هل هي أزمة وقود ام هي مجرد عرض وتجلي لأزمة اعمق؟

هل هي أزمة وقود  مجرد عرض وتجلي لأزمة أعمق؟

بقلم: د.أحمد بابكر

تعيش الدولة السودانية أزمة اقتصادية خانقة تجلت بشكل واضح هذه الأيام في انعدام الوقود، وعلى إثر ذلك تمور الساحة بالتحليلات والتصورات للمستقبل القريب والبعيد، وما يجب عمله استناداً على أزمة الوقود، وكأنها المشكلة الأساسية والتي يمكن للنظام حلها بسهولة ببيع أي موقف او منطقة في السودان لأي من دول البترول أو الدول الآسيوية الأخرى، مقابل تزويده بالوقود لعدة أشهر.

لذلك يجب أن يكون هناك وعي بطبيعة ما يحدث حتى نبني تصوراتنا على حقائق ورؤية صحيحة راسخة وليس على قاعدة هشة مرتبطة بالأزمات تنتهي بانتهائها.

لذلك يجب القول أن ما نعانيه الآن هو نتاج ومظهر لنهج وعقلية النظام ومنتفعيه، وتراكم لسياساته، التي ابتعدت في رؤيتها الاقتصادية تحديداً عن مصالح الجماهير وانحازت بشكل كامل لمصالح الطبقة الطفيلية التي تمثلها، حيث ابتدأ هذا النظام بالتمكين الإقتصادي والوظيفي حيث عمل على تفكيك كل المنظومات الإنتاجية الاستراتيجية وتدميرها شيئاً فشيئاً، ومن ثم الانتقال لبيعها إلى منسوبيه، حيث كانت النتيجة النهائية هي خروج كل المشاريع الاستراتيجية الضخمة من الخدمة مثل مشروع الجزيرة والنعام وجبال النوبة، سودانير، الخطوط البحرية، النقل النهري، السكة حديد . . الخ.
وشكّل التمكين في مجال الخدمة المدنية والنظامية، خلل كبير في أداء مؤسسات الدولة لمهامها حيث تم تشريد كل الكفاءات التي صرف عليها الشعب أموال وزمن طويل لانتاجها، حيث تم القضاء تماماً على تراكم الخبرات، التي تؤسس أرضية ثابتة في تطور وتطوير الخدمة المدنية، في زمان أصبحت الخبرة تمثل ثروة في حد ذاتها.

وكنتيجة لذلك تم تحويل الدولة بكل مؤسساتها ومواردها لمصلحة التنظيم ومنسوبيه، إذ تم اختطافها والتعامل معها كغنيمة من قبل منسوبي النظام وأصبحت تدار كشركة لا تستهدف الربح وانما مصلحة أفرادها وليس كدولة.

مفهوم التمكين جعل من النظام حامي ومفرخ للفساد والمفسدين.
عقلية التمكين وتحويل البلاد الى شركة خاصة، قاد النظام إلى استمرار الحرب وصناعة حروب جديدة للحفاظ على مصالح منسوبي النظام والمرتبطين به لأن الحرب تؤدي الى ما يعرف بأمراء الحرب وتجار الأزمات، وهم مجموعة من النظام تعمل على استمرار الأزمات وصناعة أزمات جديدة للحفاظ على نمو وتراكم ثرواتها دون أدنى اعتبار لأى تداعيات إنسانية واجتماعية.

يظل التمكين لفئة حزبية أو شريحة اجتماعية أو جهوية، من أهم أدوات إضعاف الدولة وتفكك الشعور بالمواطنة، لتسود بالمقابل ثقافة وشعور عام بأن هذه الدولة ملك لمجموعة معينة، عليه يضعف الشعور الوطني مما يمهد أرضية صالحة لنمو الفساد حتى داخل المجتمع، كمعادل موضوعي للشعور بعدم الانتماء وانتفاء الوازع الوطني.

خلاصة:
ما يحدث الآن هو نتيجة ل:

1.نهج وسياسات اقتصادية دمرت مواقع الإنتاج لصالح اقتصاد الخدمات والسمسرة وذلك انحيازاً لطبقة الرأسمالية الطفيلية المتوحشة.

2.سياسة التمكين والتي عملت على رعاية الفساد والمفسدين وأضعفت الانتماء الوطني لصالح الانتماء لصالح السلطة والقبيلة والمنطقة.

3.حماية الفساد والمفسدين من قبل النظام، من خلال تفسير التشريعات لتواكب مصالحهم الذاتية.

4.هدف النظام الأول والأخير هو بقاؤه واستمراره في السلطة لنهب موارد البلاد، وحفاظه على مصالح رموزه الضيقة، وحمايتهم ضد مصلحة الوطن ومستقبله.

لذلك نختم ونقول أن وجود هذا النظام في حد ذاته، هو الأزمة الحقيقية وما انعدام الوقود الا نتيجة منطقية لسياسات النظام منذ تغوله على السلطة ووأد التجربة الديمقراطية.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.