الدكتور صديق تاور: البيئة المشوهة تؤثر على سلوك الإنسان

الدكتور صديق تاور: البيئة المشوهة تؤثر على سلوك الإنسان

استضافت إذاعة جامعة السودان العالمية البروفسور صديق تاور، المستشار العلمي للجنة مناصرة البيئة وأستاذ الفيزياء بجامعة النيلين والجامعات السودانية، للتحدث عن
البيئة في السودان وكيف نحصل على بيئة صحية:
استهل البروفسور حديثه معرفاً مصطلح البيئة: (بأنها كل ما يحيط بالإنسان من مؤثرات طبيعية من حيث الثروات الغابية والحيوانية وما تمثله من تنوع حيوي بشكل عام وأضاف بأن البيئة السليمة هي البيئة المنسجمة مع حياة خالية من المؤثرات السالبة على الكائنات الحية متمثلة في مياه الشرب الصحية للإنسان والحيوان والهواء النقي والتربة الخالية من الملوثات وجميع المؤثرات التي من صنع الإنسان من مؤثرات صناعية وغيرها)، وأضاف د.تاور بأن الإنسان من الممكن أن يؤثر على البيئة تأثيراً سلبياً أو ايجابياً لذلك لابد من وجود معادلة تضبط هذا التأثير وتجعل اﻹنسان يستغل موارده البيئية استغلالاً سليماً دون تشويه لبيئته، فالبيئة المشوهة تؤثر على سلوك الإنسان، والبيئة السليمة كحق للإنسان نص عليها الدستور الحاكم للسودان دستور 2005 المادة (11) فيما يتعلق بالبيئة والموارد الطبيعية البند 1: (تعطي لأهل السودان الحق في بيئة صحية نظيفة ومتنوعة وتحافظ الدولة والمواطنون على التنوع الحيوي في البلاد وترعاه وتطوره بمعنى أنها توفر البيئة الصالحة للإنسان والحيوان والنباتات).
البند 2: (يطلب من الدولة أن لا تنتهج سياسات أو تتخذ أو تسمح بأي عمل من شأنه أن يؤثر على وجود نوع حيواني أو صنف نباتي أو على بيئتهم الطبيعية أو المختارة).
وفي رده على سؤال عما يحدث من تحول بعض الأراضي الزراعية إلى أراضٍ سكنية؟ أجاب د. تاور بأن هذا النوع من الممارسات يتم استجابة لأمر واقع ولابد أن تتم مراعاة ذلك حسب نص الدستور، كما تطرق في حديثه على النشاط الصناعي وتأثيره قائلا: (لا يوجد نشاط صناعي لا يؤثر على المحيط الذي حوله، و هذا النشاط لابد من أن يحقق هدف مركزي، أي يغطي حوجة محددة للبلاد بالتالي لابد من التقييد الصارم بما يمكن أن يفرزه هذا النشاط من آثار سلبية وكيفية مواجهة الآثار السلبية بحسب طبيعة النشاط الصناعي، فهناك موجهات بيئية هي من اختصاص وزارة البيئة، وأضاف في أي بلد من البلدان المتقدمة توجد هناك شهادة أثر بيئي وهي صادرة من الجهة الرقابية المعنية بمدى مطابقة النشاط الصناعي لشروط عدم اضرار ذاك النشاط على المنطقة التي حوله).
وفي رده على مدى المسؤولية المجتمعية في تدارك الآثار السالبة للصناعة، أكد د.صديق تاور بأن المسؤولية هي مسؤولية أخلاقية بالدرجة الأولى سواء كان النشاط الصناعي حكومي أو خاص، وقتما كان له آثار على المنطقة المحيطة والكائنات المحيطة فلابد من مراعاة كيفية عدم إيذاء الكائنات الحية ويجب أن يسبق ذلك دراسات وتحديد الآثار المترتبة عليها، وقال هناك حالات تقع فيها المسؤولية المباشرة على الدولة فالآن في كثير من المواقع تجد مصانع الصابون والبلاستيك أو أي مصانع أخرى وسط السكان فيتعرض السكان لسمومها مع غياب تمام للجهات المسؤولة (الحكومة في شخص وزارة البيئة والصحة والجهات المعنية بحماية المواطنين) لأنه في النهاية رأس المال الأساسي هم البشر وإذا خسرنا رأس المال فلا توجد قيمة لأي نشاط صناعي، وتناول في حديثه مسألة النفايات ومدى خطورتها وكيفية التخلص منها وتأسف على الوضع الحالي والطريقة التي تتم التخلص بها من النفايات وسط السكان والأسواق والمدارس مما أدى إلى انتشار العديد من الأمراض وسط الطلاب والمواطنين.
أما عن كيفية تبصير المواطن ومعالجة مشاكل البيئة، أوضح د.تاور بأن هناك جهات رسمية معنية بالمحافظة على أرواح المواطنين ، ويجب أن تتم معالجة المشكلة بصورة تشاركية (بين صاحب المصنع والمواطن والسلطة)، ولكن نلاحظ أن المسألة تترك هكذا فلابد من ورش ومؤتمرات تبصيرية لتلافي مشكلة النفايات والتخلص منها فاختلاف النفايات وعدم تصنيفها ومعاملتها بحسب آثارها أصبح كارثي، فنجد النفايات الطبية على الشوارع ، ناهيك عن النفايات الإلكترونية المتمثلة في الأدوات الإلكترونية والتلوث الإشعاعي الناتج عن أبراج الإتصالات والذي يؤثر على جسم الإنسان وسلوكه وذاكرته، مستدلاً بدراسة أجريت محلياً وضّحت مدى تأثير الإشعاع على طلاب المدارس وأدائهم الأكاديمي.
أما في جانب التعدين والتنقيب وأثره على البيئة، أفاد د.صديق تاور بأن المناطق التي تم اكتشاف البترول فيها تحديداً منطقة غرب كردفان من لقاوة وحتى المجلد وأبوجابرة، فقد دفع إنسانها ثمناً باهظاً جداً من صناعة النفط في المنطقة ليس فقط لضعف العائد بل تدمير المنطقة من ناحية بيئية حيث تسربت المواد الضارة إلى المياه والبرك إضافةً لتلوث الهواء، واستمرت عملية التلوث لسنوات طويلة إلى أن انتهى النفط بعد انفصال الجنوب، والثمن الحقيقي لهذا النشاط هو أمراض لا تحصى ولا تعد، ونفوق للحيوانات وتزايد حالات الإجهاض، وانتهاء الحياة البرية. والسبب في هذا الثمن هو مع استعجال الحصول على هذه الثروة لا يتم الانتباه على الأثر الذي يمكن أن ينتجه هذا النشاط ليصبح الإنسان هو الضحية، فأصبح لا يخلو بيت من أمراض السرطان والعقم والحساسية المزمنة، وأضاف: (أذكر في إفادة من أحدهم من ذات المنطقة بأنه تمت ثمانية زيجات من المنطقة والثمانية مصابة بالعقم، إضافةً إلى إفادات بعض أصحاب الماشية التي قالو فيها بأنهم فقدو الأراضي التي كانت ترعى فيها الماشية جراء التلوث).
فضلاً عن نشاط القطع الجائر للغابات والذي بدوره يؤثر على منسوب الأمطار وهطولها، فاﻹنسان في غرب كردفان حتى الآن يعيش محنه حقيقة نتيجة الآثار التي تركتها صناعة النفط، وذلك يحتاج إلى معالجة للمخلفات التي تركتها صناعة النفط وإزالة هذا التلوث، وإلى مجهود ضخم جداً، السودان لوحده لا يستطيع أن يواجهه إزاء استعادة الأمور لوضعها، فضلاً عن ذلك، تفعيل القوانين الصارمة في مسألة القطع الجائر للغابات وايقاف التصاديق التي تصرح بالقطع وتخرج على مرأى ومسمع الجهات المسؤولة، مثلاً إفادة لمسؤول الغابات في إحدى الورش التي نظمتها جامعة الدلنج قبل عام، والذي قال أنه ليس لديه أي سلطة على الغابات بالرغم من أنه المفترض أن يكون المسؤول الأول عن الغابات!.
وفيما يتعلق بدور المهتمين الوطنين لانقاذ مايمكن إنقاذه قال:
(واجبهم التبصير واتخاذ الخطوات التي تجمع الناس وتوعيتهم بحجم الخطر وتدارس الدور الملقى عليهم لحماية أنفسهم لتدارك الأذى الذي قد يصيبهم بفعل فاعل أو بدونه ومواجهة الأمر بما يستحق ويترتب عليه من خطورة أولاً بالتعريف به، وتسليط الضوء عليه وتوصيل الصوت لكل من يعنيه الأمر، إضافةً لبذل الجهد القانوني والرسمي الذي يحد أو يمنع مثل هذه الممارسات، وهذا يحتاج إلى آليات ووسائل، ولكن للأسف نفس الذين يمارسون هم أيضاً من جانب لديهم الحماية، فالحاصل على تصديق ﻹبادة غابات يعني ذلك أنه يعمل بصورة قانونية بما أنه يملك تصديق من جهة مسؤولة لديها مصلحة مشتركة بينها وبين من تصدق له، وذلك بغض النظر عن الآثار والأضرار المترتبة على المنطقة والمواطن).
وفي سؤال مقدمة البرنامج عن إمكانية أن يكون هناك دور لمنظمات المجتمع المدني في حماية البيئة، جاء رد د. صديق تاور بأن
النشطاء في مجال البيئة من مواطنين ومستنيرين ومتطوعين يعانون شر المعاناة، على سبيل المثال، الجمعية السودانية لحماية البيئة، هي جسم ناشط ولكن لا يمنح المساحة الكافية للعب الدور المنوط به، ففي مناطق الشمالية على سبيل المثال هناك لجان تكونت من المواطنين إزاء الدمار الذي لمسوه على بيئتهم من تلوث نتيجة التعدين فقاموا بتكوين أجسام وبدأت تتصدى لمشاكلهم، وكذلك اللجنة الوطنية لمناصرة البيئة وهو جسم تكون بشكل تلقائي من المواطنين في عدد من المناطق التي يوجد بها نشاط تعديني بالأخص نشاط الشركات الذين لاحظوا أن هناك تأثيرات مدمرة على البيئة والصحة بشكل ملحوظ وانتبهوا بأنه خطر عليهم فتصدوا لمثل هذه الأنشطة، ولكن يواجهون معاناة كبيرة حيث يتم اعتقالهم وسجنهم لشهور وآخرين يتم نقلهم تعسفياً من المنطقة، بالرغم من النص الدستوري المذكور آنفاً الذي يلزم الدولة والمواطنين بالمحافظة على البيئة.
على من تقع مسؤولة رصد ودراسة الظواهر السالبة والضارة بالبيئة؟
مسؤولية وزارة البيئة ووزارة الصحة والسلطات المحلية الموجودة بالمنطقة ولكن المسؤولية الأخلاقية الأكبر على من يمارس هذا النشاط وهو يدرك تماماً مدى تأثيره السلبي على الحياة والناس وبالأخص الجهة التي سمحت لمثل هذه الأنشطة بالقيام هي المسؤولة أولاً، فورازة المعادن هي التي تصدق للشركات للقيام بهذه الأنشطة والسلطات الولائية فالوالي هو من يسمح بالعمل في المنطقة ومن ثم يرسلون إلى الإدارة الأهلية بالمنطقة التي دائماً ما تكون إدارة مرتشية ومتخاذلة.
ختاماً ما هو المطلوب للاستغلال الأمثل للثروات بدون تدمير للبيئة وبدون تذمر من المجتمعات المحلية؟
المطلوب أولاً الشفافية في نوع النشاط وأن يبدأ في النور ولا يتم تحت الطاولة، فالهرم الآن مقلوب حيث يبدأ من الوزارة للولاية ومن ثم المجتمع المحلي، فلابد من تقديم مصلحة الإنسان على المصالح الشخصية، فالثروة الحقيقية هي الإنسان.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.