
في وطن كلما حاول أن يتنفس شدوا على عنقه بحبال الاستبداد ينهض السودانيون دائما لا من فراغ بل من عمق الجراح من زنازين تحولت إلى مدارس للنضال ومن ساحات سقوها بالدم والهتاف صنعوا ثورتهم بحناجر لا تعرف الصمت لم تنكسر روح المقاومة يومًا في هذا الشعب العظيم واجه الدكتاتوريات واحدة تلو الأخرى من عبود إلى نميري ومن البشير إلى أنظمة الأمر الواقع وظل واقفًا يطالب بوطن حر يسع الجميع كانت القوى الحيّة النقابية المهنية الحزبية ولجان المقاومة الوقود الحقيقي لهذه المسيرة والمحرك الأصيل لغضب الشارع ومطلب التغيير
خاض السودانيون معركة طويلة ضد الاستبداد المتلحف بالدين حاول المتأسلمون اختطاف الدولة واختزال الإيمان في خطاب تكفيري ظالم ولكن الوعي الشعبي ظل يقظًا لم تنطلِ الحيلة كشف الناس زيف شعارات الحاكمية والتمكين وأدركوا أن من يقتل باسم الله لا يعرف الله
مساجينك عصافير تغني لا لتستجدي عطفًا بل لتقول إن الحرية ليست سجينة، إنها تنتظرنا عند أول شارع يهتف باسم الوطن
لم تكن السجون نهاية المطاف بل بدايات جديدة كل معتقل تحول إلى منارة وكل مغيّب صار أيقونة وحتى من فارقوا الحياة ظلوا أحياء في ذاكرة الثورة قناديل تضئ دروب السالكين إلى وطنٍ يستحقهم
واليوم رغم الحرب التي مزقت الجغرافيا والذاكرة يقف السودانيون من جديد يرفضون تحويل الدين إلى وقود للدم ويرفضون عسكرة الحياة باسم الله يعرفون أن طريق السلام الحقيقي يمر عبر العدالة لا الانتقام عبر الديمقراطية لا فوضى السلاح وعبر وحدة القوى المدنية لا تمزقها هكذا يكتب السودانيون تاريخهم لا بالحبر وحده بل بالدم والصبر والإيمان بأن شمس الحرية لا تغيب طويلًا لن يُكسر هذا الشعب… لأنه ببساطة لا يعرف الاستسلام.