المكون العسكري يسقط في امتحان الأمن…!

المكون العسكري يسقط في امتحان الأمن…!

 بقلم :عبدالله رزق

مايحدث في الجنينة، منذ مطلع الأسبوع الحالي، من اقتتال هو الثاني من نوعه، خلال شهرين، والثالث خلال أربعة عشر شهرا، يقدم دليلا ملموسا ودامغا على فشل المكون العسكري للسلطة الانتقالية، الذي يحتكر التعاطي مع الملف الأمني وإدارته.

لقد شهدت الجنينة، حاضرة ولاية غرب دارفور، مطلع هذا العام، ومطلع العام الماضي، زيارات لكبار المسؤولين بالدولة، عقب كل جولة من جولات الاقتتال القبلي.

ويعزز تجدد هذا الاقتتال للمرة الثالثة، والذي تنطلق شرارته، عادة، من مشاجرة شخصين، لأبسط الأسباب، فرضية ان المسؤولين ، وفي مقدمتهم، مسؤولو الأمن، الاتحاديون والولائيون، لم يحسنوا”مخاطبة جذور الأزمة”، حسب العبارة الذائعة، وهو سبب كاف لاقالتهم، أن لم يستقيلوا من تلقاء أنفسهم. وهو مؤشر لاحتمال تجدد القتال في اي وقت. لا يتعلق الأمر بالجنينة وحدها. وإنما بالعديد من مدن دارفور مثل سرف عمرة وقريضة، وبرام أو نيرتيتي.

يلفت الانتباه، أن سلام جوبا، الذي وقعت على اتفاقه أكثر من ثمانين حركة مسلحة، لم ينعكس إيجابا، بأي شكل من الأشكال، على واقع دارفور، من حيث خفض حدة الصراع واستتباب الأمن، ما يمكن من الادعاء، أيضا، بأن التجمع الذي استضافته جوبا، عاصمة جنوب السودان، كان ابعد مايكون من “مخاطبة جذور المشكل الدارفوري، في تطوره الراهن”.

وان الصراع الجاري على الأرض وأطرافه واجندته، لا يتصل بشكل مباشر، بقوي اتفاق سلام جوبا، ومستهدفاته. ولا تقتصر التفلتات الأمنية، التي تقف وراءها مليشيات قبلية، وعصابات جريمة منظمة، على دارفور وحدها، فالعاصمة، القومية، نفسها، توشك أن تكون غير امنة. وفي العاصمة القومية، كما في دارفور، وغيرها من مناطق الأزمات، يتهم المواطنون الأجهزة الأمنية، بالتقاعس عن أداء واجباتها، على الأقل.

من الغريب، أن يتحدث مجلس الأمن والدفاع، في اجتماعه الذي انعقد يوم أمس الاثنين، على خلفية أحداث الجنينة، ، متخطيا تعيين الأسباب الجوهرية للتدهور الأمني الجاري، في الجنينة، وفي غير الجنينة، عن “سن تشريعات قانونية جديدة تضمن للفرد النظامي، حسم التفلتات، الأمنية بالطرق المشروعة”.

وكان الأمر يتعلق بنقص في التشريعات، وكان التفلتات الأمنية وليدة نقص حصانات أجهزة إنفاذ القانون. ويخشى أن يكون القرار صدى لمطالبات بعض المسؤولين، بمزيد من الحصانات، للتغطية على قصورهم، في أداء واجباتهم في حماية المواطنين، ومنع الجريمة.

ولكن، مجلس الأمن والدفاع، الذي، يضم مسؤولي الجيش والشرطة والمخابرات، وهو يخطئ في تهجئة أسباب الانفلات الأمني، في الجنينة، خاصة، وفي السودان، عامة، يستلهم بعض التوجهات التي تعمل حكومات أوروبية، كما في فرنسا وبريطانيا، لتبنيها، للتعمية على تجاوزات الشرطة بزعم حمايتها، مما فجر موجة من الاحتجاجات الشعبية المتواصلة.

وفيما يبدو أنه تلمس متأخر، لما يمكن تسميته منذ الآن، بالأزمة الأمنية، والتي تنضاف إلى غيرها من الازمات، التي تتضامن مجتمعة في سحق المواطن المغلوب على أمره، فقد شهد الأسبوع الماضي، اجتماعا للجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع، واجتماعا آخر، لتأسيس المجلس الأعلى المشترك، برئاسة رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة، كان القاسم المشترك للاجتماعين ، هو دمج المليشيات، على وجه السرعة، وبالتالي “إخلاء المدن من المظاهر المسلحة”، وفق ما هبت إليه اللجنة الفنية. من نافلة القول إن حشد مليشيات الحركات المسلحة، في العاصمة والمدن، الأمر الذي أثار قلق المواطنين، هو بعض من تدابير المكون العسكري، الغامضة والتي يبدو أن لاعلاقة لها، بالترتيبات الأمنية، التي تقضي بابقاء مسلحي الحركات في معسكرات خارج المدن، تحت إشراف القوات المسلحة، لحين اكتمال عملية التسريح و إعادة الدمج والتاهيل (دي. دي. أر).

أن عدم إقرار مجلس الأمن والدفاع، بمسؤوليته المباشرة، عن التدهور الأمني، وفشله الملموس، خلال أكثر من عام ونصف العام، في هذا المجال، وعدم قدرته على تقديم اسانيد واقعية، تبرر اختطافه لملف الأمن، من السلطة التنفيذية، واحتكاره،

بجانب افتقاره لتشخيص السليم لأسباب الأزمة ، لن يمكن من الوصول لحلول جذرية لها.

ويقتضي فشل المكون العسكري، وواجهته الممثلة في مجلس الأمن والدفاع، في اختبار الأمن، إعفاء كافة المسؤولين عن الملف، وإعادته لمجلس الوزراء، كجهة اختصاص، ومن ثم إعادة هيكلة الشرطة والمخابرات، وتكوين جهاز الأمن الداخلي، واستكمال تشكيل المنظومة العدلية، واعادة المفصولين سياسيا وتعسفيا، من القوات النظامية، كافة، للعمل. وإصلاح القوانين بما يتسق مع شعارات الثورة، والشروع الفوري في دمج كافة المليشيات في القوات المسلحة.

أن بسط حكم القانون، في مناطق النزاع في دارفور، والحيلولة دون افلات الجناة من العقاب، بجانب تفويض الجيش والشرطة للقيام بحملة حازمة لتفكيك المليشيات القبلية والعصابات الاجرامية، وجمع السلاح، مدخل لامناص منه، لاستعادة الأمن، والسيطرة على الأوضاع المنفلتة في عموم دارفور.