من حق الجميع بناء تحالفاتهم وتطويرها

من حق الجميع بناء تحالفاتهم وتطويرها

بقلم: دكتور أحمد بابكر

ظل السودان منذ الاستقلال وخروج الاستعمار المباشر يراوح مكانه، بل ويرجع القهقرى بحسابات ومقاييس بناء الدولة الحديثة، حيث شكلت أكثر من 60 عاماً عنواناً كبيراً للفشل في إكمال عملية البناء الوطني الديمقراطي، وهنا لست معنياً بالحديث عن الأسباب، بقدر ما أريد التركيز على حقيقة هامة أن السودان يحتاج لتوافق شعبي سياسي واجتماعي واسع لقيادة وضع الأسس الصلبة لبناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة، تتجاوز أزمات ما بعد الظاهرة الاستعمارية.

وكان هذا الهم في ذهن كثير من القوى السياسية التي حاولت أن تنجز هذا الهدف.

لكن دائما كان مفهوم العمل الجبهوي وأدواته والالتزام به موضع اشكالات كبيرة، حيث لم تترسخ أدوات ومفاهيم العمل الجبهوي في عقل كثير من القوى السياسية، إلا بمقدار أنه تحقيق لأهداف هذا التنظيم أو ذاك أو لتجاوز أزمات خاصة بهذا الفصيل أو ذاك، بمعنى غياب الالتزام الاستراتيجي بالعمل الجبهوي باعتباره الرافعة الوحيدة لانجاز عملية العبور من حالة ما قبل الدولة التي نعيشها الآن إلى مرحلة الدولة الوطنية الديمقراطية، حيث ثبت أنه ليس بمقدور أي قوى سياسية منفردة انجاز هذا التحول.

لذلك كانت هناك كثير من المحاولات لبناء التحالفات الكبيرة، ولكن لم يكتب لها الاستمرار والنجاح الحاسم في انجاز عملية العبور، وهذه مدعاة لعمل دراسات معمقة لأسباب الفشل، أو عدم الاستمرارية لتكون ضمن دروس تجربة حركة التطور الوطني.

ما قبل ثورة ديسمبر المجيدة كانت هناك تحالفات للعمل المعارض أكبرها التجمع الوطني الديمقراطي، وكذلك قوى الإجماع الوطني ونداء السودان، وأخيرا أكبر تحالف حدث في تاريخ السودان وهو إعلان قوى الحرية والتغيير، والذي قاد عملية التغيير في ديسمبر ومن ثم التفاوض مع المجلس العسكري بعد إسقاط راس النظام في 11 ابريل 2019م.

لكن ولأسباب كثيرة حدث تشظي في هذا التحالف بخروج بعض القوى السياسية منه، وتعددت مراكز العمل السياسي والذي أثر بشكل سلبي في توسيع هامش المناورة بالنسبة لقوى الردة.

ولكن ضرورة توحيد قوى التغيير الديمقراطي في أوسع جبهة – ما أمكن – يظل هدفا مركزياً لتصليب عملية التحول الديمقراطي وضمان استمراريتها، لذلك تصدت بعض القوى السياسية لهذا الهدف، باعتبارها خطوة لازمة يمكن البناء عليها، وليست نهاية المطاف، لأنه لم يعد هناك ترف في الزمن للمماحكات والمراوحة، خاصة في ظل الوضع الاستثنائي والهش الذي تمر به البلاد، فكان الإعلان السياسي لتوحيد قوى الحرية والتغيير الخطوة السياسية الضرورية والمهمة في هذا الوقت.

لكن فوجئ الجميع بهجوم ضاري وبيانات هنا وهناك على هذه الخطوة وعلى القوى التي أنجزتها، ولذلك كما قال أستاذنا الصحفي الكبير عبد الله رزق:

(من حيث المبدأ، أنه ما من جهة تفرض على أخرى، ما يجب أن تكون عليه مواقفها السياسية، وتكتيكاتها)

(ومن حق كافة الجهات التي لا تتفق مع رؤية تحالف قوى الحرية والتغيير، أن تعمد لبناء تحالفاتها البديلة، وتصوغ اعلاناتها السياسية، وفق ما ترى، مع احترامها لاستقلال الآخرين في هذا المجال، وبدون مزايدة، وبدون اتهامات مجانية لا أساس لها).

من المهم، ملاحظة أن كل القوى المعارضة للإعلان السياسي، تخلت عن مواجهة العدو الأساسي، واصطفت مع الفلول في مواجهة تحالف قوى الحرية والتغيير، فيما يمكن وصفه بالتحول الاستراتيجي من خندق الثورة إلى خندق القوى المعادية للثورة)

ختاما:

▪️الهدف من الإعلان السياسي هو اسناد عملية التحول الديمقراطي في البلاد لتكون عملية أكثر أمانا وسلاسة، وليس ضد قوى التغيير الأخرى التي تختلف في وجهات النظر، وهو تحالف املته ظروف المرحلة وهو مفتوح ومنفتح على الآخرين.

▪️ليس علينا أن نلبس ذات النظارة، فمقاييس وزوايا ومدى الرؤية من الطبيعي أن تختلف من طرف لآخر.

لكن بالتأكيد هناك مدى يمكننا جميعا أن نراه وهذا ما يجب أن نتعاون للوصول إليه.

▪️ليس أي اختلاف في وجهات النظر يعتبر مبرراً {للزعل والحردان} ومن ثم المعاداة وتغيير الأولويات.

▪️علينا جميعا إدارة خلافاتنا بنضج ومسؤولية دون الانصراف لمعارك جانبية تهدر طاقة التغيير وربما تبددها بالكلية.

11/ سبتمبر/ 2021م