سباق المبادرات والمبادرات المضادة

سباق المبادرات والمبادرات المضادة

بقلم: أ. عبدالله رزق أبوسيمازه

كشف د. عبدالوهاب الأفندي، في مقال له بصحيفة العربي الجديد، في الثاني من الشهر الجاري، أنه ظل طوال أسبوع من الشهر الماضي، يناير، مشاركاً “في حوار معمق مع مسؤولين في الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، بشأن مبادرة محتملة تنطلق من أديس أبابا، وبدعم إقليمي ودولي، من أجل تلافي الكارثة المحدقة بالبلاد”.
وذكر ذلك في سياق تناوله لمبادرة أساتذة جامعة الخرطوم، التي عنيت، في تقديره، باقتراح برنامج وآليات الانتقال، وقصرت عن اقتراح كيفية تحقيق التوافق بشأنها. يجدر الانتباه إلى أن الحراك الشعبي الجاري، قد أحدث قطيعة مع مبادرة أفريقية، سابقة، كانت، وربما لا زالت، تحظى بدعم دولي، استهدفت إخراج السودان مما تم التواضع عليه بالأزمة الوطنية الشاملة، التي يعيشها، وليس من كارثة محتملة، عبر الحوار بين النظام من جهة، وبين قوى معارضة، تضم الصادق المهدي، الذي يرأس أيضاً تحالف نداء السودان المعارض، من الجهة الأخرى. وقد انتهى آخر لقاء للطرفين في أديس أبابا، بالتزامن مع بدء الحراك الشعبي، وربما تكون المبادرة الجديدة محاولة للوصل مع المبادرة القديمة المتعثرة. وفي ذات الوقت، راجت أنباء عن لقاء ما عرف بمجموعة السلام والإصلاح الـ52 ، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، د.الجزولي دفع الله مع السيد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة، للتفاكر والتنسيق حول ” الحراك الذي ينتظم البلاد هذه الأيام “، وفق ما أوردته وسائل الأنباء، وقد “توافقت رؤى الطرفين”، “وتم التأكيد على سلمية الحراك والمطالب العادلة للمتظاهرين، وكذلك “التأكيد على تكوين آلية تنسيقية تمثل كل الحراك المجتمعي، والعمل المشترك لدعم الشعب السوداني في مظاهراته السلمية، وتحقيق الغايات المنشودة”. وينطوي توافق الطرفين للدعوة لتكوين آلية تنسيقية على اضمار مطلب إعادة هيكلة قيادة الحراك الشعبي، من منطلق يفترض قصور قيادة التجمع المهني وشركائه، أو يطعن في أهليته القيادية وتمثيله لكل الحراك المجتمعي، وهو مطلب ارتبط، دائماً، بالصادق المهدي، حيث رفعه في مواجهة التجمع الوطني الديموقراطي، عندما التحق به، ثم طرحه بوجه تحالف قوى الإجماع الوطني، عندما التحق حزبه بهذا التحالف. ويبدو أن الوضع الثوري الراهن وصيرورته، تحفز العديد من الأفراد والجماعات والدول وغير ذلك من الكيانات، التي يهمها أمر السودان أو ترتبط به بمصالح، أن تفكر بذات الطريقة، وتنخرط بشكل أو بآخر، في جهود متعددة الأطراف ومتنوعة، لإنتاج مبادرات تسعى من خلالها لاحتواء الحراك الشعبي الجاري ومعطياته، وتوظيفه بما يؤمن مصالحها. وفي هذا الإطار، ترددت، أيضاً، أنباء عن لقاء ضم إسلاميين والدكتور علي الحاج، رئيس المؤتمر الشعبي، في ألمانيا، تمخض كذلك، عن مبادرة تطالب بتنحي الرئيس. وكان الملياردير مو إبراهيم، صاحب مؤسسة مو إبراهيم، قد اقترح في وقت سابق تنحي الرئيس مقابل وقف ملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية. ودعت مجموعة الأزمات الدولية، بدورها، المجتمع الدولي لبلورة وتبني مبادرة مماثلة. ويلاحظ، في هذا الصدد، أن مصير الرئيس ومستقبله أصبح يشكل ” الحلقة المركزية” للاهتمامات المختلفة للأطراف، والعمود الفقرى للمبادرات المعبرة عنها. فقد كانت، وما زالت، محور التحركات الديبلوماسية لبعض البلدان العربية والخليجية ذات الصلة بالملف السوداني. ومن الجهة الأخرى، كان إنقاذ النظام والحيلولة دون سقوطه بفعل الثورة ونحوها الراديكالي، والذي ربما عناه الأفندي، وهو يحذر من “كارثة” وشيكة، ظل محل اهتمام متزايد من قبل الإسلاميين وحزب الحكومة، حيث ارتفعت، لأول مرة، أصوات تتبنى بوضوح الدعوة لتنحي الرئيس، بعد أن ظلت تعبر عن ذلك بطريقة مواربة، برفض تعديل الدستور، وبالتالي، رفض التجديد للرئيس في انتخابات 2020. ومن الراجح أن الإسلاميين وغيرهم من أنصار النظام لا ينطلقون من تطلع للإصلاح الشامل، بقدر انطلاقهم من مخاوف مبيتة، لتلافي ما أسماه الأفندي “الكارثة المحدقة بالبلاد”. وإذ تتعدد المبادرات وتتنوع مصادرها، فإنها تتفق في أمرين، تلتقي عندهما، أولهما، قطع الطريق أمام أي تغيير جذري، يستهدف تصفية كامل النظام الإنقاذي بركائزه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية والقانونية… إلخ، وثانيهما، المحافظة على النظام، أو إعادة انتاجه بشكل يحافظ على جوهره، وإيجاد مخرج آمن للرئيس، ومن ثم فقد انخرطت القوى المعنية، منذ الآن، في معركة مصيرها من أجل السيطرة والتحكم بمسار الثورة بالاستيلاء على كابينة القيادة. وقد راهنت المبادرات المختلفة مجتمعة، في الوصول إلى هدفها، على تأخر الثورة في الانقضاض على النظام وإسقاطه عبر العصيان المدني والإضراب السياسي العام، بما قد يرافق ذلك من لحظات تراجع أو انحسار في المد الثوري أو في حركة ونشاط الجماهير الثورية، وعلى تردد القيادة أو فقدانها مهارة المبادأة في توجيه الشارع المنتفض بالوجهة الصحيحة، والمحافظة على ارتفاع مستوى نبضه وايقاعه، ويشمل ذلك، بطبيعة الحال، تعيين أي الشعارات التي ينبغي أن تنضبط عليها حركة الشارع، في كل مرحلة، ومتى يطرح شعار العصيان المدني والإضراب السياسي العام، وما مدى ملاءمة شعار ” كل السلطة لتجمع المهنيين وحلفائه”، كإجابة على سؤال البديل، للمرحلة الراهنة… إلخ.
لقد بادرت بعض القوى الثورية بالفعل، في وضع شعار العصيان المدني والإضراب العام، موضع التنفيذ، لا على مستوى التبشير، وحسب، كما هو الحال بالنسبة للأطباء والمعلمين والصيادلة وغيرهم، وهي مبادرة، تقتضى من القوى الأخرى الدعم والمؤازرة، بكافة أشكالها، وفي مقدمتها الإضراب، الأمر الذي يطور الوضع وينقله إلى عتبة العصيان المدني.

#مدن_السودان_تنتفض
#تسقط_بس