قضية النوبة .. ومصيرهم.. بعد محكمة رحال تيه

دروب الحقيقة

احمد مختارالبيت

———————————–

قضية النوبة .. ومصيرهم.. بعد محكمة رحال تيه

لم يعد بمقدور حراس القبح والظلام بعد الان أن يفعلوا في شعب السودان ما يشاؤون.. صحيح أن للنوبة قضية أكبر من تصور اخطبوط المؤتمر الوطني وخططه،وقد دفعوا في سبيلها الغالي والنفيس من الأرواح والانفس والجروح المعنوية والموارد ومغادرة الديار والأهل ومازالوا. واليوم تشير التقديرات إلى أن هناك 2 مليون من النوبة في الخرطوم ومليون في ولاية البخر الأحمر وحدها و2 مليون آخرين موزعين في مدن السودان المختلفة في الجزيرة وكوستي وعطبرة وشندي ودنقلا ومروي وحلفا والقضارف وكسلا وحلفا الجديدة والأبيض والفاشر ونيالا وغيرها من المدن والارياف. وهناك موجات جديدة من النزوح بعد تجدد الحرب في6/6/2011 بجنوب كردفان وجبال النوبة قدر عدد الفارين فيها بمليون مواطن من الأطفال  والنساء والعجزة توزعوا في كل أنحاء السودان.. وهناك مئات الآلاف من أبناء جبال النوبة في دياسبورا الشتات منذ أوائل الثمانينات في القاهرة ولندن ومدن الخليج وكندا وامريكا واستراليا ويوغندا وكينيا وجنوب أفريقيا كل أولئك وهؤلاء حملوا معهم قضيتهم الأولى ( الظلم والاضطهاد والاستعلاء الممارس ضدهم) والواقع عليهم من الآخرين وتفريعات هذا الظلم من أهمال واختلال ميزان التنمية في مناطقهم والتغييب الإعلامي  والتاريخي لدورهم الوطني وعدم أعتراف الدولة ومؤسساتها بذلك وهذا بأختصار جوهر قضية جبال النوبة ولا أقول النوبة.. ومربط الفرس لا يستطيع أي احد ان ينكر الوجود المؤثر  والفعال لأبناء جبال النوبة أو يتجاوزه.. وقد الحرب المنسية بأهوالها وفظائعها القضية على السطح بكل تعقيداتها السياسية والاجتماعية والتاريخية ولذلك فأن كل طيف السودان السياسي والاجتماعي والثقافي ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة مطالب بأنزال الإعتراف بقضية النوبة وتمايزاتها إلى أرض الواقع وهم جزء من من السعب السوداني بتنوعه الثقافي ولهم عطاءهم الوطني عبر التاريخ..
كل تلك الحقائق وأكثر من ذلك لت تعطي أبناء جبال النوبة حقوق اكثر من غيرهم في السودان وأي نظرة أو توجه انكفائي أحساس بأحقية  في السودان اكثر من الآخرين يضر بقضية أبناء جبال النوبة أيما ضرر ويصعب من معالجتها ويعقد تفاصيلها مثلما حدث في تجربة نيفاشا والاتفاقيات العديدة التي ابرمت وذهبت مخرجاتها ا ادراج الرياح. فالنوبة اليوم في كل السودان لا يعيشون في جزر منعزلة عن الآخرين فقد اعملت حركة التاريخ والمجتمع قوانينها مثلما فعلت في كل شعوب الأرض حيث اختلطت مجتمعات النوبة بكل أهل السودان وتزاوجوا وتصاهروا وتوالدوا وتصادقوا في عملية الأخذ والعطاء فهناك اليوم نوبة أصبحوا بقارة بالقيم والموروث الثقافي ونمط الحياة والتصاهر.. وبقارةغدوا نوبة بالاستقرار والدم والتصاهر والثقافة ونمط العيش.. وجلابة تفلتتوا وفلاتة تجلببوا.. وهكذا الحياة. وكل المتطرفين والانكفائيين في مجتمع النوبة أو المجتمعات الأخرى هم دخلاء على تلك المجتمعات  وتطرفهم وعلو أصواتهم محاولة لإخفاء هذه الحقيقة.
والنوبة في كل مناطق حياتهم التي اختاروها باختيارهم أو لظروف الحرب والنزوح واللجوء هم جزء من مجتمع تلك المناطق،مؤثرين ومتأثرين،فاعلين ومتفاعلين بقدر عطائهم وبذلهم من أجل ترقية الحياة فيها. وحادثة رحال تيه نفسها تؤكد ذلك فهو فرد فاعل في مجتمعه ومحيطه ويمارس دوره الوطني والخدمي بتجرد في حدود صلاحياته. وتبقى الحادثة رغم ما أثارته من ردود أفعال في الداخل والخارج فردية ومعزولة ولا تعبر عن جوهر وقيم الشعب السوداني ويمكنان تتكرر عشرات المرات هنا وهناك في ظل واقع الجهل والتخلف الاجتماعي والأمية والنزوع القبلي والجهوي الذي تغذيه سلطة جهولة لا تعترف بالوطن وحدوده ولا بشعبه وتنوع اعراقه وثقافاته وتنقصها الإرادة  والصدق والعزيمة ولا ترى في الوطن وأهله غير مستعمرة وموارد لتنظيم اخطبوطي له أوهام  بالسيطرة على العالم ولا شأن له بقضايا السودان وازماته المستفحلة.
أذن القضية البوم ليست شأنا خاضا بالنوبة بل مظهر من مظاهر الأزمة الوطنية الشاملة التي تعصف بالوطن وتهدد وجوده ومستقبل شعبه قبل أن تكون أساءة لمجموعة.. والمسألة تعني كل شرائح المجتمع السوداني وهي مطالبة بأدانة هذا السلوك المشين والمتخلف ومحاربة هذه العقلية القاصرة التي ظلت تتحكم في إرادة أهل السودان بأسم الإسلام  ووصلت مرحلة الإفلاس  وكشفت عن توجهاتها العنصرية القبيحة.. ولن يفيدنا كثيراً تحويل القضية الي صراعات منصات السياسة المتحركة لأن مصير النوبة لا ينفصل عن مصيرالشعب السوداني في كل مدنه وقراه. وتبقى للحاج رحال تيه فضيلة التمسك بالحق وأعطاء الآخرين درس جديد من دروس النوبة الكثيرة في ساحة الوطن..