“الطوارئ” تقيد حرية التعبير

بمناسبة مرور عام على اعلان حرب الدولة عليه…!

“الطوارئ” تقيد حرية التعبير، لتجرم الحديث عن الفساد باسم محاربة الفساد..!

بقلم: عبدالله رزق أبوسيمازه

يمكن النظر إلى اعتراف الحكومة مطلع العام الماضي، رسميا، بوجود الفساد، بعد ما يقارب ثلاثة عقود من الإنكار المطلق، إنجازاً بحد ذاته. فعندما كشف الدكتور حسن الترابي، عراب النظام، منتصف تسعينات القرن الماضي،تورط الإسلاميين في الفساد تصدى له تلاميذه من قمة السلطة، بالتصحيح والتعديل والتكذيب.
وقد رافق ذلك الإعلان، الذي مر عام على صدوره، تعهدات بمحاربته.
وتزامن مرور عام على إعلان الحرب على الفساد مع إعلان حالة الطوارئ في البلاد، يوم الخميس الماضي، والعودة للحكم العسكري، حيث أكد مسؤولون في حكومة الطوارئ، أن هدف الطوارئ هو محاربة الفساد والتخريب الإقتصادي على الرغم من انه ما من نقص في القوانين والآليات التي يمكن بها محاربة الفساد، نافين، أن يكون فرض الطوارئ في البلاد، يستهدف مواجهة الحراك الشعبي في الشارع، والذي يجتاح البلاد منذ ثلاث أشهر للمطالبة بتنحي النظام. ومع ذلك فإن النظام قد حرص على تحقيق أقصى استفادة من إعلان الطوارئ، بحيث لاتقتصر على مواجهة أي تحرك أو انشقاق محتمل لكتائب الظلال، وما شاكلها.
اذ نصت لوائح الطوارئ- صراحة- على تجريم الإضراب والتظاهر والتوقف عن العمل وغيرها من مظاهر الحراك الشعبي، مثلما نصت على تجريم حرية التعبير والاحتجاج والتجمع التجمع السلميين، التي يكفلها القانون والدستور ومواثيق حقوق الإنسان. وقد انتهزت الحكومة هذه السانحة، أيضاً، لمحاولة تقييد حرية التعبير عن الرأي وتبادل المعلومات والأفكار والآراء، والتي تنص عليها مواثيق حقوق الإنسان، في فضاء الإنترنت بالذات، وفي مواقع التواصل الإجتماعي، بشكل خاص.
كما سعت الحكومة، بقصد او بدونه، لاستثمار توجهها لتقييد حرية النشر والتعبير، بتوفير حماية للفساد، بالمقابل، بحظر صريح للحديث عن الفساد، وللمفسدين المحتملين، وبمنع الحديث عن من اسمتهم بالرموز واسرهم ، في كافة وسائل النشر.
وفي مسعى للارتداد بموضوع محاربة الفساد إلى دائرة المغالطات والجدل البيزنطى، بمطالبة من يدعي وجود فساد بتقديم ادلته، في حين تملك الدولة كافة المعلومات بجانب كافة الوسائل التي تمكنها من الوصول إلى مكامن الفساد. وقد اوردت الصحف مؤخرا، خبرا مفاده ان الرئيس قد طلب ملفات الفساد ،ما يفيد بأن تلك الملفات متوفرة، وتنتظر الاجراء فقط.
تلزم اللائحة كل شخص لديه معلومات تتعلق بالفساد بتقديمها للجهات المختصة، لكنها لم تقدم أي ضمانات بأنه لن تتخذ اجراءات ضد المبلغ ، بدلالة سوابق ذائعة في هذا المجال. وفي هذا الإطار يتناقل الناشطون في وسائط التواصل الإجتماعي مصائر النقيب (شرطة) ابوزيد احمد الذي ورد انه تقدم بمعلومات عن فساد احدى الأجهزة، استجابة لمثل تلك النداءات، غير أنه وجد نفسه في موقع الإتهام، وادين بالسجن والطرد من الخدمة.
وفي وقت سابق، تعرضت جريدة (الصيحة) ومحرريها، ايضاً، إلى حملة من التنكيل عندما نشرت وثائق عن فساد في الأراضي.
وقال مسؤول سابق في المقاييس والمعايير انه فصل من العمل بخاطبين من مجلس الوزراء، أحدهما مزور، لانه رفض السماح بدخول أسمنت فاسد للبلاد يخص أحد النافذين. وتشي الواقعة الأخيرة بأن الفساد بات هو الذي يحكم ويقرر في مصائر الناس.
ومنذ نهاية الأسبوع الماضي، بدأت محاكم الطوارئ، بالفعل، في محاكمة المحتجين الذين لا ذنب لهم سوى انهم مارسوا حقهم في التجمع السلمي والاحتجاج السلمي على الأوضاع المتردية التي يعانون منها، فيما لم تتم محاكمة أي من المتورطين في الفساد والتخريب الإقتصادي حتى الآن.
وكان الرئيس عمر البشير قد أعلن في الثاني من أبريل الحرب على الفساد. وقال البشير في خطابه أمام البرلمان، “سوف نتابع إجراءاتنا ومعالجتنا حتى نسترد أموال الشعب المنهوبة، ولن يفلت أحد من العقاب”.وأضاف “إنها حرب على الفساد في كل مكامنه ومخابئه، وهي حرب في بداياتها ولن تقف إلى أن تحقق أغراضها لتنتهي فيها عمليات تهريب الذهب والمضاربة في العملة واحتكار السلع الضرورية”. ووفق أحد النشطاء السودانيين، استشهدت به صحيفة العرب، فان هذه “الآفة تكلف الإقتصاد السوداني 18 مليار دولار سنويا.”وكان الرئيس عمر حسن البشير قد أعلن في نهاية فبراير الماضي عن تشكيل مفوضية لمحاربة الفساد، داعيا المواطنين إلى تقديم المعلومات والوثائق التي يمكن أن تدين المفسدين.
وجدد البشير، حسب صحيفة العرب الصادرة في الثالث من ابريل 2018، التأكيد على “أهمية تطبيق قانون الثراء الحرام، للكشف عن المال الحرام والمشبوه وغسيل الأموال”، مشددا بقوله “سنظل في متابعة إجراءاتها لملاحقة المتلاعبين داخل وخارج البلاد، حتى يسترد اقتصادنا الكلي عافيته”.وأوضح البشير أن “هناك شبكات فساد مترابطة، استهدفت تخريب الإقتصاد القومي، من خلال سرقة أموال الشعب، وكان لا بد من تدخل رئيس الجمهورية، بحكم مسؤوليته الدستورية عن الإقتصاد الكلي، الذي شهد استهدافا مباشرا لضرب استقرار البلاد وزعزعة أمنها”.
وحسب سودان تريبيون، فقد قال البشير في خطابه أمام فاتحة دورة جديدة للبرلمان إن الإقتصاد واجه بداية العام الحالي، جملة مشكلات أدت إلى تدهور سعر صرف العملة الوطنية “الجنيه” مقابل العملات الأجنبية.
وأوضح أن ما تسبب في ندرة النقد الأجنبي وتصاعد تكلفة المعيشة هو “مضاربة جشعة من حفنة من تجار العملة ومهربي الذهب والسلع التموينية، وهم قلة يتحكمون في كل شئ ولهم امتداد في الجهاز المصرفي ساعدهم في التهرب من توريد حصيلة الصادر”.
ووفق العربي ، 21 مارس، فإن الحملة الأمنية ضد المضاربين بالعملة يقودها مدير عام جهاز الأمن والمخابرات الوطني، الفريق أول صلاح عبد الله قوش، الذي أعلن منذ تعيينه في فبراير الماضي، حرباً شرسة على من سمّاهم المضاربين بقوت الشعب، فيما دعم الحملة الرئيس عمر البشير، الذي أكد في أكثر من مناسبة أن مطاردة “القطط السمان” لن تتوقف إلا باستعادة ما كسبته من أموال دون وجه
حق.
وحسب العربي الجديد، 31 يناير 2018، فان الرئيس عمر البشير، قد توعد بتعامل أجهزة الدولة بشدة وصرامة مع تجار العملة وملاحقتهم خارج البلاد، وإعادتهم للسودان، ومحاكتهم بتهمة الإرهاب وتخريب الإقتصاد.وأكد البشير في تصريحات صحافية ، أن الحكومة تعمل على تفعيل وتطبيق قانون الثراء الحرام على الأموال المشبوهة والثروات المُفاجئة، وقال إن الحكومة ستضغط ودون تهاون لإعادة كُلِّ حصائل الصادر إلى بنك السودان المركزي، خاصة على بنوك ورجال أعمال يعملون في مجال الصادرات لإعادة أموال أخذوها دون وجه.
وكشف عن سحب عميل واحد مبلغَ 90 مليار جنيه من أحد المصارف دون تحديد مصدر المال وأوجه صرفه، فضلاً عن وجود كثيرين الذين يملكون ملايين الجنيهات ولا توجد لديهم رخص تجارية أو مُستندات رسمية تُبرِّرُ الثروات الطائلة.
وبعد عام من إعلان حرب الدولة على الفساد، تختار حكومة الطوارئ ان تضع نفسها أمام إختبار الجدية والمصداقية، في وقت لازال المطلوب فيه أفعال وليس أقوال. قد تكون هي الفرصة الأخيرة للنظام الحاكم. إذ أن الفشل في محاربة الفساد، التى تمثل مدخلا لابد منه للاصلاح الإقتصادي، يحتم تنحيه لبديل يتوفر على ارادة سياسية متحررة من ضغط جماعات المصالح والنافذين المرتبطين بمؤسسة الفساد.
abusimazeh@yahoo.com