تحديات المرحلة الانتقالية (5)

بقلم: دكتور حاتم بابكر

اختر مكانك.. واحترق!

تباينت المواقف من انتفاضة ديسمبر، المجيدة أو كما أسماها أ. السنهوري، بانتفاضة الحسم والظفر، منذ بواكير تفجرها، وانطلاق شرارتهافي الدمازين، عطبرة، لتعم كافة مدن البلاد، #مدن_السودان_تنتفض.
فكان الموقف العام ما بين مكضب ومصدق إمكانية إسقاط نظام الجبهة المتأسلمة عبر النضال السلمي، التظاهرات والوقفات الاحتجاجية، صعوداً إلى رمز الانتفاضة المجيدة، اعتصام القيادة العامة، والذي انتهى بمجزرة صباح الإثنين 3 يونيو الموافق 29 رمضان.
سقط النظام البائد، في وعي الجماهير، ودخلت البلاد في مرحلة انتقالية تمتد لثلاث سنوات، ولم تسقط الدولة العميقة لحزب المؤتمر البطني، حيث ظل منتفعو النظام البائد يسيطرون على مفاصل الخدمة المدنية، وشركات التمكين الخاصة، وموارد البلاد، ومصادر النقد الأجنبي، وهو ما يمثل جملة التحديات أمام قوى الثورة، بكافة مستوياتها قيادة وثوار ولجان مقاومة، العمل على تغيير هذا الواقع والانقلاب عليه ببناء مرتكزات لواقع جديد، يحقق طموحات الشعب السوداني في العيش الكريم.
ويظل السؤال، أين هو مكانك في المرحلة الانتقالية؟ كما أوضحت قوى الحرية والتغيير عبر منابرها المختلفة، وعبر مشاركة متحدثيها في مختلف الأجهزة الإعلامية من إذاعة وتلفاز وغيرها، أوضحوا بأن الثورة مستمرة، فما زلنا في بداية الطريق لتحقيق تحول ديمقراطي كامل، والذي بدوره لا يتم إلا عبر ممارسات ديمقراطية، في التعبير والآليات والتشريع والتنفيذ، حسبما تكفله دولة العدل والقانون التي خرجت الملايين من أجلها.
لم ولن ينتهي دور الثوار بتكوين مجالس الحكم الانتقالية، بدرجاتها الثلاث، بل بالعكس يتعاظم دور لجان المقاومة في السكن والأحياء، واللجان التمهيدية للنقابات المهنية والحرفية، في المراقبة والتصحيح والمشاركة ونشر الوعي، فهي قاعدة البناء الثوري منها انطلقت الانتفاضة وبها اكتملت، وهي الحامي والضامن الوحيد لها، والانتقال بها مرحلة بمرحلة للاضطلاع بتحقيق مهامها الثورية.
فهل مكانك هو في تقويض الحكومة الانتقالية؟ أم تصحيح مسارها؟ لا يخفى علينا جميعاً أن المتكسب الوحيد من فشل الحكومة الانتقالية هو النظام البائد وأذياله، والمنتفعين من بقاء الحال على ما كان عليه، قبل ديسمبر-أبريل، سواء أكانت قوى الردة أو قوى الهبوط الناعم التي لم تختلف مع النظام اختلافاً جوهرياً، من قبل ومن بعد، فعملت على ترقيعه أو إحداث تغييرات سطحية، ديكورية تحافظ على مصالح الطرفين، وهي إن صعدت على موجة الانتفاضة، عن قصد أو مجبرة، راكبة أو راجلة، لن تتوانى عن الظفر بمكاسب لحظية، ووصفات سريعة لا تعالج جذور الأزمة الوطنية الشاملة، لذا كانت بعض خياراتها الدعوة لانتخابات مبكرة، قبل تفكيك دولة الحزب الواحد.
هل مكان الثوار هو الفرجة، والنأي عن المشاركة في أي من برامج الحكومة الانتقالية؟ واتخاذ ركن قصي وانتقاد الحكومة من أجل النقد فقط وليس تصحيح المسار؟ باعتبار أن الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية لم تكن على قدر التطلعات؟ ولم تحقق كل أهداف (الثورة).. ولكن هل الموقف الصحيح هو بالنأي عن المشاركة، الفاعلة، للكوادر القيادية والوسيطة، ومقاطعة كل مستويات الحكم الانتقالية، والقفز على النتائج؟ أم بخوض التجربة ومواصلة النضال؟ فما زلنا في المرحلة الأولى من التغيير، وتحقيق أهداف الانتفاضة في الحرية والسلام والعدالة خطوة بخطوة.

قطار المرحلة الانتقالية لا يسير بالأماني والتهيؤات والتأملات، لابد من عمل وبرامج، وتصحيح للمسار في كل خطوة، والتحلي بالشفافية، والصبر معاً، من رأس الحكومة إلى جموع الثوار، شفاتة وكنداكات، من أجل انجاح المرحلة الانتقالية، كخطوة على الطريق الصحيح. انتهت مرحلة الحسم وبدأت مراحل الظفر فاختر مكانك.. واحترق حيث انتهيت..
أو كما قال ود الرضي