
دكتور معاوية الشفيع
كان اجتماعًا خطيرًا، دعت إليه، نساءُ الحلة، -لأول مرة في تاريخها-رجالَها، لكنهن -بالطبيعة الاجتماعية للقرية- لم يشاركن فيه.
الدعوة كانت لكبار القرية وحكمائها، للبت في أمرٍ، رأته النساء-شقائق الرجال-جللًا، وما هو-في الحقيقة- إلا “شمار”، وصل إليهن، وانتشر بينهن، بطريقة “حريمية” غامضة.
كان على هؤلاء الرجال المجتمعين في ذلك الصالون الكبير، أن يبُتُّوا في أمر زواج حسن ود العشا وزكية بت أب جيبين، بالرغم من أنهما متزوجان منذ مدة، ولهما طفل جميل، لكنها تداعيات ذلك الشمار، التي تطلبت أن يجتمع الكبار، لـ”فتوى” في شأن هذا الزواج، مرة أخرى.
(الشمار كتلكم، صاح؟؟؟)
كانت زكية بت أب جيبين، يتيمة الأبوين. كفلتها-منذ طفولتها – عمتها التي لم يرزقها الله، بذرية، التي كانت وحيدة، إذ توفى زوجها في نفس حادث المركب الذي غرق فيه، والدا زكية..
هكذا عاشت الطفلة والعمة، وحيدتين، في بيت يتيم-على طرف القرية، لا جيران مباشرين له- ومتواضع، تكلؤهما رحمة الخالق، وبعض الخيرين، من خلقه…. إلى أن تزوجت زكية، بحسن، الحب الأول بحياتها، أو قل؛ حب حياتها…
“الشمار”، هو: أن إحدى سيدات القرية -المحترمات طبعًا-، تذكرت أنه يوم أن رُزِقت زكية بطفلها-مكتمل النمو والمختون، خِلقة- تذكرت أن زواج حسن وزكية، لما يكمل -بعد-شهره التاسع.
أسرَّت المرأة بذلك لجارتها، وصديقتها وحبيبة قساها، التي بدورها، نقلته لجارة، وصديقة، وحبيبة قسا، أخرى. وهكذا-على طريقة، دخلت نملة وأخذت حبة، وخرجت-“تفشى الخبر”، ولكنه ما ذاع ولا عمّ-حتى كتابة هذه السطور-، لا القرى الأخرى، ولا الحضر.
“طقش” الخبر “أضان”، زوجة العمدة، فما كان منها إلا أن “عصرته حااار”، لزوجها، وهو -بالمناسبة- الذي أشار عليها، بأن يصدر قرار اجتماع كبار القرية -للبت في الموضوع- من النساء، في شكل طلب-شفاهي- من سعادته، كعمدة.
قرر كبار القوم استدعاء حسن ود العشا للمثول أمام جمعهم الكريم، وأخذ رأيه -كإجراء شكلي-، ثم أمره بتطليق، زكية (اللي ما تتسمّاش، بقول أولاد الريف)…. لكن حسن -الكحيان، الغلبان- صدمهم بالقول، بأنه لن يطلّق، وإن هذا الطفل-وإن بدأ الحمل به قبل زواجه- إلا أنه طفله، وانه-حسن- متمسك بالطفل وأمه، حتى آخر رمق. ولَم يكمل-احترامًا لكبار القرية-بقية ما خطر بباله، ألّا شأن لهم-أو لغيرهم-بذلك.
حكى الناير ود حسب الرسول، الذي كان حاضرًا لهذا الاجتماع، بصفة مراقب (كما يحلو له القول)، لكنني أظنه حضره متلصصًا فضوليًا، واختبأ حيث لم يفطن لوجوده أحد. حكى أن كبار القوم،”إنقهموا، منبهطين”، برد ود العشا. ثم-كقوم كبار- استعادوا رباطة جأشهم، واستجمعوا بنات-وأولاد- أفكارهم، وقدّروا، ثم عبسوا وبسروا، ثم تدبروا الأمر، ولم يستكبروا، ثم قرروا، قرارهم التاريخي، بأن لا شيء يتطلب فتوىً منهم، ويجب ألّا يتدخلنّ أحد، فى شؤون ود العشا العائلية.
(رُفعت الجلسة).
فرح الناير لقرار القوم، وخرج منً فوره، ليجد النساء، في الحوش والشارع، زرافات وواحدات، متحلقات، ومنتشرات. غير بعيد من ذلك الصالون العتيق. تقمص هيئة الناطق الرسمي للبيت الأبيض وقال بصوتٍ عالٍ-ليسمعه الجميع-ولهجةٍ خطابية متكلَّفة:
(هوووي يا حريم.. قومن. شوفن ليكن شغلة، أقضنَّها)
تطلّعن إليه، مستفهمات، متلهِّفات… واصل كلامه؛ (مافي حاجة حتتغيَّر… حسن واسرتو حيقعدوا -زي ما كانوا-مع بعض.)
سرت همهمات، وتهيّأت بعض النسوة- أو إدّعين التهيُّؤ- للمغادرة. لكن الناير أردف-باسمًا، بخبث-:
(وبالمناسبة، كلموا باقي ناس الحلّة، والحَلّال المجاورة، الداير يعرس مننا، يكون عارف، أنّو بناتنا ديل، بلدن في تمانية شهور).
تفرق الحشد ما بين (أجي) و(سجمي)
الخفجي-السعودية
سبتمبر2002