وسط الرياح قميص عامر: تفصيل على مقاس السلطة وسقوط الكيانات الرياضية

أبوبكر الطيب

يتداول الناس حكاية خياط اسمه “عامر”، اشتهر بقميص يُفصِّله دون مقاسات، يكفي أن تقول: “عايز قميص عامر” ليعرف المقاس! صار المثال مضربًا في الدقة… أما في دهاليز الاتحاد السوداني لكرة القدم، فقد صارت الحكاية مثالًا على التواطؤ، حيث يرتدي “عامر الاتحاد” قميصًا مفصّلًا على مقاسه وحده، تاركًا خلفه كيانات عريقة تتهاوى وسلطة رياضية تتمدد بلا رقيب.

مروي:
مشغل الترزي وصياغة النظام الأساسي
ليست جمعية مروي مجرد حدث إداري؛ كانت مشغلًا مكتمل الأدوات لخياطة قميص جديد، حيث صيغ النظام الأساسي الجديد كما تُفصّل البدلة في محلات الصفوة: كل بندٍ وُضع بحذر، كل مادة وُلدت لتخدم غاية محددة، لا لتبني مؤسسة. هكذا صار القانون نفسه أداة بيد “عامر”، لا يُقصي بها فقط خصومه، بل يعيد ترتيب اللعبة كلها بمقاسات دقيقة تضمن له البقاء والتحكم.

ضربات المعلم: إجهاض النهضة وتقديم الانتخابات
ضربة البداية كانت “المصالحة الصورية” مع الدكتور حسن برقو، والتي بدت كعناقٍ عابر لكنها في الحقيقة كانت خنجرًا طُعن به مشروع النهضة من الخلف. فُتح باب التصالح ليُغلق باب التغيير، وسقط المعارضون في فخ تكتيكي بارع.
ثم أتت الضربة الثانية: تقديم موعد الانتخابات بخمسة أشهر. لا خرق قانوني هنا، بل عبقرية في استخدام القانون لإرباك الخصوم وتجفيف موارد الوقت، فوجدت القواعد نفسها أمام معركة بلا إعداد، وميدان بلا تنظيم.

مربط الفرس:
مناصب على مقاس الولاء
أما الضربة الثالثة،
فكانت تتويجًا لكل ما سبق: توزيع المناصب كما تُوزَّع البدل على الزبائن المميزين. لا مجال للكفاءة أو التنافس، بل “تفصيل دقيق” يضمن الولاء المطلق. كل من جلس على كرسي جلس لأنه يناسب “مقاس عامر”، لا لأنه يناسب المنصب. هكذا نُفذت السيطرة الكاملة، وتحول الخصوم إلى مشاهدين في مسرح توزيع الكعكة.

سقوط الخرطوم:
من منارة إلى ظل باهت
اتحاد الخرطوم، الذي كان لوقت قريب القلعة الأهم، صار بلا صوت، بلا موقف، بلا هيبة. من 17 صوتًا إلى لا شيء، والناس هناك بين مغلوب صامت، وانتهازي يُصفق، ومنافح يصرخ ولا يُسمع. لقد فتحت الخرطوم أبوابها لسلطة الاتحاد العام، فدخل الأخير و”أطفأ النور”، وتركها تتلمّس طريقها في ظلام الفقد والخضوع.

المريخ والهلال:
تراجع القلاع التاريخية
المريخ فقد حقوقه يوم ترك مقعده في الاتحاد بلا محامٍ حقيقي. تعاقبت المجالس وتنازلت عن التمثيل الفاعل، فصارت حقوق النادي “شمار في مرقة”.
أما الهلال، فقد وقع ضحية “تفصيلات غير مناسبة” أخرجت ممثله من القائمة، لأن القميص الذي فُصِّل لم يكن بمقاس “البروف”، فخرج من اللعبة مبكرًا. لم يبقَ للخرطوم إلا مقعد جبل أولياء، ليكتمل مشهد التهميش الكبير.

نداء الصحوة:
من الأشخاص إلى المؤسسات
ووسط كل ذلك، ما زال كثيرون يلهثون خلف “فلان” و”علان”، دون أن يسألوا أنفسهم: كيف نعيد اتحاد الخرطوم إلى الحياة؟ كيف نضمن تمثيلًا حقيقيًا لأندية بحجم المريخ والهلال؟ التفكير ما زال مرتهنًا بالأشخاص، بينما تنهار الكيانات تحت وطأة التفصيلات الماكرة، والولاءات الضيقة.

إنها دعوة للصحوة. للانتباه قبل أن يُفصّل قميص جديد بمقاسات أكثر ظلمًا. آن الأوان أن تتوحد الجهود لإعادة صياغة الواقع الرياضي بمقاس الوطن، لا بمقاسات “عامر” الجديد.
وأهلك العرب قالوا:
“إذا فسد القماش، لم يُجدِ الترقيع”
فكيف إذا صار الخياط نفسه هو من يُفسد القماش ويفرضه على الجميع قميصًا رسميًا؟
والله المستعان.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.