
أعدت مجموعة الأزمات الدولية تقريرََا بشأن مآلات الحرب العبثية فى السودان. ضمن متابعاتها، تنشر “الهدف” التقرير الذى يعبر عن تحليل وتقدير مجموعة الأزمات الدولية لمآلات الحرب، وفق مجرياتها بعد عامين
بعد عامين من اندلاعها، الحرب في السودان تتوسع
بعد أن استعادت القوات المسلحة السودانية السيطرة على الخرطوم، كان الأمل يحدو الكثيرين أن الحرب في السودان ستبدأ بالانحسار، إلا أن النزاع، مع دخوله عامه الثالث، يتصاعد ومن المرجح أن يمتد نطاقه، ما لم يبذل الدبلوماسيون جهودًا حثيثة لدفع الأطراف نحو محادثات سلام.
بعد عامين من الحرب الأهلية في السودان، يواجه البلد والمنطقة المحيطة به لحظة حاسمة. وكانت نقطة التحول الأكبر حتى الآن في مارس، حينما استعادت القوات المسلحة السودانية السيطرة على الخرطوم من خصمها، قوات الدعم السريع. وكانت قوات الدعم السريع قد بسطت هيمنتها على العاصمة منذ اندلاع الحرب، مما اضطر الجيش إلى الانتقال إلى بورتسودان في أقصى الشرق، ودفع الدولة إلى حافة الانهيار. لكن بدلاً من استغلال هذا التقدم للدفع نحو السلام، يبدو أن الجيش يعتزم الاستمرار لتحقيق نصر كامل، بينما تسعى قوات الدعم السريع إلى توسيع رقعة الحرب إلى مناطق جديدة. ولا يزال كلا الطرفين يتلقيان دعمًا خارجيًا كبيرًا يتيح لهما مواصلة القتال. ومن شأن المزيد من التصعيد أن يؤدي إلى تفتيت البلاد، ويهدد بزعزعة استقرار جيران السودان، لاسيما تشاد وجنوب السودان. وينبغي للدول التي تتمتع بأكبر قدر من النفوذ على الجيش، وخاصة السعودية ومصر، أن تضغط عليه لتجربة خيار التفاوض. وفي المقابل، يجب على دولة الإمارات العربية المتحدة، الداعم الرئيسي لقوات الدعم السريع، أن تسعى إلى تهدئة مع الجيش تساهم في خفض التصعيد وإتاحة فرصة لنجاح محادثات السلام.
تفوق الجيش
اندلعت الحرب في السودان بعد الإطاحة بعمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لثلاثة عقود. ولحماية نظامه من الانقلابات، عمل البشير على بناء قوات الدعم السريع، وهي ميليشيا مجندة أساسًا من عرب إقليم دارفور، وحولها إلى قوة شبه عسكرية تنافس الجيش النظامي. وعندما أطاحت الاحتجاجات الشعبية بحكم البشير أوائل عام 2019، استولى الجيش وقوات الدعم السريع معًا على السلطة وشكلا مجلسًا عسكريًا مشتركًا. وعلى الرغم من التزامهما المبدئي بتسليم السلطة لحكومة مدنية، انقلبا على هذا الاتفاق عام 2021 قبل أن ينشب الصراع بينهما بعد عامين، وسط ضغوط متزايدة لإعادة السلطة للمدنيين. بدأت المعارك في الخرطوم في 15 أبريل 2023، محولة العاصمة إلى ساحة قتال مفتوحة.
طوال معظم فترات الحرب، بدت الغلبة لقوات الدعم السريع، حيث فرضت حصارًا على مواقع الجيش في محيط الخرطوم، ثم سيطرت على معظم دارفور باستثناء شمالها، بالإضافة إلى مناطق واسعة من إقليم كردفان في الجنوب. وفي أواخر عام 2023، شنت قوات الدعم السريع هجومًا مفاجئًا جنوب شرق الخرطوم، مما مكنها من التوسع أكثر في قلب البلاد النهري. إلا أن مكاسبها بلغت ذروتها منتصف عام 2024، عندما بدأ الجيش هجومًا مضادًا على عدة جبهات في سبتمبر.
وفي أوائل عام 2025، حقق الجيش وحلفاؤه تقدمًا ملحوظًا في منطقة الخرطوم الكبرى، تكلل بانتصارات ساحقة على قوات الدعم السريع وفي نهاية مارس، استعاد الجيش القصر الجمهوري، وهو رمز السيادة الوطنية. وفر مقاتلو الدعم السريع غربًا عبر جسر جبل أولياء، آخر معبر كانوا يسيطرون عليه فوق نهر النيل، رغم مناشدة قائدهم محمد حمدان دقلو “حميدتي” لهم بالثبات في العاصمة. وتراجع بعض المقاتلين إلى مواقع في أم درمان، فيما انسحب آخرون إلى كردفان ودارفور.
مستقبل الحرب
يفتح انتصار الجيش في الخرطوم فصلًا جديدًا في الصراع. فالعاصمة، قلب الدولة السودانية وأكبر مدنها، كانت الجائزة الأهم. ويعتقد الجيش ومؤيدوه أنهم أنقذوا الدولة من الانهيار. بالنسبة لكثير من السودانيين في وسط البلاد النهري، فإن استعادة الخرطوم بمثابة الانتصار النهائي، نظراً لاعتيادهم على التمردات الطويلة في الأطراف الغربية والجنوبية.
عسكريًا، خسرت قوات الدعم السريع أوراق الضغط الرئيسية التي كانت ستؤهلها للتفاوض، خصوصًا انسحابها من الأحياء السكنية في الخرطوم، وهو مطلب قديم للجيش.
لو كان النزاع سودانيًا خالصًا، لكان من المتوقع أن يواصل الجيش تقدمه غربًا، دافعًا قوات الدعم السريع إلى معاقلها في دارفور، مع تسليح مليشيات محلية في دارفور وكردفان لربط قوات الدعم السريع في صراعات محلية، مما كان سيؤدي إلى انحسار تدريجي للحرب.
لكن التدخل الخارجي الكثيف يجعل التصعيد أكثر ترجيحًا، مع استمرار تدفق الإمدادات من الطائرات المسيّرة والتقنيات المضادة للطائرات. وتتنافس العواصم العربية والأفريقية لبسط نفوذها عبر السودان المطل على البحر الأحمر، حيث ترى أن مآلات الحرب لها أهمية إستراتيجية قصوى. فهناك تحالف عربي تقوده مصر يدعم الجيش، في حين تبقى الإمارات الداعم الرئيسي لقوات الدعم السريع.
مخاطر التصعيد
تصعيد الحرب يهدد وحدة السودان، بالإضافة إلى المعاناة الإنسانية الجسيمة. حيث يواجه نصف السكان ما قبل الحرب انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي. وتبدو نية قوات الدعم السريع الآن في توسيع تحالفاتها، لاسيما مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، التي تنشط على الحدود مع جنوب السودان. وقد تعزز هذا التحالف خلال مؤتمر مفاجئ في نيروبي في فبراير، مما أدى إلى شن هجمات مشتركة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
تسعى قوات الدعم السريع أيضًا إلى نقل المعركة إلى شمال السودان، وهو معقل رئيسي للجيش ظل إلى حد كبير بمنأى عن الحرب. وفي أوائل أبريل، أعلنت عن هجوم جديد يستهدف الشمال، مما يهدد بتأجيج التوترات المجتمعية.
من جانب آخر، اضطر الجيش إلى تسليح ميليشيات متنوعة لاستعادة الأراضي، ما ينذر بتحويل شرق السودان إلى منطقة خارجة عن السيطرة مع تفاقم ظاهرة المليشيات.
كما يهدد التصعيد الاستقرار الإقليمي، خصوصًا في تشاد وجنوب السودان. حيث تتصاعد التوترات بين الجيش السوداني ونظامي نجامينا وجوبا. فاتهامات بعبور أسلحة عبر تشاد إلى قوات الدعم السريع تثير خطر اندلاع حرب بالوكالة كما حدث في العقد الأول من القرن الحالي. أما جنوب السودان فيبدو مقبلاً على حرب أهلية جديدة قد تتداخل مع الحرب السودانية.
آفاق السلام
آفاق محادثات السلام قاتمة ما لم يتم اتخاذ خطوات إقليمية جادة لاحتواء الحرب. فعبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، يرفض التفاوض معلنًا استمرار القتال حتى استسلام قوات الدعم السريع ونزع سلاحها. وسيواجه أي دفع نحو الحوار معارضة داخل تحالف البرهان من قبل جنرالات متشددين والإسلاميين المرتبطين بنظام البشير السابق.
من جانبها، ترفض قوات الدعم السريع، التي تتلقى دعماً خارجياً وتحاول التوسع بتحالفاتها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، أي مفاوضات حاليًا.
تزداد خطورة الوضع مع مؤشرات على تفكك الصراع، مع احتمالية إعلان كل من البرهان وقوات الدعم السريع حكومتين متنافستين، مما يعقّد فرص التفاوض ويهدد بتقسيم البلاد فعليًا.
نحو خفض التصعيد
على الدبلوماسيين العمل جاهدين لتفادي انهيار المنطقة. أولاً، ينبغي على السعودية ومصر الضغط على البرهان لاستغلال انتصاره العسكري للاتجاه نحو السلام، مع تقديم السعودية مساعدات لإعادة إعمار الخرطوم مشروطة بوقف إطلاق النار.
ثانيًا، ينبغي على الإمارات والجيش السوداني السعي نحو تهدئة حقيقية تتيح المجال أمام مفاوضات سلام. فالعلاقات المتوترة بين الطرفين، رغم وجود قنوات خلفية، حالت دون التوصل لأي اتفاق.
كذلك، على مصر والسعودية والإمارات الاتفاق على معايير مشتركة لإنهاء الحرب، بما في ذلك تشكيل حكومة وطنية موحدة ترضي الأطراف كافة.
ويجب على تشاد وجنوب السودان الحفاظ على توازن علاقاتهما مع طرفي النزاع لتجنب تفاقم الخلافات مع الجيش السوداني.
ثالثًا، ينبغي أن تنسق مصر والاتحاد الأفريقي جهودهما لدفع حوارات الأطراف المدنية السودانية نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية مقبولة، تمثل مخرجًا سياسيًا بعد وقف إطلاق النار.
دور الغرب
رغم عدم اهتمام إدارة ترامب حتى الآن بالسودان، إلا أن لديها أسبابًا قوية للانخراط. فالعلاقات الوثيقة مع الرياض وأبوظبي والقاهرة تمنح واشنطن نفوذًا حاسمًا لدفع نحو حل تفاوضي.
الدبلوماسية الأوروبية تظل مهمة أيضًا. يجب على المملكة المتحدة استخدام مؤتمرها بمناسبة الذكرى الثانية للحرب في 15 أبريل بلندن لدفع النقاش حول إنهاء الحرب، مع تنسيق الجهود مع الاتحاد الأوروبي والنرويج وسويسرا، خصوصًا في ظل حالة عدم اليقين تجاه موقف إدارة ترامب.
إذا استمر التصعيد، قد يؤدي ذلك إلى تفكك السودان وزعزعة استقرار المنطقة بأسرها. أمام القوى الخارجية خياران: إما الاستمرار في تأجيج الصراع، مما سيدفع السودان نحو الهاوية، أو التكاتف لوقف الحرب سريعًا. وستكون نتائج هذا القرار مصيرية ليس فقط للسودان، بل للمنطقة بأسرها.