اقتلاع النظام الديكتاتوري مدخل للتغيير الحقيقي

 

هناك محاولات مستميتة من كثيرين لتغبيش الوعي الجماهيري بضرورة اقتلاع هذا النظام وتصفية ركائزه المادية والاجتماعية والقانونية والسياسية، كمدخل وحيد، لا بديل له، لحل الأزمة الوطنية الشاملة، ووضع بلادنا على طريق التطور والنمو وبناء نظام وطني وتقدمي يضمن الحريات ويحقق النمو الاقتصادي ويساوى بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
لعلنا نتفق جميعاً في أن التخلص من هذا النظام أصبح واجباً وطنياً وأخلاقياً لكي تنفتح آفاق التطور أمام الشعب السوداني، غير أن تغيير النظام، بأي وسيلة كانت، ليس هدفاً في حد ذاته، وإنما وسيلة لتغيير جذري، هو الأكثر الحاحاً..
لماذا اقتلاع النظام من جذوره، وما الذي نرجوه ونسعى إليه، لكي يكون هذا الاقتلاع وسيلة لفتح آفاق التطور أمام الشعب السوداني؟
لكي يكون تغيير أو اقتلاع النظام الدكتاتوري وسيلة وليس هدفاً، لابد لنا أن نقر بأن هذا النظام قد أحدث تغييرات كبيرة في بنية المجتمع السوداني من اقتصاد إلى واقع اجتماعي وسياسي وقانوني، ولكي يكون تغييره أو اقتلاعه وسيلة ومفتاحاً لعملية تغيير ثوري حقيقي في بلادنا، فإن الأمر، يقتضي بالضرورة، معالجة الاختلالات والانهيارات الكثيرة التي ترتبت على بقاء هذا النظام لحوالي الثلاثة عقود من عمر شعبنا:
• نحتاج أولاً لتفكيك الدولة العميقة التي بناها النظام خلال هذه العقود الثلاثة بسياسات التمكين في الخدمة المدنية والقوات المسلحة والشرطة والأمن، وذلك بإعادة بناء هذه المؤسسات على أسس المواطنة والكفاءة والمساواة بين المواطنين، الأمر الذى يحتم إعادة النظر في كل التعيينات وعمليات الإحالة للصالح العام التي تمت في هذه العقود الثلاثة، كما يتطلب إعادة النظر في التعديلات التي أدخلها الإسلامويون على القوانين المسيرة لهذه المؤسسات، وكذلك القوانين التي أصدرها النظام للتحكم في هذه المؤسسات لفائدة حزبهم.. والأمر هنا ليس دعوة للثأر وإنما دعوة للعمل وفق القانون ومصلحة البلاد العليا..
• نحتاج أيضاً للنظر في كل السياسات المالية والاقتصادية التي نفذها الإسلامويون بهدف تمكين حزبهم الرأسمالي الطفيلي من السيطرة على الإمكانيات الاقتصادية لبلادنا.. وبدقة وتفصيل أكثر: لابد من التحقيق في سياسات بيع القطاع العام والمشاريع الزراعية الكبرى وبشكل خاص مشروع الجزيرة.. ولابد أيضاً من تحقيق نزيه وشفاف في مداخيل النفط والذهب وغيرها من ثروات البلاد يكشف للناس أوجه التصرف في هذه المداخيل.. وفي الوقت ذاته لابد من التحقيق في القروض الأجنبية التي تسلمها الإسلامويون وأوجه صرفها، وهل بلادنا ملزمة بسداد هذه القروض..
• وينتج عن النقطة السابقة، ضرورة التحقيق الشفاف في مصادر ثروات عشرات المليونيرات من الإسلامويين، وغيرهم، الذين تكاثروا كالأميبيا خلال العقود الثلاثة الماضية.. مثل هذا التحقيق هدفه الأول استرجاع الأموال والثروات التي تم نهبها خلال هذه العقود المظلمة..
• نحتاج أيضاً لإعادة النظر والتحقيق في كل القوانين التي أصدرها النظام سواء في المجال الدستوري المتعلق بالنظام السياسي أو نظام الحكم المحلي، وما ترتب عليها من مظالم أو إيجابيات، وتحديد المسؤولية القانونية عن المظالم التي نتجت عن هذه القوانين..
• لا يمكن أن نخطو خطوة واحدة إلى الأمام بعد اسقاط النظام، دون أن نخضع كل من تلوثت يديه بدماء الأبرياء طوال ثلاثين عاماً من حكم الإسلاميين إلى محاكم عادلة.. هذه المحاكم بطبيعة الحال ذات شقين: الشق السياسي يتعلق بكل من ساهم وشارك في انقلاب 30 يونيو 1989 ضد النظام الدستوري للبلاد، والمتهمون الرئيسيون في هذا هم الإسلامويون بمختلف مللهم، والحكومة الديموقراطية المنتخبة قبيل 30 يونيو 1989.. أما الشق العام فيتناول المذابح والجرائم التي ارتكبت في جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وكل مناطق البلاد: هذه جرائم حق عام لابد من التعامل معها وفق قانون الجنايات وتقديم مرتكبيها للمحاكم وفق ذلك..
• ثم أن هذا النظام قد حاول طوال ثلاثة عقود غسل أدمغة الشعب عن طريق التعليم بمختلف مؤسساته، وعن طريق استغلال العواطف الدينية السامية لمصلحة برنامجه السياسي، الذي يخدم الفئات الرأسمالية الطفيلية، وعليه فلابد لنا من مراجعة علمية موثوقة لدور الدين في حياتنا السياسية وفي نظامنا التعليمي وفي مؤسساتنا الاجتماعية.. لابد من نقاش عميق وشفاف حول المؤسسات والأحزاب التي تستخدم الدين كأيدولوجية وبرنامج سياسى..
هذا قليل من كثير لما ينبغي عمله إذا أردنا أن يكون تغيير أو اقتلاع النظام وسيلة لتغيير حقيقي يضع البلاد على طريق النهوض والتقدم..
فهل يمكن تحقيق ذلك أو جزء صغير منه بالهبوط الناعم؟ هل يمكن لأي اتفاق تساومي مع هذا النظام أن يضعنا على طريق التغيير الثوري لمجريات الأمور في بلادنا؟

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.