الإنقاذ في طور ما قبل السقوط

كتب: أ. عبدالله ابوهم العشا

إن خطاب الدكتاتور، رأس الفساد، وسلطة  الإنقاذ، عشبة الجمعة 22 فبراير، يأتي في مرحلة مفصلية من مسيرة الثورة الملتهبة، وفق نضال جماهيري وطدت وجذرت فيه حركة النضال السلمي والديمقراطي فعلها المناهض والقاهر لسلطة الجوع والفقر والنهب بوتاير خلاقة ومتصاعدة تتعاظم فيها روح الإيمان وحتمية النصر، وتتعملق منداحة في كل أرجاء الوطن وربوعه من معسكرات وقري وريف ومدن وعواصم للحواضر.
فالثورة تدخل شهرها الثالث مكللة بالنصر والظفرالمحتوم، حيث أضحى سقوط النظام باين للعيان وما التخبط والصراعات وسطه إلا إشارات للسقوط.
لقد سقط النظام عندما عجزت آلته القمعية في اخماد الثورة، وسقط في سابقة تاريخية وهوى يتعرى اخلاقياً وسلوكياً ويفتقد النخوة والرجولة والشهامة باستهداف الحرائر اعتقالاً تعذيباً وتنكليلاً وقهراً وسجناً بالمئات دون جرم أو محاكمة، وهن ربات البيوت والمهنيات والمناضلات، ولم ولن تفترعزيمتهن ولا وهنت إرادتهن ولا نفد صبرهن على ضيم الجلاد، بل تزلزت الأرض تحت أقدام الطغاة وارتجف النظام وجلاوزته ببسالتهن وصمودهن وقوة إيمانهن وعزيمتهن.
لقد ألجمت سلمية الثورة وجسارة ووعي وصلابة ثوراها واسترخاص الأرواح، مهراً للحرية والكرامة واسكتت رأس النظام لأكثر من شهرين في مخاطبة الشعب إلا عبر منصات الرقص والمنابر المصنوعة
وها هو  بعد شهرين يطل (راس الافعي) عبرالتلفاز بحضور طاقم نظامه الباطش والفاسد وحزبه المقبور معيداً سينايوهات سئم الشعب ومل من تكرارها وحفظها داخلياً واقليمياً حتي باتت طريقاً ملتوياً يسلكه كل الطغاة مدحورين إلى مزبلة التاريخ لا محالة.
إذا كان عيوب الأنظمة الدكتاتورية عدم الاستفادة من تجاربها وهفوات نظيراتها من الدكتاتوريات فإن ذاكرة شعبنا حية وتجاربه مع النظام ماثلة وشاخصة، ولن تنطلي عليه المسرحيات المكررة والممجوجة في التغيير الشكلي لطاقم الحكومات سواء ببزة عسكرية أو جلايية أو سديري، فلقد سئم الشعب التكرار والنفاق وتحصن من تجارب الأنظمة العسكرية التي سبقت الإنقاذ، وواهم نظام التسلط والجبروت بأن يثني  قانون الطوارئ الشعب عن تحرير وطنه، فالقانون ما هو إلا شرعنة لممارسات الأمن وكتائب الظل والانتهاكات الصارخة واللإنسانية واللادينية التي ظل يمارسها ثلاثون عاماً، فليعلم الطغاة أن قانون الطوارئ هو جرتق  الثورات، وأن شرعنة التعدى على حريات الشعب واطلاق يد البطش والتنكيل لم تسعف غيرهم من الدكتاتوريات فالنميري سقط مستظلاً بقانون الطوارئ لمدة عام،
وعلى ذات النهج الانتقائي والاقصائي طرح رأس النظام الحوار، مجدداً، مسرحية الحوار في الوقت الذي يشاهد فيه العالم حوار النظام مع الثوار قتلاً ودهساً بالعربات وهو ذات الحوار الذي تنكب له النظام وسقط في أروقة واضابيرالنظام، حوار الطرشان، الذي يهدف إلى تصليب التمكين وتسكين الشعب باستمالة أصحاب المصالح وأعداء الشعب، وهذا لن يغير في المعادلة التاريخية والجدلية، فعدو الشعب يظل عدوه إن استمالته السلطة أو أجبرته الثورة، ولا رهان إلا على الشعب، وبالشعب فالثورة أصبحت حياة شعب، وأمل جيل، وفعل مقاوم ومصادم، وأن اللحظة التاريخية والمفصلية دنت وسنا الفجر الجديد لاح، وأن الشعب قال كلمته وهو مؤهل ومجرب وقادر على انتزاع حقه في الحياة الحرة الكريمة عنوة واقتداراً تتجسد يومياً، وفي ملاحم النضال والمقاومة السلمية، والأخلاقية بطولة وجسارة أدهشت وأرعبت نظام القهر وعطرت سماء الوطن ودوزنت المعسكرات والمنافي البعيدة والقرى والمدن وعواصم الحضر وهزت قلاع الظلم حرية سلام وعدالة والتورة خيار الشعب، خيار وطني وتاريخي وحضاري يحمل فجراً جديداً ووفاءً للأكرم منا جميعاً.
وإذا كانت الأزمة الاقتصادية هي الأكثر بروزاً وأثراً على الشعب حياتيا فإن خطاب رأس الحية لم يتضمن أي معالجة اقتصادية سوى الوعود التي ظل يطلقها خلال 30 عاماً ومع كل تشكيل وزاري جديد، فالنظام الذي أفقر البلاد ونهب أموال الشعب ليس جديراً بحل الأزمة، لأنه سبب الأزمة، بل جدير بأن يسقط ويحاكم وتُستَرد من عصابته المتسربلة بالدين أموال الشعب التي نهبوها خلال حكمهم البائس.
إن جماهير شعبنا وقد شمرت عن سواعدها وتسلحت بالوعي والإيمان لن ترضى ولن تساوم
في خياراتها النضالية بغير اسقاط النظام وتفكيك دولته العميقة صامولة صامولة وإقامة سلطة البديل الوطني الديمقراطي خيار شعبنا ومحط آماله وتطلعاته.
وستظل وفية ومخلصة للمبادئ والوطن وماضية في ثورتها حتى النصر المبين وكنس الطغاة إلى مزبلة التاريخ.