السودان:معركة الاستقلال الثالث وضرورة فرض إرادة الجماهير

السودان: معركة الاستقلال الثالث وضرورة فرض إرادة الجماهير

بقلم: أحمد محمود

* حكم الاسلاميين لا يقل بشاعة عن حكم الأتراك والبريطانيين للسودان

* إدامة المواجهة في الشارع ستضع حدا لنظام الإسلام السياسي..

* الرد الوحيد لحق الشهداء والجرحى والمعتقلين هو إسقاط النظام..

إشارة تاريخية: هذه المرحلة والتي تواجه فيها الجماهير السودانية أسوأ نظام حكم هذا البلد، فإنه يتعين علينا موضعة المسميات في إطارها الصحيح من أجل إعادة بناء المفاهيم.. فهذه الحركة الجماهيرية التي انطلقت في هذا الشهر، شهر ديسمبر، هي حركة من أجل الاستقلال الثالث، ماذا يعني هذا؟ هذا يعني ودون مواربة بأن حكم الإسلاميين للسودان، لا يقل بشاعة عن حكم الأتراك والبريطانيين للسودان، وقد اعترف الإسلامي حسن مكي بذلك حين قال: بأن كتنشر قد كان أفضل من الذين يتحكمون في أقدار السودان الاَن.. ولهذا يجب أن نجلي المفاهيم ونقول بان الشعب السوداني اليوم يناضل من أجل الاستقلال الثالث، وهذا يعني بأن هذا النضال يتطلب تضحية عالية لا تقل عن تضحيات النضال ضد الأتراك والبريطانيين، والفرق إن النضال ضد الأتراك والبريطانيين، كان ضد قوى ظاهرة ومكشوفة للشعب السوداني، ولكن الإسلام السياسي الحاكم يتخفى وسط الناس، وعبر الدين، ويمارس نفس أفعال القوى الاستعمارية من خلال منهج التدمير، والذي هو سمة تجمع بينه وقوى الاستعمار.. ولتأكيد هذه الفرضية فيجب أن يتصدى كتاب التاريخ لمهمة بحث ما أحدثه الإسلاميون، من تدمير وتقتيل عبر تسلطهم على السودان قياسا بما فعله الأتراك والبريطانيين..

إشارة الراهن: في ظل التحرك والهبة الجماهيرية التي انتظمت داخل السودان، فإن المطلوب وبالذات بالنسبة للذين يعيشون في الخارج ألا يكونوا أوصياء على حركة الداخل، لأن الداخل هو الذي يحدد طبيعة تحركاتنا وليس العكس.. وهذا يدعوني أن أكتب وبحذر حتي لا أتحول إلى وصي على حركة الجماهير، معترفا بأن الذي يحرضني على الكتابة هو حركة الشارع، والتي ليس لي دور فيها بحكم بعدي عن الوطن جغرافيا.. لكن ومن خلال رؤى متواضعة أحاول أن أحلل الواقع، لعل هذا التحليل قد يضيء منطقة معتمة تساعد في مسيرة هذا الحراك، وقد لا تستطيع مطلقا بحكم كوني لا أمسك بكل أطراف الخيوط..
لماذا الحراك الجماهيري؟

لقد جفف الإسلاميون داخل السودان كافة الوسائل التي تساعد على الحياة، وضمن حالة عدم اكتراث بواقع الناس وتطلعاتهم المشروعة في الحياة.. وهذا هو ما دفع الجماهير إلى الخروج من أجل استرداد حقوقها المشروعة، ضمن حالة مواجهة ثورية تستعيد التاريخ النضالي لشعب السودان.. هذا الحراك يطرح سؤالا متصلا، فهل بعد كل ما أحدثه هذا النظام، وبعد كل هذا الهدر السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، فهل من الممكن استمرار هذا النظام؟ هذا السؤال يتصاعد عندما تشاهد الجماهير حالة الثراء غير المسبوق لدى أعضاء الحركة الإسلامية الحاكمة في ظل حالة البؤس التي تعيشها هذه الجماهير، وانعدام كافة مقومات الحياة، ناهيك عن حالة الفساد والتي ضربت أركان الدولة.. وفق هذه الحالة المذكورة، والتي أدت إلى إنهيار أركان الدولة نتيجة للسياسات العقيمة، وحالة تخلف العقل المتأسلم، الذي يقود هذه الدولة، فإن النتيجة والواقع يقولان بأن هذا النظام قد سقط فعلياً، نتيجة لفوضى السياسات، وخلل إدارة الدولة الذي بدأ منذ أن صعد الإسلاميون إلى السلطة..
إذن ما هو المطلوب عبر هذه المرحلة وما هو الدور المفترص أن تقوم به قوى الداخل؟ قوى الداخل قد تمتلك آلياتها وأدواتها، وهذا السؤال متروك لها، ولكن ومن وجهة نظر عملية، ومن غير وصاية، يجب أن يحكم مسار حراك وثورة ديسمبر الآتي:
أولاً: يجب أن يتواصل هذا الفعل الثوري وألا يتوقف حتى اسقاط هذا النظام، وهذا يعني قبول التضحيات الكبرى، واتباع سياسة النفس الطويلة، لأن الإسلاميين في الحكم لديهم الاستعداد لقتل كل من يحاول إزالتهم منه، ولقد بدأ هذا القتل بالفعل، إذ تقدر أعداد الشهداء بقرابة الأثنين وعشرين شهيداً، حتى تاريخ كتابة هذا المقال، هذا عدا الجرحى والذين تم اعتقالهم في سجون النظام.. ولن يسقط هذا النظام إلا بمواجهة مكشوفة بينه والجماهير، ليشهد العالم كيف يمارس الإسلاميون العنف ضد الشعب، وبالتالي تعريتهم أخلاقياً أمام العالم، وهذا سيشكل ضغطا من قبل القوى التي تحترم حقوق الإنسان على النظام، كما يجب أن يأتي هذا مقرونا بالاضراب السياسي، وتوقف مرافق الدولة جميعها، وبالنتيحة فإن هذا سيؤدي إلى هروب الإسلاميين، وبالتالي وضع حداً لتجربتهم البائسة.
ثانياً: هذه المرحلة تتطلب وحدة القوى الوطنية والحية في المجتمع داخل السودان، وعزل كافة الانتهازيين، ومعهم الإسلاميين الذين دمروا الوطن السوداني وكل الذين تحالفوا معهم.
ثالثاً: ضرورة االوقوف مع المعتقلين السياسيين، وأسر الشهداء والجرحى، ورد حقهم الشرعي، وفي تقديري فإن الرد الحقيقي هو إسقاط النظام، وهو الفعل الوحيد الذي يزيل الغبن لدى أسر الشهداء والجرحي، ويخرج المعتقلين السياسيين إلى فضاء الحرية.
رابعاً: ضرورة تكوين منصة إعلامية تحت إدارة قوى الإجماع الوطني، من أجل تمليك الشعب في الداخل والخارج المعلومة الصحيحة، وحقيقة ما يجري في الداخل.
خامساً: الوقوف ضد أي تصورات تتيح للقوات المسلحة استلام السلطة، أو القبول بفكرة المهنيين أو التكنوقراط بتسيير أمور الدولة، وفي حالة سقوط النظام.
حقيقة المطلوب هو تكوين حكومة انتقالية تشارك فيها كافة القوى الوطنية من أجل إدارة الدولة، والتمهيد لإجراء انتخابات وتسيير وضبط مسار الدولة عبر خطة إنقاذ عاجلة تخرج الناس من الواقع الكارثي الذي أحدثه الإسلاميون..
سادساً: رفض أي خط للتسوية، والذي تطرحه بعض القوى السياسية المتأرجحة، وفي حالة قبول منطق التسوية هذا، فإن هذا يعني إعادة تدوير الأزمة، وفسح المجال للإسلاميين للصعود للحكم وبصورة مختلفة..
سابعاً: على القوى في الخارج مساعدة الحركة الجماهيرية، وذلك من خلال التواصل مع المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، وتمليكها حقيقة ما يتعرض له الشعب السوداني، من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وكذلك القيام بالتظاهر أمام سفارات النظام وكشف ممارساته.
أخيراً : إن التاريخ تصنعه الجماهير، وليس الكذبة والدجالين، وهذه المرحلة مرحلة مفصلية، فإما أن ينتصر خط الجماهير، أو يستمر الهدر، والدمار للوطن، والذي يمثله تيار الإسلام السياسي، ولكي ينتصر خط الجماهير فيجب أن يتجسد حضور الجماهير عبر الشارع، وهو الوحيد الذي يؤدي إلى فضاء الحرية، وإلى الاستقلال الثالث، والثقة في النهاية تبدو غير محدودة في حركة الجماهير، ولهذا نقول بأن الشعب أقوى والردة عليه مستحيلة.