جدلية العلاقة بين الوعي والذكاء

بقلم د. منال حسن مختار.

المعرفة في ماهيتها هي نتاج للإدراك الواعي، ومثلما هنالك وعي نافع هنالك إدراك نافع . والإنسان يقاس بمقدار وعيه وليس بمقدار ذكائه لأن هنالك ذكاء يؤدي بصاحبه إلى درك الأسفل .

ولا نختلف أن الذكاء هو هبة من عند الخالق وقسمة بمقدار لا يعلمه إلا الخالق جل وعلا، في مقابل أن الوعي هو أمر يتحصل عليه المرء بتتبعه لسبل المعرفة وتوسيع دائرة المدارك واتباع نهج الإدراك السليم لما يحدث حوله من أحداث مع القدرة على ربط الأحداث ببعضها، وهو ما ينتج عنه مفهوم المعرفة النافعة، وهو أمر لا يتأتى بسهولة.

والملاحظ في مسيرة البشر في التعامل مع شؤونهم سيما الشأن السياسي أن هنالك قادة متعهم الله بقدر من الذكاء ولكنهم تسببوا في إحداث الكوارث والدمار لبلدانهم بسبب الاستخدام لذكائهم دون وعي ، وهنالك قادة تمتعوا بقدر متواضع من الذكاء ونصيب وافر من الوعي جعلوا بلدانهم في مصاف الدول المتطورة .

والوعي الذي أقصده هنا هو تلك القدرة على إدراك ماهية الأشياء من حولنا على حقيقتها والقدرة على ربطها ببعضها وهو ما كنا نحتاجه أثناء تولي المكون العسكري للفترة الأولى في المجلس السيادي للفترة الانتقالية.

إن ما يجعل الوعي يتفوق على الذكاء هو أنه يرتفع بالإنسان فوق مستوى الشهوة، ويزوده بصور متعددة الجوانب لما يدور من حوله ويجعله يحلق ليرى ما لايراه ذلك الذي يمشي على أقدامه . وهو
الوعي الذي يكون مدعوم برؤية البصيرة وقصد الذكاء ، الوعي الذي يجعلنا نرى القبيح الذي تجمل في نظر الآخرين والجميل الذي تقبح في أعينهم .

وهذا النوع من الوعي يتطلب القناعة بالعلاقة الارتباطية لأن كل شيء في هذا الكون مرتبط ببعضه ، وأن الرؤية في ذاتها لها من التشابك والتعقيد ما تعجز العقول عن إدراك آثاره والنتائج المترتبه عليها ، وهذه الحالة من التشابك والتعقيد تحتاج لأن يجتمع الوعي والذكاء معا سيما عند القادة وفي كافة المجالات.

ولكي يكون الوعي نافعًا لابد أن يمتلك أيضًا خاصة الاستقبال وأقصد بها استقبال المثيرات من حولنا ، ويكون ذلك من خلال الحواس أو الانتباه واليقظة، فمثلا الوعي بخطورة النار تكون من خلال الحواس بواسطة آلية الملامسة. والوعي بظاهرتي الفيضان والجفاف يكون بالانتباه لزيادة أو نقصان منسوب المياه.

أما الإدراك فهو من حيث المضمون قوة عقلية ترتبط بمفهوم الاستخدام لأنه يعتمد على التصور الذي بدوره يرتبط بالمفهوم النفسي للذات البشرية حيث يكون استحضار الفكرة أو الصورة لشيء ما في العقل نتيجة للمثيرات. والتصور يعتمد على التخيل إما عبر الحواس( السمع أو البصر ) وإما عن طريق النشاط العقلي الذي يقوم على التفكير.
والتصور المرتبط بالإدراك هو المطلوب في عمليات التعلم والإبداع والاتصال والتعبير فالكثير من الناس عندما يحاولون تذكر أمر ما يتصورونه في ذاكرتهم، وكذلك عملية الإبداع تحتاج للقدرة على التصور، وعند التواصل نحتاج لتصور الحالة وتحويلها إلى مضمون ذهني أو رمزي أو لغوي. وكل هذا يحتاج لخاصية الوعي بالشيء. فالوعي يمثل عامل وقائي يحول دون الوقوع في الترهات والترديات.
إن المطلوب للتطور هو الوعي النوعي الذي يقوم على الحقيقة .