
لبنان حُمِلَ أكثر من طاقته، وتجاوز تداعيات أزماته المتكررة يكون بتقوية مرتكزات الدولة وتحقيق الإصلاح السياسي.
اعتبرت القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي ، إن ماسمي “بحرب السنتين ” لم تنفجر لأسباب خارجية وحسب وإنما لتقاطعها مع أسباب داخلية. وأن تجاوز تداعياتها وندوبها يكمن بالإقلاع عن تثقيل ساحة لبنان بعبء المشاريع الدولية والإقليمية، وتحقيق إصلاح جدي في بنية النظام السياسي.
جاء ذلك في بيان للقيادة القطرية للحزب لمناسبة الذكرى الخمسين للثالث عشر من نيسان فيمايلي نصه .
أولاً :
توقفت القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي ، عند حلول الذكرى الخمسين للثالث عشر من نيسان عام 1975، فاعتبرت أن مادفع الوضع إلى الانفجار عشية ذاك اليوم المشؤوم لم يكن سببه الوحيد تركّز الثقل الأساسي للمقاومة الفلس-طينية على أرضه وأكثر مما يستطيع تحمّله، بل أيضاً بسبب الارتدادات التي تولدت عن الاتفاقيات الأمنية والعسكرية مع العدو الصهيوني على جبهتي مصر وسوريا بعد حرب تشرين، وما كان يختزنه الواقعين اللبناني من احتقانات داخلية وانشطار اللبنانيين الحدي حول مقاربة الملف الداخلي السياسي والاقتصادي .
ثانياً :
إن ماجعل الحرب التي دارت على أرض لبنان تستمر هذه المدة الطويلة، وتتجاوز المدى الزمني لما بات يسمى “بحرب السنتين ” ، فلأن الأطراف الداخلية التي دخلت الحرب افتقرت القدرة على التحكم بمساراتها، كما القدرة على إنتاج حل سياسي بإرادة ذاتية، بعدما باتت الأطراف الخارجية التي دخلت على خط الأحداث أكثر تأثيراً في تكييف معطى الواقع اللبناني مع المسار العام لقنوات الاتفاقيات مع العدو الصهيوني وتحديد السقوف السياسية والأمنية للعلاقة معه .وإن افتقار اللبنانيين للقدرة بالتحكم بمسار الأحداث المرتبطة بمجرى الصراع العربي – الصهيوني، والعجز عن إنتاج حل سياسي بإرادة لبنانية، جَعَلَ دور الدولة في أحسن حالاتها يقتصر على إدارة الأزمة بكل تشابك علاقات الداخل مع الخارج. وهذا التراجع في دور الدولة استمر حتى بعد اتفاق الطائف الذي أدى إلى توحيد السلطة دون أن يؤدي إلى توحيد البلد توحيداً فعلياً نظراً لما انطوت عليه أحكامه من إعادة إنتاج النظام لنفسه عبر تجديد الطائفية السياسية لشخصيتها، واستمرار الواقع الداخلي مفتوحاً على تأثيرات الخارج وبما إلى تعطيل الدولة كلياً عن القيام بوظائفها الأساسية.
ثالثاً :
إن تداعيات الأزمة التي انفجرت في 13 نيسان وتواصلت فصولاً، ارخى ثقله على الواقع الداخلي وأفقد لبنان مناعة داخلية في مواجهة تحديات الخارج وخاصة التحدي الصهيوني وتحدي انكشافه وتحوّل ساحته منصة لإدارة مشاريع إقليمية وأولها المشروع الإيراني، وهذا سببه الأساسي أن اللبنانيين على مختلف طيفهم السياسي وخاصة الذين انخرطوا في آليات الصراع والممسكين بمفاصل السلطة، لم يقاربوا تقويم أسباب الأزمة مقاربة موضوعية انطلاقاً من مصلحة لبنان الوطنية والتزاماته القومية، بل قاربوها من خلال انشداداتهم وارتباطاتهم السياسية الفئوية، تعلق الأمر بسلة المنافع السلطوية على قاعدة المحاصصة، أو تعلق الأمر بتنفيذ أجندات أهداف القوى التي اتخذت من لبنان منصة لإدارة مشاريعها دون الالتفات إلى الانعكاسات السلبية على الأمن الوطني وأمن المواطن السياسي والاجتماعي والحياتي.
رابعاً :
إن تجنيب لبنان تكرار تفجّر أزماته، يتطلب أن تجري كافة القوى التي انخرطت في الصراع من مواقع مختلفة إعادة النظر بقراءاتها للأحداث بأسبابها الجوهرية وما ترتب عليها من نتائج، وعلى قاعدة أن الكل وقعوا في سوء التقدير السياسي، وبالتالي فإن النقد الذاتي مطلوب من الجميع على قاعدة أنهم يتحملون مسؤولية ماآلت إليه الأوضاع من تردٍ وبما أفقد الدولة دورها وجعل فاتورة التكلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مرتفعة الثمن حيث المتضرر الأكبر منها كانت ولم تزل الشريحة العظمى من الشعب اللبناني.
خامساً :
إن المقاربة الموضوعية لأسباب الأزمة واستمراريتها مع تبدل عناوينها وأطرافها الداخليين والخارجيين وممارسته للنقد الذاتي عما ارتكب من أخطاء نتيجة سوء التقدير السياسي في إدارة البعد الداخلي من الصراع أو في العلاقة مع الخارج الإقليمي والدولي، إنما يساهم بشكل أساسي في تضييق مساحة الافتراق السياسي الداخلي ويدفع باتجاه الاقتراب أكثر من بلورة مشروع بناء وطني داخلي يرتكز على القواعد الأساسية لبناء الدولة التي تبدأ بإقرار الجميع بالمسؤولية عن تعطيل الدولة وأن بنسب متفاوتة وتكبيل دورها وهو ما أدى إلى استشراء الفساد السياسي والإداري والمالي، وأن لاخروج من أتونه إلا عبر وضع حدٍ لنظام المحاصصة وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة انطلاقاً من تفعيل دور السلطة القضائية بعد إقرار قانون استقلاليتها.
سادساً :
إن القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي، وفي ضوء التحديات التي تمليها طبيعة المرحلة، خاصة بعد التداعيات التي أفرزتها سياقات المواجهة الأخيرة مع الكيان الصهيوني وتأثيراتها على الداخل اللبناني مع تواصل عدوانه وانكفاء النظام الإيراني بعد ضرب مرتكزاته وإخراجه من سوريا، ترى أنه بعد خمسين عاماً على الحرب التي اندلعت في منتصف السبعينيات، ثمة فرصة متاحة أمام اللبنانيين لإعادة بناء لبنان، بناءً وطنياً بعيداً عن التسويات المرحلية التي كانت تستبطن دائماً معطى تشكل أزمة جديدة سرعان ماتعود للانفجار مع كل تحولات حادة تحصل على مستوى الإقليم. وهذه الفرصة السانحة لاتلتقط إلا إذا اقتنع الجميع بضرورة الدخول، أولاً، في مشروع الدولة والالتزام بتقوية مرتكزاتها لتمكينها من بسط سيادتها على كامل التراب الوطني وتأدية وظيفتها الأساسية كدولة حماية ورعاية لمواطنيها.وثانياً، ببلورة موقف وطني موحد من الكيان الصهيوني وما يجسده من خطر على لبنان بكل طوائفه الدينية وأطيافه السياسية ومن الدور السلبي والتدميري لقوى الإقليم على بنية الدولة الوطنية، وثالثاً، بالتزام لبنان خيار انتمائه القومي للأمة العربية وتجاه قضاياها الأساسية وخاصة القضية الفلسطينية وما تضمنه خطاب رئيس الجمهورية في القمة العربية من هذه القضية إنما يؤسس ويبنى عليه في صياغة الرؤية الوطنية تجاه المخاطر التي تهدد الأمن الوطني.
إن استحضار هذه العناوين مع ضرورة تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية انطلاقاً من إعادة تشكيل السلطة تشكيلاً وطنياً بعيداً عن قواعد المحاصصة والزبائية، هو الذي يوفر أرضية صلبة لإنتاج نظام جديد تحكمه قواعد المساواة في المواطنة بعيداً عن كل أشكال التسويات التي تنهار كلما اختلت موازين القوى داخلياً وعلى مستوى الإقليم، وهذا مايحول دون تفجّر الأزمات الدورية التي تجعل اللبنانيين يدفعون غالياً من ضرورات أمنهم الوطني كما أمنهم الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والح-رب التي اندلعت شرارتها في 13 نيسان 1975 نموذجاً .
القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي.
بيروت في 2025/4/13