
أجرى الحوار: منعم مختار
في وقت تعيش فيه البلاد واحدة من أسوأ فتراتها بسبب الحرب، لم تكن الرياضة بمنأى عن آثار الدمار والتدهور، بل لحقت بها الخيبات والهجرة الجماعية للكوادر والنجوم، وتصدرت الأسئلة المقلقة المشهد الرياضي: هل ما زالت كرة القدم السودانية على قيد الحياة؟ ما مصير المنتخبات الوطنية؟ وماذا عن ملاعبنا التي أصبحت أطلالًا؟
“الملف الرياضي” بجريدة الهدف يفتح هذه الملفات الساخنة مع الصحفي المخضرم والكاتب المعروف أبوبكر عابدين سيد أحمد، صاحب العمود الشهير في الهدف وأحد أبرز الأصوات الناقدة للمشهد الرياضي، في لقاء استثنائي كشف فيه بجرأته المعهودة عن خلفيات ما يدور خلف الكواليس، من فساد إداري إلى فوضى الاتحادات، ومن واقع الأندية إلى غياب الرؤية لدى وزارة الشباب والرياضة.
فإلى مضابط الحوار:
س: كيف هي معاناة الرياضة عامة في السودان وكرة القدم على وجه الخصوص؟
ج: في ظل الحرب اللعينة، لم تكن الرياضة استثناء، فقد طالها ما طال غيرها من دمار. هاجرت كفاءاتنا ونجومنا الرياضيين للدول المجاورة، ولم يبقَ إلا القليل ممن يعانون الأمرّين. المنتخبات الوطنية أُجبرت على التنقل بين دول الجوار، يستعطف اتحاد الكرة دعم هذه الدول لإقامة المعسكرات. رغم المساعدات من الاتحادين الأفريقي والدولي، إلا أن الأموال ذهبت للسفريات والنثريات، والنتائج على الأرض مخيبة. المدير الفني للمنتخب كواسي أبياه نفسه هدد وتغيب بسبب تأخر مستحقاته حتى تم دفعها، مما يكشف واقعاً بائساً لا يبشّر بأي إنجاز قريب.
س: ماذا عن النتائج الطيبة التي حققها المنتخب الوطني ونادي الهلال العاصمي في البطولات الأفريقية؟
ج: ما يُشاع عن “النتائج الطيبة” فيه كثير من المبالغة. الهلال العاصمي يُدار من مجموعة تضم أشخاصاً كانت لديهم شبهات في قضايا مالية مثل تصدير البترول، وتم التحفظ عليهم من قبل لجنة التفكيك. ورغم الصرف الباهظ لم يحققوا شيئاً يُذكر. وكذلك المريخ، وكل أنديتنا، لن تحقق شيئاً لأن إداراتها غير مؤهلة، وغير قادرة حتى على تسيير فرق روابط الناشئين، فما بالك ببطولات قارية.
س: ماذا عن وعد رئيس الاتحاد الدولي بتأهيل الملاعب، وعن اللجنة الوطنية لتأهيل الاستادات برئاسة برقو؟
ج: الوعود كثيرة، لكن التنفيذ معطل بسبب الفساد المعشعش في القيادات الرياضية. المدينة الرياضية نفسها وعد بها “الفيفا” منذ زمن، ولم تُنجز حتى اليوم. أما لجنة برقو فهي لجنة هلامية الهدف منها تلميع بعض الوجوه الساعية لمقاعد الاتحاد طمعاً في مكاسب شخصية، ولا أرى فيها ما يبعث على الأمل.
س: ماذا عن اتحاد الخرطوم وقرب الجمعية العمومية للاتحاد العام؟
ج: اتحاد الخرطوم فقد هيبته، ولم يعد يقوده أهل الكفاءة. قارن بين من كان يقود هذا الاتحاد في السابق، ومن يتولاه الآن! البيع والشراء صارا سيدا الموقف، والفاسدون قليلو الفكر باتوا يتحكمون في الرياضة. نفس الشيء ينطبق على الاتحاد العام واللجنة الأولمبية، وهذا أحد أسباب انهيار الرياضة في السودان.
س: أربعة أندية فقط من ثمانية حضرت ورشة تراخيص الأندية التي نظمها الاتحاد الأفريقي CAF، ما تعليقك؟
ج: هذا دليل قاطع على مدى الاستخفاف بالمؤسسية. لائحة تراخيص الأندية أقرها “الفيفا” لمكافحة الفساد المالي وغسيل الأموال، لكن في إفريقيا – والسودان نموذج واضح – يتم تجاوز الشروط وتزوير التقارير. كل أنديتنا غير مؤهلة، ولا تطبق المعايير، وهناك كذب وغش لا يمكن إنكاره.
س: لماذا تهربت ولايتا كسلا والقضارف من استضافة دوري النخبة؟ وهل سيتحول لإريتريا؟
ج: اتحاد الكرة يريد إقامة بطولة النخبة فقط لتسجيل مشاركة أفريقية وكسب المال، دون أن يتحمل التكاليف. حاولوا تحميل المسؤولية لحكومات الولايات، لكن ولاة كسلا والقضارف “طلعوا أذكى” ورفضوا. أما الحديث عن نقل البطولة لإريتريا فهو ضرب من العبث.
س: ما هي حظوظ الأندية السودانية في البطولات الأفريقية (دوري الأبطال والكونفدرالية)؟
ج: في ظل هذه الفوضى، حظ الأندية السودانية يشبه “كدقيقٍ في يوم ريحٍ نُثِر وقيل لحفاة اجمعوه”! لا أمل، ولا جدوى، فالواقع رياضياً هو “حرث في البحر”.
س: بحكم عملك السابق في وزارة الشباب والرياضة الاتحادية، ما تقييمك لأداء الوزيرة الحالية هزار؟
ج: الوزارة منذ زمن بعيد فاقدة للبوصلة، لا رؤية ولا فهم لصلاحياتها. الوزيرة المكلفة هزار موظفة قديمة تدرجت، لكنها – بكل صراحة – لا تملك الأدوات ولا القدرة لتحقيق أي شيء يُذكر لا للشباب ولا للرياضة.
Leave a Reply