مختارات الملف

يوسف الفخرانى
من يومين بدأت مشاهدة ليالي الحلمية مرة أخرى ، بدون تخطيط مُسبق ، شعرت باشتياق للفرجة على عمل يحمل جزء أصيل من ذكرياتي، كل حلقة تمر أحتفظ بمتعة الاستماع إلى أغنية المقدمة والنهاية ، وكل حلقة استمتع بأداء كل ممثل في العمل مهما كان دوره صغير ، لكني توقفت بانبهار أمام أداء الفنان صلاح السعدني الذي بدى لي تمثيله من حلقة إلى حلقة في حال تصاعد سيمفوني، هو لم يكتف بالتمثيل المُتقن مثل زملائه في المسلسل، إنما لسبب ما قرر منافسة أداءه من مشهد إلى مشهد، وهو ماجعل دور نمطي لعمدة من الأرياف يتحول إلى دور أيقوني يُحفظ ويُدرس ، خرج السعدني به من النمطية إلى الدهشة ومن المتوقع إلى المفاجأة .
لماذا فعل السعدني ذلك ؟
لأنه ممثل محترف ومثقف من الشارع ، قبل السعدني الدور على سبيل أكل العيش ، لكنه بالمعايشة اتخذ قرارًا بينه وبين موهبته وخبراته أن يُبدع ، فتحرر من أكل العيش إلى التحليق في شخصية العمدة سليمان غانم فمنحها ومنح المسلسل حياة وحيوية وبهجة ودهشة، السعدني أنقذ النصف الأهم في ليالي الحلمية التي كتبت بين عالمين : القصور والحارة ، الباشوات والهوانم من جهة والبسطاء والحرافيش من جهة .
لقد شجع السعدني قلم أسامة أنور عكاشة على زيادة مساحة الدور والشخصية والإتكاء عليها لملء العمل بهجة وحضور وصراع ثري، لولا ذكاء وخبرة السعدني لقتله المؤلف في الجزء الثالث على الأكثر أو لعل الليالي لم تكن تصل إلى جزء ثالث .
( هذه ذكرى صلاح السعدني ، رحم الله ممثل لن يتكرر وأنا أقصد ذلك تمامًا ، السعدني لم يكن فقط ممثل أو موهوب ، لكن إنسان أصيل له جذور عميقة ممتدة في أرض خصبة فيها آلاف من جينات الناس بكل طبقاتها وصفاتها ، شرورهم وطيبتهم ، ضعفهم وعافيتهم ) .
على عكس كثير من الناس أرى في دور العمدة سليمان غانم هو أيقونة شخصيات السعدني الدرامية ، مثلها بكل نقطة موهبة فيه، وكنت شاهدًا على ذلك في حينه )