أنت لست هبة السماء، ولا هى قميص ألبسك إياه الله، وأعلم أنه ليس في أعناقنا بيعة عن سابق إنتماء لك وصحبة! الأمر لا يعدو (مكرٌ مكرتموه في المدنية) فنمت ليلتك منتشياً في قصرٍ لم تحفظ له هيبة، ونام هو في سجنٍ لم يخرج منه بعبرة ودروس! وها هو الحراك الذى انتظم الشارع السودانى يدخل شهره الرابع والإحتجاجات على ذات الوتيرة، تعلو حيناً وتنخفض في أحايين أخر، وأنت ما زلت سادراً فى غيّك (تمثل فوق شاشات القوادة دور غلاب العباد المنتصر) أين المسير؟ بل الى أين ــ بنا وبالبلاد ــ تنوي أن تسير؟ المتأمل للحال الراهن يجد أن الشارع لا يملك من أسلحة سوى التظاهر والمواكب والوقفات الإحتجاجية، يمارسها تحت أجواء من العنف والقتل والتنكيل، ويعبر عن غضبه وسط ممارسات ليست من تقاليد القوات النظامية أبدا، ً وسلوكيات لم يألفها المجتمع السوداني من قبل! وفي المقابل لن يستجب النظام لصوت الشارع ولو خرجت الملايين، لن يتنحى البشير لو ناصبه الشعب كله العداء، وتظاهر ضده أهل القرى والمنافي والمدن! الامر الآن يختلف تماما عما سبق من ثورات، فالبشير يعيش هاجس (المحكمة الجنائية) وأيادي أتباعه ملوثة بالدماء ملطخة بالفساد المالي والإداري، كما إن الأمر برمته يمثل لشريحة المستفيدين من فشل الدولة مسألة حياة أو موت! ما الذى نراه خلف الأكمة؟ الصورة قاتمة.. البلد على مشارف كارثة حقيقية، النظام يواجه أزمة إقتصادية خانقة ومخيفة، انحصار الدولة في شخص الرئيس (وشرذمة قليلة) أوقف قدرة مؤسسات الدولة بالكلية عن ممارسة دورها في كافة المجالات. لا يوجد في البلد ساسة حكماء أو رجل رشيد، شيوخ الجبهة الاسلامية اختفوا من المشهد السياسي الملتهب، المهدي والميرغني على مقاعد الإحتياط ينتظران الفائز في (المباراه الدامية)، حقاً، فالمحن هي التي تختبر معادن الرجال! ماذا سيحدث؟ وماذا تخبئ الأيام القادمة لهذا البلد الطيب؟ الحكومة تترنح الآن تحت ضربات الضائقة الاقتصادية وسينتهي الحال الى عجز كلي للبنوك في الإيفاء بإلتزاماتها نحو المودعين، وستجد الحكومة نفسها في حالة شلل تام حتى لمقابلة مصروفات رئاسة الدولة، عندها فالصدام قادم لا محالة، وسيكون دامياً ومرعباً بين قوات النظام وأجهزته القمعية، شرارة الصدام ستنطلق من التصرفات الهمجية لأفراد هذه القوات، ومن القهر الذي تفشى، والظلم الذى تمطى والغبن المعبأ لكل هذه السنين الطوال! لا أدرى، ربما ثمة نفساً زكيةً سيدفعها السودان مهراً لغدٍ مشرق.