الأزمة السياسية في تونس: احتمالات مفتوحة على نوافذ متعددة..

الأزمة السياسية في تونس: احتمالات مفتوحة على نوافذ متعددة..

 محمد الأمين أبو زيد

منذ أن افتتحت تونس موجة الربيع العربي المطالبة بالديمقراطية والحريات والقطيعة مع الاستبداد في 2011، ولعقد من الزمان، مرت فيه الثورة التونسية بتحديات عديدة نحو مسيرة الانتقال الديمقراطي، في مواجهة القطيعة مع الماضي السلطوي. انتصرت في بعض التحديات وفشلت في أخرى.

تتمثل خلفيات المشهد السياسي الماثل الآن في فشل منظومة الحكم القائمة على تحالف حركة النهضة ومشاركيها في السلطة، تمثل هذا الفشل في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والصحية، وتفشي الفساد ونهب المال العام، وتطويع التوازن البرلماني بافتراع تشريعات لصالح لوبيات سياسية واجتماعية، قيدت الدولة من ممارسة دورها المنوط بها، وذات اللوبيات ظلت تتلاعب بالسيادة الوطنية التونسية لصالح مراكز إقليمية ودولية.

إزاء هذا الوضع المأزوم انتظمت البلاد حركة جماهيرية شعبية عريضة مطالبة برحيل النخبة الحاكمة التي فشلت في إدارة البلاد، وفاقمت من حجم الاحتقان السياسي.

وبعد أن بلغت الازمة السياسية قمتها، اتخذ الرئيس التونسي قيس بن سعيد في مساء 25 يوليو 2022، قرارات سياسية استثنائية وفقا لنص المادة 80 من الدستور – حسب زعمه- تمثلت في تجميد البرلمان لمدة شهر، وحل حكومة هشام المشيشي، واعفاء الوزراء، وسحب الحصانات من أعضاء البرلمان، ووضع كل السلطات بيده في اتجاه للأمساك بمركز إدارة الأزمة..

أثارت المادة 80 من الدستور التي استندت عليها القرارات جدلا قانونيا كثيفا من خبراء القانون الذين أكدوا على عدم مطابقتها لواقع الحال والظروف السياسية، وإن التفسير فيه تجاوز للصلاحيات الدستورية للرئيس، بل وصف البعض أن الإجراءات سياسية، ولا علاقة لها بالقانون ويجب تقييمها على هذا الأساس.

أدت التطورات السياسية إلى انقسامات سياسية حادة بضوء الموقف منها، ويمكن تحليل مواقف القوى السياسية التونسية إلى ثلاثة اتجاهات:

*الاتجاه الأول ويمثله حزب حركة النهضة الأكثر تمثيلا في البرلمان، وحلفائها من المنظومة الحاكمة، واحزاب قلب تونس – ائتلاف الكرامة – حزب التيار الديمقراطي، الذين اعتبروا القرارات بمثابة انقلاب على الثورة والدستور، ومفارقة لنص المادة 80 من الدستور، التي – بنظرهم – لا تعطي الحق للرئيس فيما اتخذه به من إجراءات.

*الاتجاه الثاني مؤيدا لقرارات رئيس الجمهورية ويعتبرها تندرج ضمن إجراءات تصحيح مسار الثورة الذي ابتعد عن نبض التونسيين، معتبرا أنها أوقفت حالة من العبث والفوضى التي تعيشها البلاد منذ فترة جراء حكومة فشلت في إدارة الدولة، وبرلمان استقل صلاحياته لخدمة مصالح اللوبيات والمقربين من الائتلاف الحاكم، وأنها تمثل انحياز لرغبة الشارع.

أبرز ممثلي هذا الاتجاه حزب حركة الشعب..

* الاتجاه الثالث يعتبر القرارات نتيجة طبيعية لمنظومة سياسية فاشلة عبر الشعب عن رغبته في رحيلها، ولكنه نبه إلى خطورة التوسع والاجتهاد في الإجراءات، وأهمية ضبطها ومراجعتها لخدمة التوافق الوطني، مع تحميل تحالف النهضة مسؤولية الأزمة السياسية والاحتقان الذي قاد للوضع الاستثنائي. فهذا الاتجاه يمثل موقفا متوازنا وعقلانيا مهتما بدراسة جذور الأزمة ومركزا على التوافق الوطني لحلها، أهم القوى التي تقف خلف هذا الاتجاه الكتلة الوطنية – الاتحاد العام التونسي للشغل- حركة البعث – الحزب الاشتراكي التونسي – حزب العمال الشيوعي.

إن الخيط الناظم بين مختلف تباينات الموقف السياسي التونسي، والذي يجعل من إمكانية تجاوز الأزمة أمرا ليس مستحيلا يتمثل في:

-التمسك بالشرعية الانتخابية، واحترام المؤسسات المنتخبة، وعودة الحياة الطبيعية، وعدم إطالة الإجراءات الاستثنائية.

-التأكيد من كل القوى السياسية على مدنية وديمقراطية الدولة، وعدم العودة إلى الوراء.

-تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات، وإنهاء الوضع الشاذ بأعجل ما يمكن.

-عدم قبول تمرير السلطة بالقوة، وخطورة مركزة السلطات.

-الذهاب نحو طاولة حوار وطني شامل، لوضع خارطة طريق مستقبلية.

-إبقاء المؤسسة العسكرية التونسية بعيدة عن التجاذبات والصراع السياسي.

-ضمان احترام الحقوق والحريات العامة.

-الاحتكام لآليات الديمقراطية التشاركية في أي تغيير سياسي.

-رفض اللجوء للعنف من أي طرف، ورفض سياسة التشظي وتصفية الحسابات.

-مراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليته.

-أهمية محاكمة الفساد السياسي والمالى والإداري.

-الحفاظ على سيادة البلاد وعدم تعريضها للتوازن السياسي واللوبيات الخارجية..

إن التحديات التى تواجهها الثورة التونسية بعد عقد من التغيير، هي تحديات الاختيار المدني الديمقراطي، والذي ينتظر أن تخرج منه القوى السياسية التونسية بمشروع سياسي توافقي يبعد ايقونة الربيع العربي، وشعب تونس عن دائرة عدم الاستقرار السياسي، ويرسخ التجربة الديمقراطية على خط شروع جديد سيكون له انعكاساته علي الإقليم، مثلما كانت الثورة التونسية ملهمة لحركات التغيير، ولن تحال إلى فشل إذا ما التقطت القوى الديمقراطية التونسية القفاز، وابعدت تونس عن محاور القرار الإقليمي والدولي الذي يريد أن يصفي ثورة تونس كقنديل إشعاع، ومركز تنوير ديمقراطى، كما قال الدكتور المنصفي المرزوقي الرئيس السابق.