حين يغدو الحب سماً ودواء

أمجد أحمد السيد
في عالم الغناء السوداني كثيرا ما تتجلى العاطفة بصورتها النقية ويطفو الحنين على سطح الكلمات كوشاح من الشوق الدافئ. أغنية حبيبي جنني وغير حالي كلمات وألحان الطاهر إبراهيم وغناء الفنان إبراهيم عوض هي واحدة من تلك النصوص الغنائية التي لا تكتفي بالتعبير عن الحب بل تعيد تشكيله كحالة وجودية تبدل النفس وتعيد ترتيب الروح
حبيبي جنني وغير حالي
هنا لا يكتفي المحبوب بالمرور في حياة العاشق، بل يُحدث انقلابا داخليا يغيّر الحال ويقلب الموازين النفسية النداء بالغناء في المطلع ليس فقط تعبيرا عن الفرح أو الطرب بل هو استدعاء لحالةٍ من التوهج العاطفي يحوّل فيها الحب العادي إلى ثورة شعورية ثم تمضي الكلمات لتكشف عن حالة انشغال دائم بالمحبوب
حير فكري ده الشغل بالي بيت يختزل لحظة من التعلق التام حيث يصبح الحبيب شاغلا للذهن ومُحتلا للوجدان. ولا يتوقف السرد عند حدود الحنين بل يفيض باعترافٍ صادق
.قول لي أوعى تخبي أهواك شاهد ربي أنا لو غلطه معاك سامحني وأغفر ذنبي
وهو نداء يحمل من التواضع والاعتراف بالضعف ما يجعل الشاعر يبدو كطفل يقف على عتبة المغفرة يتوسل الحبيب برب العالمين شاهدا على صدقه، أما أجمل ما في الأغنية، فهو ذلك التناقض الشعري البديع حين يقول
بريدك والله بريدك لو سقيتني السم بي إيدك سمك شفاي ودواي يا طبيب تعال لي مريضك
هنا تتحول أدوات الألم إلى نوافذ للخلاص فحتى السم إن جاء من يد الحبيب يصبح دواء ويتحوّل الحبيب إلى طبيب والمحب إلى مريض يطلب الترياق من نفس الجرح، هذه الصورة البلاغية الغنية تحمل تناقضات الجمال في الحب العذاب والشفاء الألم واللذة الذنب والغفران وتختتم الأغنية بموجة من الحنين
حليل الريدة البينا حليل مجلسنا يا حليلنا
بنفس الوجع.
هي ليست مجرد ندبة على خد الذكرى بل هي نغمة مشبعة بالأسى على زمنٍ مضى وحبٍ تقطّعت أوصاله
في المجمل حبيبي جنني وغير حالي ليست مجرد أغنية عاطفية بل هي مرآة لوجدان عاشق تائه بين نار الاشتياق وثلج الفقد جمالياتها تتجلى في بساطة اللغة وعمق الصور في التكرار الموسيقي الذي يحاكي دقات القلب وفي الصدق الذي يشع من كل حرف إنها قصيدة حب مغناة تستحق أن تحفظ في الذاكرة الجمعية كسجل وجداني لحبٍ لا ينسى.