السقوط ليس النهاية: المرونة النفسية سلاح الناجين في زمن الحرب

بقلم: أمجد أحمد السيد

في لحظات الخراب الكبرى، حين تُهدّ البيوت على رؤوس ساكنيها وتضيق الأرض على من فيها، لا يُقاس الإنسان بعدد المرات التي سقط فيها بل بعدد المرات التي نهض منها. هذا هو جوهر “المرونة النفسية”، المفهوم الذي يحتل موقعًا محوريًا في علم النفس الحديث ويمنحنا أداة لفهم الصمود البشري وسط الانهيارات الشاملة.

المرونة النفسية لا تعني غياب الألم، ولا تجاهل الخوف، ولا كبت الحزن؛ بل هي القدرة على التكيّف مع الضغوط وتجاوزها بطريقة بنّاءة. إنها أن تسقط، لكنك تنهض، لا كما كنت، بل أقوى، أكثر وعيًا، وأشد إصرارًا.

في سياق الحرب، تُصبح هذه القدرة مسألة حياة أو موت، لا على المستوى الجسدي فحسب، بل النفسي أيضًا. ففي الحروب لا يقتل الرصاص وحده، بل تقتل الصدمات المتراكمة، والإحساس بالعجز، وفقدان المعنى. هنا يصبح السؤال: كيف نصمد دون أن نتحول إلى كائنات مكسورة من الداخل؟

الجواب يبدأ من الاعتراف بأن المرونة ليست صفة فطرية فقط، بل مهارة يمكن بناؤها. وهي تظهر بوضوح في تفاصيل الحياة اليومية للناجين من الحرب؛ في الأم التي تُخفي دموعها كي لا يراها أطفالها، في الشاب الذي يعيد بناء مشروعه من العدم، في الطفلة التي ترسم منزلًا رغم أنها لم تعد تملك واحدًا.

المرونة تعني أن يتحوّل الألم إلى دافع لا إلى قيد، أن نصنع من محنتنا رسالة لا لعنة. وهذا ما تحتاجه مجتمعات الحرب ما بعد النزوح والدمار: ليس فقط إعادة الإعمار بالحجارة، بل إعادة الترميم بالنفس، بالوعي، وبالإيمان بإمكانية النهوض.

في السودان، كما في كل المجتمعات التي اجتاحتها الحروب، ثمة أجيال بأكملها تعيش اليوم اختبار المرونة النفسية. وهنا تقع المسؤولية على الجميع: على الأهل والمعلمين، على الإعلام والمجتمع المدني، بل وعلى الدولة إن عادت، أن تجعل من “الصحة النفسية” أولوية لا ترفًا.

فنحن لا نحتاج فقط إلى وقف إطلاق النار، بل إلى إشعال شرارة داخلية تقول لكل فرد: “سقوطك لا يعني نهايتك. نهوضك هو البداية الحقيقية.”


صورة الملف الشخصي

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.