عادل خلف الله لم يدع كذبا على الحزب الشيوعي (2_2)

وماذا بعد

عادل خلف الله لم يدع كذبا على الحزب الشيوعي (2_2)

_كتب: ياسر عوض الزين_

نواصل اليوم تعقيبنا على رد الدكتور صدقي كبلو على الباشمهندس عادل خلف الله حول مقاله في صحيفة الميدان والموسوم ب *عادل خلف الله وركوب موجة الهجوم على الحزب الشيوعي* :

تناولنا في المقال السابق ما احتج به د صدقي كبلو حول: تطابق خطاب الشيوعي مع خطاب الفلول، ثم رفضه نسب اقتراح ال90 مقعد للحركات الى الباشمهندس صديق يوسف، وتعليقه على وصف الحزب بالنرجسية وتناولنا موقف الحزب الشيوعي وقراره بالانسحاب وتصحيح المسار وغيره مما اشتمل عليه مقاله، وسنحاول في هذا الجزء تناول ما تبقي من محاور حيث قال :

(أما تفاصيل مادار بعد 11 ابريل فقد تطرقنا اليه في ردنا……………. في اننا انتقدنا موقفنا كشيوعيين أننا لم نربط موقفنا السياسي بموقف عملي بالانسحاب بوقت مبكر من الاجماع الوطني وقحت وقررنا نسعى للاصلاح من داخل التنظيمين وعندما فشلنا انسحبنا واخترنا ان نعمل *لتصحيح كل المسار* من خلال العمل الجماهيري فما هو موقف البعث؟ )

أولا: اعلنت أنكم حاولتم الاصلاح وفشلتم، فعلى أي أساس افترضتم فشل محاولات الاخرين أيضا، لربما نجحوا فيما فشلتم فيه أنتم فلماذا نصبتم أنفسكم معيارا تقايسون به الاخرين؟ . و هل اذا اتخذ الشيوعى او اى حزب آخر اى موقف هل بالضرورة يبقى المطلوب من البعث أن يتخذ موقف او ذات الموقف .

فمن الواضح ان غرق الشيوعى فى العمل من وراء الواجهات اوصله الى درك النظر الى التعددية أن الاخرين ليسو سوى مجرد توابع .

و تبعا لذلك لم يحترم الشيوعي ابسط قواعد وتقاليد العمل المشرك، من خلال اعلان انسحابه من قوى الحرية والتغيير والاجماع الوطنى عبر وسائل الاعلام .

ثانيا:وانتم من ادعيتم أنكم الاكثر ثورية وطهرانية قد احتجتم لاكثر من عام حتى توصلتم للقرار الصحيح، (حسب رؤيتكم) فلماذا لم تمنحوا رفاقكم الاخرين، فرصة ليتوصلوا لنتائج ليس بالضرورة أن تتطابق مع ما توصلتم اليه، والا فما قيمة التعددية السياسية والفكرية، إذا كنتم تنتهجون منهج الارهاب الفكرى الذى اتخذ طابع اغتيال الشخصية والتخوين والتشكيك، وإثارة المشاعر بالتعبئة والدعاية السوداء التى يصعب التمييز بينها وبين الدعاية النازية والاخوانية.

ثالثا: لماذا لم تتوقعوا احتمال نجاح رؤية البعث فيما فشلت فيه رؤيتكم كما حدث مثلا فيما يتعلق بالحوار مع النظام وبرنامج الهبوط الناعم الذي رفضه البعث، وكنتم اصحاب الجلد والراس وسرتم فيه بحماس حتي تبين لكم سلامة موقف الرفض الذي تمسك به البعث، والذي رجعتم له لاحقا كآخر فصيل من فصائل قوى الاجماع الوطني، وطيلة هذه المدة ظل البعث يحاور بنفس طويل وصبر وبروح الندية والمسئولية واحترام تقديرات الاخرين، بما في ذلك مع الحزب الشيوعى نفسه، حتى تشكلت اوسع جبهة جسدت وحدة الموقف المعارض ووسيلة الاسقاط وهي الانتفاضة الشعبية .

رابعا : ألا ترى بعض الغيوم في مصادفة أن يتبني الحزب الشيوعي عملية *تصحيح مسار* الحرية والتغيير بالخروج عليها واتهامها بالتفريط والخيانة وتشويه صورتها باتهامات باطلة، حولت الشيوعي لمعد برامج أو كاتب للخطاب التحريضى والتمهيدي لانقلاب *تصحيح المسار* بذات الاسلوب ضد الحرية والتغيير واتهامها واعتقال منسوبيها والتنكيل بهم ومحاولة تشويه صورتهم، بما فيها الموقف من لجنة ازالة التمكين وقياداتها، وبذات الطريقة والاسلوب فقط باختلاف وسائل الدولة وامكاناتها عن الحزب الشيوعى ؟

والسؤال الاهم هنا في أي كتاب من كتب الثورة يشارك حزب فى نظام شمولي دكتاتورى، تسقطه انتفاضة شعبية ثم لا يكتفى هذا الحزب بعدم المشاركة “العلنية” فى السلطة الانتقالية، التي فرضتها الانتفاضة وانما يعارضها ويرفع شعار اسقاطها، ويتهم من قدروا تحمل المسئولية والمشاركة بالتفريط و الهبوط الناعم الذى كان هو غارقا فيه حتى اذنيه.

أما السؤال حول ماهو موقف البعث؟

أولا البعث يتميز بالقراءة المنهجية ويتميز بطول النفس والصبر بعد التأكد من سلامة موقفه، ويسعى للمعالجة ليس من زاوية الانتصار للذات أو للكسب الآني، فقد رأى البعث أن الخروج إنما يفسح المجال للانقلابيين والفلول للتعجيل بما كانوا يضمرونه منذ البداية من خلال انكشاف القوى التي تناهضهم وبالتالي يمكنهم وعبر التخفي وراء مؤسسات الدولة أن يحققوا مايريدون، بكثير من الغبار وتغييب الحقيقة، وهذ ما لم يتمكنوا من تحقيقه إلا عبر الانقلاب الصريح،الذى هو فى جوهره انقلاب على قوى الحرية والتغيير،وليس هناك مجال للتواري او التزييف، ودونك ما يفعله الانقلابيون اليوم بالنيابة والقضاء والبنك المركزي وكامل مؤسسات الدولة باسم المؤسسات التي كنا سينخليها لهم، ولكن بعد الانقلاب اصبح الامر واضحا لكل ذي عين أو سمع .

وهذا ليس خبط عشواء أو مصادفة وإنما هو ناتج قراءة علمية وموقف اثبتت التجارب صحته، ولعل الدكتور لا ينسى أن موقف البعث من اسقاط الانقاذ ظل ثابتا وبالرهان على الانتفاضة الشعبية والاضراب السياسي والعصيان المدني وقد وجه له الكثيرون ما وجهوا من اتهامات وسخرية. في الوقت الذي مضت فيه الاجتهادات والتقديرات بالمعارضة من الخارج، او العمل المسلح، والانتفاضة المحمية، والحل التفاوضى ( الهبوط الناعم)الخ، والتى من عجب أن كان الشيوعى لاعب الوسط فى كل فرقها، فيما اكدت المسيرة والتطورات اللاحقة سلامة وصحة موقف البعث. فمن يسأل من ؟

أما مطالبتك بمنهج نقدي للفترة فهذه تقديراتك التي ستحاسب عليها بواسطة جماهير الشعب السوداني، وإن كان دكتور صدقي كبلو يذكر فلم يشترط أحد نقدا ذاتيا مكتوبا أو مقروءا من الحزب الشيوعي كمطهر لمشاركته للانقاذ أو النظام البائد، فهذا تقدير الشيوعي الذي يندرج تحت بند المواقف التاريخية التي تختزنها ذاكرة العمل السياسي، وتحاسب عليها الجماهير بالظبط مثل مشاركة الحزب الشيوعي فيما مضى في المجلس التشريعي، والمجلس المركزي لنظام عبود، ومايو وغيرها، فالتاريخ كفيل بترتيب هكذا خيارات وللجماهير رؤيتها ومعاييرها، ولا يحق لحزب أو جهة أن تنصب نفسها قيما أو وصيا على الاخرين. والسؤال المنهجى ما قيمة النقد الذى قدمه الشيوعى لمشاركتة فى الانقاذ وقد جاءت بعد نقده وفى مؤتمر لمشاركته نظام عبود .؟

لم يتحاور أحد مع اللجنة الأمنية للانقاذ وهذه مغالطة تاريخية، واحدى كذبات خطاب الشيوعى التعبوية، وإنما تشكل مجلس عسكري بعد انقلابهم على اللجنة الامنية برئاسة المخلوع البشير واحمد هارون ومنذ ان اطلقها الشيوعى لم يحدد حتى الان اسما واحدا ممن فاوضتهم قوى الحرية والتغيير كان عضوا فى اللجنة الامنية التى يدعيها، ومن الغرائب أن أحد أبرز قيادات الحزب وهو الباشمهندس صديق يوسف، ظل واحدا من مفاوضى لجنة الحرية والتغيير، حتى بعد مجزرة الاعتصام رغم موقف قوى الاجماع الذى قرر عدم المشاركة فى التفاوض والذى التزم به الاستاذ على الريح السنهورى، الممثل الثانى للاجماع. ولقد توافقت كل الاطراف على التفاوض مع المجلس العسكرى بهدف ترتيبات نقل السلطة، وماتم التوافق علية تم وقتها بحسب المعطيات التي كانت قائمة آنذاك، والتي على اساسها ينبغي أن يكون التقييم، إذ ليس من العلمية أن تحاكم الماضي بسياقات الحاضر، دون اعتبار للمعطيات القائمة ودلالاتها الظرفية.

وأيضا مايتعلق باحتكار كل الاجهزة النظامية والامنية من قبل المكون العسكرى فكما أورد المهندس خالد يوسف، فإن صاحب هذا الاقتراح هو المهندس صديق يوسف الذي أعطى للعسكر أحقية تسمية وزيري الدفاع والداخلية، بل ان صديق يوسف وافق فى احدى الجلسات على دعوة حميدتى 5,5+1 بان يكون العضو الحادى عشر فى السيادى من معاشيى القوات المسلحة، والذى اعترض عليه السنهورى بالتذكير بان المعاشى هو عسكرى عند الطلب .

كما إن إقتراح قسمة الفترة الانتقالية الى21شهرا للمكون العسكرى و18شهرا للمكون المدنى قد جاء من الباشمهندس صديق يوسف وبحجة الخريف.

وهنا ثمة ملاحظة هامة ينبغي الانتباه لها هل كانت هذه المقترحات من الشيوعي عفوية ام كانت ألغام نصبت لتتفجر في وجه التحول الديمقراطى لاحقا؟ وكلها مما يتاجر به الشيوعيون الان .

(اهم اختلال هو تغييب جماهير الثورة وقيادتها الارضية لجان المقاومة والنقابات وتعطيل الاصلاح التشريعي بعدم تكوين المجلس التشريعي خلال الفترة المحددة حسب الوثيقة الدستورية)

هو ليس تغييبا ولكن كان هناك حرص اكثر من اللازم على عدم اشعال الطريق امام سلطة الثورة بابراز كل تفاصيل الخلافات حرصا على عدم تسميم الاجواء الملتهبة أصلا والتي كانت تعاني ارتفاع وتائر الشكوك وعدم توفر الشروط الموضوعية للثقة، ولكن كان الاصرار على الذهاب بالامر الى مرحلة تسليم قيادة السيادي للمدنيين و تحقيق الانتخابات وبالتالي تأمين انتقال ديمقراطي وترسيخ لمبدأ الانتقال السلمي للسلطة كهدف استراتيجي اول وللحقيقة فقد كان في هذا التفكير بعد التجربة كثير من التفاؤل والمبدئية .

اخير نؤكد أن للحزب الشيوعي خياراته وتقديراته التي ينبغي أن يحترمها الجميع، وبذات القدر على الحزب الشيوعي أن يحترم خيارات وتقديرات الاخرين طالما هم ليسوا ضمن منظمات الحزب الشيوعي وواجهاته التى (افسدت اطر العمل الديمقراطى) ، وأنها كيانات مستقلة لها ما للشيوعي من حق وبالتالي فلا يجب أن يتعامل الشيوعى او سواه مع الاخرين بمنطق الوصاية أو الالحاق او كردفاء، لان ذلك لا ينسجم وقواعد الديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية . ومن المؤكد فإن دروب النضال الوطني تلتقي وتتباعد بل وتتناقض حسب قراءة الجميع ومواقفهم واستعدادهم على تمثل المصلحة الوطنية والعامة ، والايمان بالديمقراطية كمصدر قوة للفرد و المجتمع، وإحدى ضرورات الحفاظ على وحدة السودان ونهوضه وازدهاره .

14/4/2022