الحزب الشيوعي هل أخطأ التقدير

الحزب الشيوعي هل أخطأ التقدير

بقلم: محمد ضياء الدين

أثارت المواقف المتواترة التي أعلن عنها الحزب الشيوعي، والتي بدت وكأن الحزب يبتعد عن حلفائه في قوى الحرية والتغيير، الكثير من اللغط، والكثير من التساؤلات المشروعة، خاصة، إعلانه الأخير بالإنسحاب من التفاوض مع المجلس العسكري الإنتقالى، في الوقت الذي بدأ أن التفاوض يدخل مرحلة حاسمة ويقترب من نهايته، الأمر الذي يتطلب دعما إضافيا وإستثنائيا للوفد المفاوض من قبل قوى الثورة كافة، بما فيها الحزب الشيوعي، لا العكس. وقد تمنى الكثيرون أن يتراجع الحزب الشيوعي عن موقفه ذاك. لكن الإعلان المشار اليه يبدو غريباً بحد ذاته، في ضوء حقيقة أن الحزب الشيوعي ليس له تمثيل بشكل مباشر في الوفد المفاوض. إذ أن تشكيل وفد تحالف قوى الحرية والتغيير المفاوض يتكون من ممثلين للكتل المكونة للتحالف. وبالتالي فان صديق يوسف وكذلك القيادي البعثي على الريح السنهوري، لا يمثلان حزبيهما، الشيوعي والبعث، على التوالي، وإنما يمثلان كتلة تحالف قوى الاجماع الوطني. وبالتالي فان إعلان الحزب عدم مشاركته في جولة المفاوضات والإنسحاب من كامل العملية التفاوضية، ربما لا يحمل غير مغزى رمزى، غير ذي تأثير على مجرى عملية التفاوض، لا سيما أن الموقف الشيوعي المعلن لم يرافقه إنسحاب للحزب من تحالف قوى الإجماع الوطني ومن قوى الحرية والتغيير، على الرغم من أن الموقف يحمل تجريماً ضمنياً لتلك القوى التي ما تزال منخرطة في عملية التفاوض، وربما تخوينها.
يثير اللغط والتساؤل، بشكل خاص، حيثيات قرار الإنسحاب، والتي تبدو وكأنها نتيجة إكتشاف متأخر لحقيقة أن المجلس العسكري الإنتقالى ما هو غير بعض تجليات اللجنة الأمنية لنظام المخلوع البشير وإمتداد لها، بشكل أو آخر، وأن تدخل اللجنة في 11 ابريل، كان إنقلابا ولم يكن إنحيازا للثورة، وأن المجلس العسكري، بعد مجزرة 3 يونيو، 29 رمضان، لم يعد طرفا مناسباً للتفاوض، الذي طرحته المبادرة الإثيوبية ثم الأفريقية، بدعم من أطراف إقليمية ودولية، بما فيها القوى التي تدعم مطالب الشعب في قيام سلطة مدنية، مثل الترويكا والإتحاد الأوروبي والإتحاد الافريقي والولايات المتحدة الأمريكية. وقد طرحت هذه الحيثيات في وقت قطع التفاوض شوطا كبيرا، وتحققت من خلاله الكثير من النجاحات، التي دفعت قوى الردة والثورة المضادة للقيام بالعديد من المحاولات لوقف التفاوض أو عرقلته أو التراجع عما تم التوصل اليه من إتفاقات عبره.
لقد رأينا في حزب البعث العربي الاشتراكي ، في بيان بتاريخ 6 يوليو، أن الإتفاق السياسي الذي توصل اليه مفاوضو الحرية والتغيير عبر مفاوضات مباشرة مع المجلس العسكري الإنتقالى، بوساطة أفريقية، لا يحقق الحد الأدنى من مطالب جماهير الثورة الممثل في الحكم المدني. ورأينا أن ذلك يتطلب المزيد من النضال والجهد، لا مقاطعة التفاوض، الذي أصبح أمرا واقعاً، من أجل تصحيح الأخطاء التي وقع فيها وفد الحرية والتغيير المفاوض. فمنذ البدء رفضت قوى الإجماع، من حيث المبدأ، عملية التفاوض المباشر الذي دعا اليه الوسيط الأفريقي، لكن كانت المفاجأة أن صديق يوسف الذي اقترح مقاطعة الدعوة، كان ضمن المستجيبين لها، في حين تغيب العضو البعثي لوفد الإجماع. وقد خالف الوفد ما تم التوافق حوله من رأي بشأن موضوع التفاوض، وتورط في إقرار الاتفاق السياسي الذي كان محل إنتقاد ورفض العديد من القوى بما في ذلك أطراف في قوى الحرية والتغيير. غير أن ذلك لم يشكل أساسا لمقاطعة المفاوضات.
رفض التفاوض بعد 29 رمضان كان يمكن أن يكون موقفا صحيحا وثوريا، غير أن الإنسحاب من عملية التفاوض، في منتصفها، وبالأحرى، في نهاياتها، لا يشكل موقفا سليماً يصحح خطأ التفاوض من أساسه.
يجدر بالإنتباه، أيضا، أن الحزب الشيوعي، وعبر ممثله في الاجماع، صديق يوسف، كان طرفاً في كل تلك التطورات المتصلة بعملية التفاوض من بداياتها، مما يجعله، بالضرورة، شريكاً يتحمل نصيبه من المسؤولية عن تلك العملية التفاوضية ومخرجاتها.
وكان الأجدى، والأجدر بالحزب الشيوعي، بدلا من محاولة التنصل من عملية التفاوض بأثر رجعي، ممارسة نقد ونقد ذاتي، عبر ممثله داخل تجمع قوى الاجماع الوطني، بغرض تصويب مسار عملية التفاوض، وتقويم عمل قوى الاجماع وتحالف قوى الحرية والتغيير، أولاً بأول، من أجل تطويره وترقيته، وهو ما يقتضيه الحرص على وحدة قوى الثورة، والإلتزام بتقاليد العمل الجبهوي، وتماسك الجبهات المجسدة لوحدة تلك القوى، بدلاً من إثارة الشكوك حولها، وحول حرصها على الثورة وإلتزامه بأهدافها، أو حتى محاولة التكسب السياسي والاعلامي على حسابها. انطلاقا من دقة المرحلة الوطنية التي تمر بها مسيرة التطور الوطني السلمي الديمقراطي ودون إلغاء للاستقلالية السياسية والتنظيمية ابان العمل المشترك.

_____
#مدنية_قرار_الشعب
#الالتزام_بإعلان_الحرية_والتغيير