حي البوستة يستقبل دموع الجموعية.. مأساة نزوح وأنين مدينة

في قلب أم درمان العتيقة، حيث تتشابك حكايات الصمود والألم، يئن حي البوستة تحت وطأة موجة نزوح جديدة، قادمة من أراضي الجموعية الجنوبية التي اكتوت بنيران الحرب. آلاف الأسر، حسب مراسل”الهدف”تحمل على أكتافها رماد الذكريات ووجع الفقد، تفر من بطش العنف الذي حصد أرواح المئات من أهلها، لتستقر قسرًا في أزقة الحي العتيق، باحثة عن مأوى مؤقت في حضن مدينة أنهكها الصراع.

مساجد الحي:
تتجسد ملامح المأساة في تجمعات النازحين المتعبة، الذين اتخذوا من مساجد الحي ملاذًا أوليًا، وعلى رأسها مسجد الشيخ دفع الله ذو الصيت العريق. لكن سرعان ما ضاقت جنبات بيوت الله بالأعداد المتزايدة، ليتوسع البحث عن سقف يحمي رؤوسهم ليشمل المنازل والعيادات الشاغرة، تلك التي تركتها يد القدر أو خوف أصحابها. هنا، تتشابك حكايات النزوح مع مخاوف المستضيفين، ويذهب مراسل”الهدف” إلى أن تلك المخاوف مبعثها التوجس من طول الإقامة وتكرار سيناريوهات رفض الخروج من البيوت، ومسلسلات نزوح أخرى شهدتها المدينة المنكوبة. موضحا أنه حتى العيادات، التي يفترض أن تكون ملاذًا للأوجاع، أغلقت أبوابها أمام السكن، خوفا على ما تبقى من أدواتها الشاهدة على زمن مضى.

فصول المعاناة:
تتكشف فصول المعاناة في تفاصيل الحياة اليومية للنازحين. بما نقله مراسل”الهدف” عن تفشي الظلام الدامس الذي يخيم على ليالي النازحين بحكم انقطاع الكهرباء، فضلا عن جفاف يهدد أجسادهم العطشى لندرة المياه. مبيناً أنه في سوق الحياة الشحيح، ترتفع أسعار الغذاء إلى مستويات قياسية، ليصبح الاعتماد الكلي على “التكايا” والمطابخ الخيرية، تلك الجزر الإنسانية التي يسعى فيها المحسنون لجبر كسر النازحين.
وعكس مراسل “الهدف” صورة مؤلمة تجسد قسوة الظروف، حيث يضطر بعض النازحين للتيمم بالتراب، حفاظًا على قطرات الماء النادرة التي بالكاد تسد رمقهم، في مشهد يدمي القلب ويختزل حجم المأساة الإنسانية.

الفقر والوجع:
أم درمان القديمة، التي تحتضن هؤلاء القادمين الجدد، تعيش هي الأخرى حسب مراسل “الهدف” فصولًا من الفقر والوجع. فسكانها الأصليون يكابدون صعاب الحياة، وبين نزوح أبنائها وهجرة شبابها، واستقبالها لضيوف قادمين يحملون أوزارًا ثقيلة، يرتفع صوت الاستغاثة خافتًا: هل من يد تمتد لنجدة هذه المدينة الجريحة وأهلها المثقلين بالهموم؟ وهل ستصل قوارب النجاة لهؤلاء الذين اقتلعتهم رياح الحرب من جذورهم، ليواجهوا مصيرًا مجهولًا في شوارع مدينة تنزف؟