع التوقف العاجل للحرب دون شروط.
Leave a Reply