تحديات المرحلة الانتقالية (3)

تحديات المرحلة الانتقالية (3)

تعهدات 100 يوم من الثورة

بقلم: د. حاتم بابكر

من أجمل مظاهر ثورة وانتفاضة ديسمبر المجيدة، استمراريتها، والزخم الثوري والاستعداد الكبيرين، الذي يظهره الثوار شيباً وشباباً ومن الجنسين، شفاتة وكنداكات، وحرصهم على تحقيق أعلى سقف للمطالب، وفاءاً للثورة وللشهداء ولتضحيات من ضحى. وقد يظهر ذلك التهافت الكبير واستعجال النتائج، ومحاصرة الحكومة الانتقالية المتمثلة في المجلس الوزاري بقيادة د. حمدوك، في اسبوعها الأول، جزءاً من الحرص، وبعض الاستعجال، المستمد من روح الثورة. وإذا قارنا الوضع مع ما درجت عليه الرئاسة الأمريكية، مثلاً، في وضع التزامات وبرامج لتنفيذها خلال فترة أول 100 يوم من الدخول للبيت الأبيض، ما أصبح إرثاً، ومؤشراً لنجاح الفترة الرئاسية للرئيس المنتخب، ومن ثم تأتي التعليقات والانتقادات أو الإشادة بما أنجزه أو لم ينجزه ساكن البيت الأبيض الجديد، مقارنةً بالوضع عندنا ما بعد توقيع الوثيقة الدستورية وتعيين رئيس الوزراء من جانب المجلس السيادي ومن بعدها الحقائب الوزارية، فنجد أننا لم نتجاوز الأسبوع الواحد، فقط 7 أيام، إلا وبدأت الأقلام والتسجيلات الصوتية وغيرها في وضع مؤشرات لفشل الحكومة، واستعجال هذا الوزير أو ذاك، والحكم عليه بالفشل، وتتواصل الممارسة الديمقراطية للانتقال من حكم شمولي إلى آخر ديمقراطي! وهذا شيء محبب، طالما تم دون استعجال.
الرئيس دونالد ترامب، الذي بدأ حملته الانتخابية لدورة رئاسية ثانية، بينت التقارير أنه صاحب أفشل أول 100 يوم في البيت الأبيض، حينما لم ينجح في الوفاء بتعهداته الكبرى، ونال نسبة موافقة ما بين 40 و42٪، أقل من أي رئيس أول في هذه المرحلة من فترة ولايته¹، وعلى الرغم من حصول حزبه الجمهوري على أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، إلا أن التحقيقات بفساد حملته الانتخابية الأولى، وطلبات سحب الثقة منه، ظلت تلاحقه، حتى قبيل تدشين حملته الانتخابية الجديدة، مؤخراً، ولكن تتواصل ممارسة الديمقراطية، وتسقط القرارات من داخل مجلسي النواب والشيوخ، ودونما استعجال، فالمحقق الخاص في ملف ترامب لم يتم استجوابه إلا قبل أسابيع قليلة.
أما عندنا لم تكن هنالك تعهدات كبرى بالمعنى المعروف، ولكن ظلت أهم ملامح برنامج الحكومة الانتقالية ممثلة في تحقيق السلام ووقف الحرب، ومخاطبة جذور المشكلة، وحل مشاكل اللاجئين والنازحين، وقد وضعت سقفاً زمنياً لذلك، لا يتجاوز الستة شهور، وبرامج قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى لإصلاح الوضع الاقتصادي المتهالك، وتحقيق العدالة بتقديم كل من ثبت تورطه في جرائم للمحاكمة، ويدخل في ذلك تعيين رئيس القضاء والنيابة العامة، وكما أوضح أحد أعضاء المجلس السيادي، أنه لا خلاف في ذلك الأمر، وما أكده بالأمس وزير العدل، وتكوين لجان التحقيق المستقلة في كل الجرائم ولا سيما جريمة فض الاعتصام، إلى غيرها من التعهدات الكبرى للحكومة الانتقالية.
ما يحكم الفترة الانتقالية هو انجاح ما أُتّفِق عليه في الوثيقة الدستورية، ويتبقى أن تتحول بنودها إلى برامج واضحة تحكم الوزارات المختلفة، وتحكم الشارع في قبوله لنتائج تنفيذها من عدمه، وليست العواطف والأحكام المسبقة والانسياق وراء محاولات أزيال النظام البائد من الاصطياد في الماء العكر، وإثارة البلبلة، ومحاولة قلب الوضع لصالح سودان ما قبل الثورة، وما قبل التوقيع على الوثيقة الدستورية، وكما أوضح الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير، في مناسبات عدة، أنها، أي الوثيقة الدستورية، ليست كتاباً منزلاً، وأن هنالك من المواد، ملحقة، ما يجعلها مفتوحة وقابلة للتعديل ما توافق على ذلك، مجلسي السيادة والوزراء، إلى حين تكوين المجلس التشريعي، المنوط به سن القرارات ومتابعة أداء الحكومة التنفيذية.

وحتماً.. ضي..
يفج العتمة..
يجيك ما بين سهول وجبال
غاب ونخيل..
ويسكن في الوطن.. كله..
سلام.. وأمان..
لا كيزان.. ولا كيزان.. ولا كيزان..