في ذكرى إغتيال الأستاذ محمود محمد طه

في ذكرى إغتيال الأستاذ محمود محمد طه

✍🏻 الرشيد حسب الرسول

لقد عمدت جماعات الاسلام السياسي الى استغلال الدين لضرب وشيطنة الخصوم السياسيين، حيث ظلت الذاكرة السياسية السودانية تحمل الكثير من المعارك السياسية والتي حولتها هذه الجماعات الى معارك دينية، بداية بحادثة معهد المعلمين التي تم على إثرها حل الحزب الشيوعي في العام 1965 وطرد نوابه من البرلمان، ومحاكمة شهيد الفكر الاستاذ محمود محمد طه الأولى في العام 1968م

“الاخوان المسلمين وتحريف الشريعة”:

تصاعدت هذه الموجة في فترة الحكم المايوي وخصوصاً بعد المصالحة التي اضافت الجبهة الاسلامية للحكم وما تم بعد ذلك من مبايعة للنميري على انه امير للمؤمنين و إجازة قوانين سبتمبر 1983م التي سميت زوراً و بهتانا باسم قوانين الشريعة الاسلامية.
في أواخر نوفمبر من العام 1984م أصدر الأخوان الجمهوريين بيناهم الشهير تحت عنوان “هذا..أو.. الطوفان” في مواجهة قوانين سبتمبر، وعليه تم إعادة إعتقال الأستاذ محمود محمد طه ولقد قام القاضي المكاشفي طه الكباشي بتحويل المحاكمة من محاكمة سياسية إلى محاكمة للفكر الجمهوري واتهامه بالردة والالحاد وتم الحكم على الأستاذ بالإعدام، وفي 18 يناير 1985م تم تنفيذ الحكم داخل سجن كوبر.
تزامن مع محكمة الأستاذ محكمتين اخريتين الأولى كانت للأب فيليب عباس غبوش والغريب في الأمر انه قد تمت استتابة للأب فيليب ولا يعلم أحد موقع هذه الاستتابة في ديانات من هم غير مسلمين.
في يوم 14 مايو 1984م قامت سلطات الأمن المايوي بإعتقال كل من “بشير حماد ، عثمان الشيخ، حاتم عبدالمنعم، الجيلي عبدالكريم” من أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي بعد مداهمة لاحد اوكار طباعة صحيفة “الهدف” التي كانت تصدر سرا، و جاءت هذه الحادثة بعد ايام من إعلان حالة الطوارئ في 29 ابريل 1984م وتهديد النميري لخصومه المعارضين.
في 12 نوفمبر 1984م كانت المحاكمة الثانية حيث تم تقديم البعثيين لمحاكمة برئاسة المكاشفي أيضاً وعلى عكس الأستاذ محمود محمد طه الذي اعتمد منهج الصمت لعدم اعترافه بالمحاكمة فقد حول البعثيون محاكمتهم لمعركة سياسية وجدت تضامناً واسعاً من القوى المعارضة والنقابات ، وشارك في هيئة الدفاع التي ترأسها الأستاذ “الصادق شامي” عدد كبير من المحامين منهم اسحاق القاسم شداد، احمد ابو جبة، كمال الجزولي وآخرين. ولقد اضاف المكاشفي مواد اتهمت فكر البعث بالردة والالحاد واستدعى عدد من أساتذة الاخوان المسلمين كشهود اتهام منهم د.طه بدوي و د. الساعوري الذي قال أمام المحكمة “ميشيل عفلق يحوم حول الكفر ولا يلج اليه”، ولقد قامت هيئة الدفاع بكشف تناقضات المحاكمة ، وصاغ البعثيون في تلك الفترة العديد من البيانات التي فضحت المتاجرة بالدين وتحدثت عن العلاقة بين الدين والسياسة وهي موثقة في الجزء 18 من سلسلة نضال البعث.
وتطوع عدد من المفكرين القوميين العرب للدفاع عن فكر البعث منهم محمد أحمد خلف الله، الياس فرح، محمد عمارة، أمين شقير، علي مختار، بشير بومعز وآخرين، لانها المرة الأولى طوال تاريخ نضال الحزب في بقية الاقطار العربية التي يقوم فيها احد بتكفيره.
تحولت المحاكمة الى محطة نقلت كل محاولات التعتيم على نشاط ونضالات حزب البعث الى العلن وحينها تدخل المرحوم الرشيد طاهر بكر ونصح النميري بإيقاف محاكمة البعثيين واستجاب النميري لذلك وتم إيقاف المحاكمات.