
منذ اندلاع الحرب في السودان، سخرت الآلة الإعلامية الإسلامية كافة أدواتها للنيل من القوى المدنية والسياسية متهمة إياها بإشعال الحرب وخيانة الوطن، متجاهلة الطرف الآخر في الصراع تمامًا. ورغم أن القوى المدنية لم تكن طرفًا مسلحًا في هذه الحرب؛ إلا أن خطاب الإسلاميين يوجه سهامه نحوها في محاولة لترسيخ سردية مضللة تسعى لتغيير وعي المواطن السوداني. هذه الحملة الإعلامية ليست عفوية بل منظمة وممولة تهدف إلى تبرئة الإسلاميين من مسؤوليتهم التاريخية في إيصال البلاد إلى هذه المرحلة وتصوير القوى المدنية كعدو مشترك يجمع كل المتحاربين ضده. الغريب في الأمر أن هذه الحملات لا تنتقد قوات الدعم السريع بنفس الحدة، رغم أنها الطرف الآخر في الحرب، وكأن المعركة الحقيقية التي يخوضها الإسلاميون ليست ضد السلاح بل ضد الوعي المدني. حين استعاد الجيش القصر الجمهوري كان إعلام الإسلاميين مشغولًا بشتم القوى المدنية بدلًا من الحديث عن من كان يسيطر على القصر قبل ذلك، وحين تنطلق أي مبادرة لوقف الحرب يكون أول من يهاجمها هم الإسلاميون لأنهم يدركون أن استمرار الحرب يخدم مشروعهم في العودة إلى السلطة بينما يشكل السلام تهديدًا حقيقيًا لهم. القوى المدنية والسياسية ظلت ثابتة في موقفها رافضة للحرب ومتمسكة بمطالب الشعب السوداني في بناء دولة ديمقراطية عادلة ورغم الهجوم الإعلامي المكثف؛ فإن الحقيقة واضحة الحرب لم يشعلها المدنيون بل هم أول ضحاياها وأول من يسعى لإيقافها. السؤال الذي يفرض نفسه لماذا يخشى الإسلاميون القوى المدنية أكثر من الحرب نفسها؟ الإجابة تكمن في أن القوى المدنية بمواقفها وأفكارها تمثل النقيض لمشروعهم، وهي الوحيدة القادرة على قطع الطريق أمام عودتهم إلى الحكم بواجهات جديدة. لذلك سيستمر هجومهم على القوى المدنية، ليس دفاعًا عن السودان ولكن دفاعًا عن مصالحهم.