مديح الظل العالي: محمود درويش

كم كنت وحدك يا ابن أمي
يا ابن أكثر من أبي وجدي
كم كنت وحدك
القمح مر في حقول الآخرين
والماء مالح
والغيم فولاذ
وهذا النجم جارح
وعليك أن تحيا
وأن تعطي مقابل حبة الزيتون جلدك

(2)

حطوك في حجر وقالوا: لا تسلم
رموك في بئر وقالوا: لا تسلم
وأطلت في حربك يا ابن أمي
ألف عام في النهار
فأنكروك لأنهم لا يعرفون
سوى الخطابة والفرار
هم يسلخون الآن جلدك
فاحذر ملامحهم وغمدك
كم كنت وحدك

(3)

بيروت.. لا
ظهري أمام البحر أسوار ولا
قد أخسر الدنيا.. نعم
قد أخسر الكلمات والذكرى
لكني أقول الآن: لا
هي آخر الطلقات: لا
هي ما تبقي من هؤلاء الأرضُ: لا
هي ما تبقى من نشيج الروح:
سقط القناع عن القناع عن القناع
سقط القناع
لا إخوة لك يا أخي
لا أصدقاء يا صديقي
لا قلاع
لا الماء عندك
لا الدواء، ولا السماء، ولا الدماء
ولا الشراء، ولا الأمام، ولا الوراء
حاصر حصارك.. لا مفر
سقطت ذراعك فالتقطها
واضرب عدوك.. لا مفر
وسقطت قربك فالتقطني
واضرب عدوك بي
فأنت الآن حر
قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة
فاضرب عدؤك لا مفر
اضرب عدوك.. لا مفر

(4)

وأنا التوازن بين ما يجب
كنا هناك..
ومن هنا ستهاجر العرب
لعقيدة اخرى وتغترب
قصب هياكلنا وعروشنا قصب
في كل مئذنة حاو ومغتصب
يدعو لأندلس إن حوصرت حلب
وأنا التوازن
بين من جاءوا ومن ذهبوا
وأنا التوازن
بين من سُلبوا ومن سلبوا
وأنا التوازن
بين من صمدوا ومن هربوا

(5)

أهدي إلى جاري الجريدة
كي يفتش عن أقاربه
أعزيه غدا
أمشي لأبحث عن كنوز الماء في قبو البناية
يدخل الطيران أفكاري ويقصفها
فيقتل تسع عشرة طفلة
يتوقف العصفور عن إنشاده
والموت يأتينا بكل سلاحه
البري والجوي والبحري
ما زلت أحيا
ألف شكر للمصادفة السعيدة
يبذل الرؤساء جهدا عند أمريكا
لتفرج عن مياه الشرب

(6)

ولا جديد لدى العروبة
بعد شهر
يلتقي كل الملوك بكل أنواع الملوك
من العقيد إلى الشهيد
ليبحثوا خطر اليهود
أما الآن
فالأحوال هادئة تماما مثلما كانت
وإن الموت يأتينا
بكل سلاحه الجوي والبري والبحري
مليون انفجار في المدينة
وأمريكا على الأسوار
تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية
يا هيروشيما العاشق العربي
أمريكا هي الطاعون
والطاعون أمريكا
نعسنا.. أيقظتنا الطائرات
وصوت أمريكا
وأمريكا لأمريكا
وهذا الأفق أسمنت لو حسن الجو
نفتح علبة السردين تقصفها المدافع
نحتمي بستارة الشباك.. تهتز البناية
تقفز الأبواب
أمريكا وراء الباب
نمشي في الشوارع باحثين عن السلامة
من سيدفننا إذا متنا؟

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.