البرهان. لقاء عنتبى قفزة فى الظلام لماذا؟

البرهان. لقاء عنتبى قفزة فى الظلام لماذا؟

بقلم: محمد الأمين أبوزيد

فاجأ رئيس مجلس السيادة الانتقالي، شعب السودان وحكومة الثورة الانتقالية، بلقاء تم في جنح الظلام في عنتبي الإثنين 3 فبراير، برئيس وزراء الكيان الصهيوني، وباشراف الرئيس اليوغندي موسفيني، بكل سوءاته دون أن يأخذ قرار اللقاء دورته المؤسسية ابتداء، حيث أشارت المعلومات إلى عدم علم المجلس كمؤسسة سيادة، وكذلك عدم علم مجلس الوزراء، وبالنتيجة عدم علم واستشارة مجلس الأمن الوطني، والذي يمثل فيه مجلس الوزراء، بوزير العدل، والداخلية، والخارجية، ورئيس الوزراء، الأمر الذي يشي بأن قرار اللقاء تجاوز مؤسستي مجلس السيادة والوزراء، وكذلك التحالف السياسي المكون للحكومة الانتقالية (قوى الحرية والتغيير).
أولاً: ما تم يعتبر من الناحية الدستورية تجاوز فظ للوثيقة الدستورية (م12) التي تحكم فترة الانتقال، وارتداد لعهد الانفراد بالسلطة، ولا يمثل عقلية الثورة، ولا يحترم مؤسساتها وتضحيات شبابها. وهذا التجاوز يضع الثورة وسلطتها في محك ومأزق يجب معالجته بروح الثورة وخيارات الشعب.
ثانياً: ما حدث يمثل انتكاسة للموقف الوطني التاريخي لشعب السودان الذي ظلت صفحة مواقفه ناصعة مشرفة تجاه القضية الفلسطينية وكافة قضايا التحرر الوطني الإنسانية العادلة والمشروعة.
ثالثاً: تحدثت تقارير إعلامية خارجية عن أن اللقاء تم بترتيب دولة الإمارات، وبتنسيق مع مصر، والسعودية، بما يعني أن اللقاء طبخ بإرادة محور إقليمي، له ارتباطه الوثيق بما يجرى في المنطقة، وما يتم الترتيب له، وبعيدا عن إرادة شعب السودان، وقيادة ثورته، ومؤسسات الحكم، وهذا من شأنه تفجير الوضع السياسي في السودان.. إذن لمصلحة من حدث هذا؟
رابعاً: جاء اللقاء، ولم يجف حبر خطاب وزير الدولة بالخارجية في اجتماعات مجلس الجامعة العربية، والذي وضح موقف السودان المساند للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس وحق العودة للاجئين.
خامساً: يؤشر اللقاء خلل مؤسسي، فيما يتعلق بماهية الجهة المسؤولة عن السياسة الخارجية، تخطيطاً وتنفيذاً، وبنص الوثيقة فإنها مسؤولية مجلس الوزراء، عبر وزارة الخارجية،، وما حدث هو دس أنف البرهان فيما لا يعنيه، وخارج اختصاصاته، وبعلم وفق ما أشار إلى ذلك بيانه فى صفحة مجلس السيادة فى نافذة تيوتر..
سادساً: إن المبررات التي ساقها البرهان في أن الخطوة نابعة من مسؤوليته تجاه الأمن الوطني السودانى، ويمكن أن تؤدى إلى رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكي على السودان، هو منطق فطير، وهش جدا، إذ من غير المتصور أن يستند القرار الأمريكي لوساطة الكيان الصهيوني، برغم طبيعة العلاقة بين الكيان الصهيونى، وأمريكا، وكيف يحمي الأمن الوطني السوداني من كيان استيطاني مزروع في المنطقة لهدف زعزعة الأمن القومى كله؟!
هذا لعمري أشبه بوضع الذئب في حراسة الخروف! وفي التقدير إن اللقاء ليس مقصود به السودان تحديداً، وإنما رسالة لكل المنطقة لما وجده مشروع صفقة القرن من رفض باعتباره مشروع تصفية ودفن للقضية الفلسطينية.
سابعاً: لقد أشارت التقارير الإعلامية إلى تعهدات أبداها البرهان، للنتن ياهو، بمنح حق تحليق الطيران الصهيوني، في الأجواء السودانية، وهذا حق لا يملكه البرهان من ناحية، ومن ناحية أخرى إقرار ضمني بالاعتراف بسلطة الاحتلال، وفوق ذلك تجاوز لمؤسسة السيادة، ولآلية التشريع القائمة (اجتماع المجلسين)، وتجاوز لصلاحيات الحكومة الانتقالية في أمر استراتيجي مرتبط بشعب السودان.
ثامناً: سيطرح اللقاء خللا منهجيا في العلاقة بين مكونات السلطة الانتقالية، الأمر الذي سينعكس سلباً على المشهد السياسي، ما لم يواجه بحسم وتصحيح وتمسك بالوثيقة الدستورية، واعتبار ما حدث لا يمثل الثورة، ولا مؤسساتها الانتقالية، ورفض مترتبات اللقاء والتزاماته.
تاسعاً: يقدح اللقاء في مصداقية اطروحات الحكومة الانتقالية، ومواقفها المعلنة تجاه السياسة الخارجية المبنية على عدم اتباع سياسة المحاور التي تضر بمصلحة السودان، ومستقبل شعبه، وهذا اللقاء يغمس السودان في ذات نهج النظام المباد وسياسته الخارجية.
عاشراً: ولعل السؤال المهم، هل التطبيع مع الكيان الصهيوني، يفتح نافذة لحل مشاكل السودان؟
وما الثمن الذي يدفعه السودان خصما من سيادته ونظرته المبدئية للقضايا الإنسانية المتعلقة بحق الشعوب في نيل حريتها وكرامتها، وضمنها شعب فلسطين؟
وبالنظر لمسيرة التطبيع الذي افترعها العميل السادات في 78 (اتفاقية كامب ديفد)، وما تلاها من اتفاقيات، ماذا جنت أطرافها منها من مكاسب على الصعيد الوطني، وعلى صعيد القضية الفلسطينية، سوى مزيد من ضياع الحقوق والمذلة والخنوع.
أما مسألة الالتزامات الامريكية، فإن للسودان تجربة اتفاقية السلام التي دفع إليها نظام الانقاذ بوعود رفع العقوبات، والغاء الديون، وتحسين علاقات السودان، ماذا جنى السودان منها غير تقسيم البلاد، والنكوص عن كل العهود والمزيد من العقوبات والتركيع، إن السياسة الامبريالية في المنطقة واضحة في أهدافها، وهي تفتيت المنطقة وتقسيمها إلى كانتونات ضعيفة لا تملك مقومات سيادة واستقلال، وترجيح الكفة لصالح الكيان الصهيوني، سياسيا وعسكريا وأمنيا، وهذه استراتيجية قديمة تأخذ في كل مرحلة أبعادا جديدة، ومن لا ينظر بهذا المنظار مصاب بعمى سياسي.
إن شعبنا الذي فجر ثورة ديسمبر السلمية التي ظلت مفخرة إقليمية وعالمية في رحلة نضاله من أجل الحرية والسلام والعدالة، لن يكون متناقضا مع قيمه النضالية إزاء ذات القضايا في حق كافة الشعوب المناضلة من أجلها، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، وحقوقه العادلة التي أيدتها كافة شعوب الأرض والقرارات الدولية.
إن ذات شعب السودان الذي رفض الاستبداد والطغيان باسم الدين، الذي كرست له سلطة الكيزان 30 عاما لن يقبل هذا في حق الشعب الفلسطيني، باسم دولة الكيان العنصرى الديني (الكيزان اليهود).
هنا لابد من الإشارة إلى منطق سقيم ظل يطرحه دعاة التطبيع في سياق تبريرى فطير، وهو أن هناك عدد من الأنظمة العربية طبعت مع الكيان الصهيوني فماذا يضيرنا نحن؟والإجابة بكل بساطة إننا شعب منسجم مع أهدافه، وقيمه الإنسانية والديمقراطية، وغير متناقض معها، ولذلك لا يمكن أن نقر حق لمغتصب، وكيان محتل مزروع لزعزعة الأمن القومي العربي، وأهم من ذلك ماذا قدمت تجارب التطبيع الخجولة والتي تمت من وراء الجماهير على المستوى الشعبي، سوى سفارات وممثليات لا يقوى أفرادها على الظهور الاعلامى، والحركة الطبيعية في مناطق تواجدهم، وكما يقول المثل من جرب المجرب حلت به الندامة.
اما منطق المصالح كأحد مبررات دعاة التطبيع، فإنه لا توجد مصالح متكافئة في ظل علاقات دولية غير متكافئة، ونظام دولي مختل، وغير متوازن فب المصالح والنظرة الإنسانية.. وإذا منطق المصالح وحده هو من يحكم السياسة الدولية فمن يقرر هذه المصالح هل هو البرهان؟ وبذات المنطق لماذا لا نسمح لمن ساندوا النظام البائد وأمدوا في عمره ونصالحهم بدعوى *إن المصالح قد جعلتهم يتخذون هذا الموقف، يالبؤس المنطلق!!*
شعب السودان لن يؤتى من وراء تاريخه، ومواقفه المشرفة من القضية الفلسطينية وكافة قضايا التحرر الإنساني، ولن يسمح للمؤامرات الدولية ومحاورها الإقليمية أن تتحكم في مصيره للنيل منها وتوجيه بوصلة الأحداث لقتل تطلعاته في الحرية والسلام والعدالة، وتحقيق كامل أهداف الانتقال، ووضع البلاد أمام مهمات التحول الديمقراطي، باستكمال المؤسسات وتصفية ركائز دولة التمكين الكيزاني الذي يشكل مفتاح الحلول لمشكلات الواقع بالنظر إلى جذورها.