علانية العلاقات العربية الصهيونية تدشين لمرحلة جديدة

كلمة_الهدف

علانية العلاقات العربية الصهيونية تدشين لمرحلة جديدة
3 نوفمبر 2018

لم تكن العلاقات البينية السرية والعلنية بين بعض الأنظمة العربية وبعض الزعامات الطائفية والسياسية من جهة، والكيان الصهيوني من الجهة الأخرى، تحتاج إلى إظهار في العلن إلا لتدشين مرحلة جديدة في المشروع الإمبريالي للكيان الصهيوني، وعلى حساب الحقوق التاريخية والطبيعية لشعب فلسطين وأمته العربية.
هذه العلانية ليست محض صدفة ولا نتيجة لمفاوضات، وإنما نتيجة لتراكمات وأحداث جسام حدثت داخل الوطن العربي مهدت لمثل هذه العلنية.
بعد إنتهاء الحرب الباردة، وطموح أمريكا للاستفراد بقيادة العالم، بعد تراجع الدور الدولي للإتحاد السوفيتي، وبروز مفهوم القطب الواحد، عملت امريكا على الاستفادة القصوى من قوتها، لملء الفراغ وعدم السماح بتعدد الأقطاب الذي يكبح أطماعها، ويزيد هامش المناورة للدول الأخرى، خاصة دول العالم الثالث وبالذات في المنطقة العربية والتي هي دائماً محور الصراع الدولي، ومفتاح العالم لميزاتها الجيوسياسية المعروفة وعمقها الحضاري وثرواتها.
لذلك تم تدشين هذه المرحلة بغزو أفغانستان، تمهيداً لضرب العراق وحصاره ثم غزوه، كان الدور الإيراني فيهما حاسما، باعترافات الإيرانيين أنفسهم لاحقاً.
وفيما بعد ذكر كثير من المسؤولين الأمريكيين أن غزو العراق واحتلاله، وإبعاد صدام حسين، وتقويض الدولة العراقية، هدفاً ضرورياً، لأنه يشكل عقبة أمام إنشاء ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد، (التخلص من صدام حسين يسهل إعادة تشكيل المنطقة)، على حد وصف كونداليزا رايس، وهو باختصار إعادة رسم خريطة المنطقة لضمان استمرار تفوق الكيان الصهيوني ليقوم بدوره الذي من أجله تم زرعه في المنطقة كذراع وقاعدة متقدمة للقوى الإمبريالية المهيمنة.
بعد العدوان الأمريكي الأطلسي على العراق في 91، وحصاره وإخراجه من دائرة الفعل والتأثير الممكنين في تغيير المعادلات، أُستئنفت خطوات جديدة في مشروع تصفية القضية الفلسطينية بشكل فعلي، فكان توقيع اتفاق أوسلو بين القيادة الفلسطينية والكيان الصهيوني.
ومنذ تلك اللحظة اتخذ البعض هذا الاتفاق ذريعة، للتنصل من واجبه الوطني والأخلاقي تجاه فلسطين، بأن أصحاب القضية وافقوا على التطبيع مع الكيان الصهيوني وبالتالي لا غضاضة في وجود علاقات عند أي مستوى.
وبعدها فعلياً بدأت الاستراتيجية الصهيوامريكية تأخذ منحىً جديداً، وهو تفعيل سياسة ضرب أسفل الجدار والتآكل الداخلي بتأجيج الأزمات الداخلية للأقطار العربية، وكذلك صناعة الأزمات والمهددات بين الأقطار العربية فيما بينها أو بين جيرانها، بمعاونة قوى الانحطاط الداخلي والتسلط السياسي والاقتصادي.
ووجد الفلسطينيون، أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، اذ لا دعم ولا إسناد سياسي يمكن الاستناد عليه من الأنظمة، والتي تمكن منها الخوف واليقين بأن وجودها يستند على الرضا الأمريكي والذي يمر عبر الكيان الصهيوني، مما سهل من مد خيوط الاتصال السرية والعلنية بين العديد من الأنظمة والكيان الصهيوني، وكان الخوف من الجماهير، رغم تكبيلها والتضييق على الحريات، هو السبب الوحيد الذي منع هذه الأنظمة من التطبيع الكامل، ولذلك تم عمل منظمات ومنصات إعلامية تتحدث عن التطبيع، وتم استقطاب مجموعة من المثقفين المنهزمين للتنظير بأن وجود هذا الكيان الاستيطاني أمر واقع، وأنه يجب التعامل معه، وطفت إلى السطح مقولات الهزيمة والانكسار مثل السياسة فن الممكن، ومضى البعض منهم لإعطاء ذلك التوجه الانهزامي بعداً دينياً، وأن المصلحة الوطنية تقتضي عدم الدخول في صراع مع أمريكا أو معاداة الصهيونية وكيانها، وإن الاستثمارات العالمية سوف تنهمر على البلاد بمجرد التطبيع.
وبالنسبة للدول الغنية، خاصة البترولية، يتم الحديث عن حمايتها من الأطماع الإيرانية وأطماع بعضها تجاه بعض.
ونتيجة لفساد كثير من الأنظمة وتخريبها للوحدة الوطنية من خلال لعبة التوازنات للاستمرار في الحكم، مما أدى إلى قيام الحروبات الأهلية والأزمات الداخلية على أسس ذات طبيعة ما دون (الوطنية) ، وتشجيعها من لدن تلك الأنظمة والقوى الاستعمارية لضرب المشاريع الوطنية، وزعزعة الأمن والاستقرار والتعايش الوطني السلمي باسم حقوق الإنسان ويدخل الكيان الصهيوني كداعم لأصحاب هذه المشاريع.

وفي الحالة السودانية يرى البعض، من قوى التفتيت والتسلط والتبعية، أن القضية الفلسطينية مسألة لا تعنيه، وبعضهم يذهب أكثر من ذلك ليقول أن دعم القضية الفلسطينية ورفض التطبيع يضر بالقضية الوطنية، ونحن اصلاً مثقلون بالأزمات والمشاكل، تماهياً مع النهج الرسمي لنظام رأسمالية (الحركة الإسلامية) الفاسد، رغم ادعاءات معارضته، ويغيب عن ذهن هؤلاء أن نصرة الحق الوطني الفلسطيني، ورفض التطبيع هو ضرورة وطنية، وواجب ديني وأخلاقي وإنساني، أكدتها تجربة مصر والأردن وتدهور اوضاعهما الاقتصادية والاجتماعية، رغم الوعود السابقة لتوريطهما في التطبيع، والنهب المستمر لأموال ونفط نظم عرابي التسوية وسماسرتها، وكلنا يذكر الدور الذي لعبه الكيان الصهيوني في دعم خطة فصل الشمال عن الجنوب، ولاعبيها المحليين، القدامى والمحدثين، بكل الامكانيات، والشاهد أن أول زيارة للرئيس سلفاكير كانت للكيان الصهيوني العنصري لشكرهم على وقوفهم مع شعب الجنوب (الحركة الشعبية) طوال فترة الحرب لنيل ما أسماه (الاستقلال) ، والشاهد أن هذا الكيان لم يدعم جوبا بعد الانفصال، ولم يتحول الجنوب إلى واحة للرفاه والديمقراطية كما زعمت الوعود أيضاً، لأنه أنجز ماهو استراتيجي، وهو تفتيت هذا البلد الكبير السودان ليظل ضعيفاً ومنهكاً، ليخدم الاستراتيجية الصهيوامريكية الأساسية بضمان تفوق الكيان الصهيوني على كل دول المنطقةوبالتالي استمراره في دوره الاستراتيجي كقاعدة متقدمة للإمبريالية العالمية للهيمنة والسيطرة على المنطقة وإعادة تشكيل خرائطها، بإشراك إيران، لتحقيق طموحاتها التوسعية وعلى حساب الأمن القومي العربي واستقرار أقطاره.
ولذلك لم تكن صدفة عابرة أن يزور الإرهابي نتنياهو سلطنة عمان بوفد أمني استخباراتي في هذا التوقيت، لقد كانت السلطنة المجال الحيوي لاجتماعات الدول الخمس وإيران والتي أسفرت عن مقايضة الملف النووي لإيران، مقابل إطلاق يدها في التمدد عربياً وإحداث التغيير الديمغرافي بالتهجير القسري للمواطنين وإحلال الفرس بديلاً لهم، كما جرى في العراق ويجري في سوريا والأحواز والبحرين ولبنان والحبل على الجرار، إضافة للزيارات الأخيرة لوفود رياضية ومسؤولين على أعلى مستوى واستقبالهم بشكل علني تدشيناً لمرحلة جديدة مستغلين فيها بوعي، حادثة اغتيال الصحفي خاشقجي بالإلهاء الاعلامي وغرق المواطن العربي في أزمات الحياة اليومية المتفاقمة، وكذلك أزمات الأنظمة المتعاظمة وخوفها على كراسي العرش والحكم.

هذه الزيارات مقصود منها:

1- كسر الحاجز النفسي بين الكيان الصهيوني العنصري المحتل والجماهير العربية بحسبان أن اتفاقات كامب ديفيد مع مصر، ووادي عربة مع الأردن، واوسلو مع السلطة الفلسطينية لم تحقق ذلك، بدخول كلا من إيران وسلطنة عمان كعرابين إضافيين لمشروع التطبيع وتصفية القضية الفلسطنية، التي حركت بالتسريع تحت مسمى (صفقة القرن) التي أطلقتها إدارة ترامب.

2- كسر الإرادة الشعبية وتحديها بعدم قدرتها على منع التطبيع وبالتالي التواءم معه ومن ثم التماهي والتطبيع بشكل كامل.

3- الضغط بشكل متعاظم على قوى الرفض والنضال الوطني والقومي التحرري.

4- جر مزيد من الأنظمة المترددة للهرولة واللحاق بمشروع التطبيع والتصفية، وهو ما يتطلب مزيداً من الدعم والإسناد الشعبي، سياسيا وإعلاميا وماديا، لنضال شعب فلسطين، والعراق والأحواز، وانتفاضاتها الظافرة، وفضح وتعرية قوى التسوية والتطبيع.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.