عالم ما بعد عاصفة خاشقجي




بقلم: عبد الله رزق

تقع السعودية في القلب من ثلاثة عوالم لها تأثيرها و موقعها في الفضاء الدولي: العالم العربي، العالم الإسلامي، العالم النفطي (الأوبيك)، ما يمكن أن يصيب السعودية سيؤثر على تلك العوالم الثلاثة، وبالتالي على العالم الكبير، بقدر مساهمتها في توازن أوضاعه السياسية والأمنية والإقتصادية واستقرار معادلاتها، مثلما ظلت تفعل منذ وقت طويل، منذ بدء الحقبة النفطية.
ليس ثمة ما يستدعي المقاربة بين مقتل جمال خاشقجي، من جهة، وحرب اليمن، من الجهة الأخرى، من حيث تأثير كل منهما في تعبئة الراي العام العالمي وتحريكه. فمقتل خاشقجي ليس معزولاً عما سبقه من أحداث فهو النقطة أو القطرة التي يبدأ منها الفيضان، أو القشة التي تقصم ظهر البعير.
فالحدث الذى اكتسب بعداً عالمياً، جعل الكثير من دول العالم، وفي الغرب لا سيما الولايات المتحدة، تتحسس مصالحها وتسعى بنشاط للإنخراط في مجرى الحدث لمحاولة احتوائه والسيطرة على مساره وتداعياته والتحكم بنتائجه. الغرب الأمريكي، خاصة، الذي تربطه مصالح حيوية واستراتيجية مع المملكة العربية السعودية، كان أحد العوالم التي تلقت صدمة مقتل خاشقجي. فعلى عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب تزايد- فيما يبدو- دور وأهمية المملكة في الإستراتيجية الأمريكية. فقد شهدت العاصمة السعودية الرياض إستضافة أول (قمة اسلامية عربية-أمريكية في التاريخ)، استهدفت– بجانب إعادة تعميد القيادة الإقليمية للمملكة- وضع المنطقة في خارطة جديدة للصراعات والتحالفات، وفق إستراتيجية تستبدل العدو الإسرائيلي الكلاسيكي، بالعدو الإيراني، وإعادة تحشيد القوى فيما أسمى ناتو عربي، وهو إطار سياسي- عسكري يتخطى الصراع العربي- الصهيونـي وانقساماته، لتأهيل القوى والأطراف، للنهوض بمهام أمنية جديدة، في إطار رؤية أمريكية لحروب الإنابة. بينما ينتظر، ضمن الترتيبات، دور للمملكة فعال في صفقة القرن، التي يبشر بها ترامب لتسوية الصراع العربي الفلسطيني- الإسرائيلي، بشكل نهائي. ومنذ حروب أفغانستان والعراق حتى حرب سوريا بدت السعودية عاملًا فاعلاً ونشطاً، في تلك الحروب الأمريكية قبل أن تخوض مباشرة حربها في اليمن، ضمن تحالف عربي بقيادتها، تحالف الحزم الذي ضم السودان، إلى جانب بلدان أخرى.
من شأن التطورات الداخلية والخارجية المحتملة والناتجة من تفاعلات مقتل خاشقجي، التأثير على مركز المملكة وموقعها في التوازن العالمي الإقتصادي السياسي والأمني، بدلالة التأثير على أوضاعها الداخلية.
راهنت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب على القيادة الجديدة للمملكة ممثلة في ولي العهد محمد بن سلمان. ومن ثم كانت صدمة الولايات المتحدة الأولى تتعلق– تحديداً- بخسارة هذا الرهان، وهو ما جعل واشنطن تبذل مجهودات إضافية للسيطرة على مسار التغيرات التي قد تطال القيادة السعودية وتركيبة الحكم، ومآلات الإصلاح الداخلي، بتأثير مقتل خاشقجي.
يسلط مقتل خاشقجي الضوء على الأوضاع الداخلية للمملكة من جهة، وعلى الحماية الأمريكية لها، من الجهة الأخرى، ما يضع الطرفين في موضع بالغ الحرج. فالاصلاحات التي اشتهر بها محمد بن سلمان، وكانت محل إعجاب الغرب الأمريكي وتشجيعه، باعتبارها تنم عن نزوع لليبرالية، لم تتضمن موقفا جديداً من قضية حقوق الانسان.
يمثل مقتل خاشقجي ذروة الضغوط التي تظل تتعرض لها المملكة مؤخراً: ومنها، تلك الناجمة عن العجز عن تحقيق إنتصار عسكري وإعادة الشرعية في اليمن، وما ترتب على ذلك، بالمقابل، من مأساة إنسانية، هي الأسوأ من نوعها خلال قرن، وفق توصيف الأمم المتحدة، والتي تتفاقم بالقصف الجوي لقوات التحالف، وما يحدثه من ضحايا وسط المدنيين، أصبح يشكل بدوره عاملً ضاغطاً ومحركاً للمجتمع الدولي من أجل وقف الحرب، والجنوح للتسوية والحل السياسي، الذي يجعل من الحوثيين وإيران طرفاً فيه. بجانب مأزق الصراع مع قطر، ودخوله في نفق مسدود، فضلا عن الإبتزاز والضغط الأمريكي. فالى جانب مطالب ترامب للمملكة بدفع فاتورة حمايتها وحماية العرش الملكي من (إيران والخطر الإيراني)، إضافة إلى تكلفة وجود القوات الأمريكية فى سوريا، فإن المملكة مطالبة أمريكياً- وفي إطار صراع واشنطن مع إيران- بزيادة امدادات النفط في السوق العالمي وخفض أسعاره، للتعويض عن البترول الإيراني الذي تسعى أمريكا لإخراجه من السوق. لكن المملكة العربية السعودية، لم تجد نفسها في أي وقت من الأوقات فى موقف حرج، وشديد الهشاشة، كالموقف الراهن، المتحور حول مقتل خاشقجي وتداعياته ومآلاته، مقارنة، بأحداث 11 سبتمبر التى غيرت أمريكا والعالم، وأطلقت الحرب العالمية الأمريكية على الإرهاب، وذلك على الرغم من علاقة سعوديين بتفجير مركز التجاره الدولية، وبنشوء طالبان وتنظيم القاعدة. ويميل الكثيرون فى الغرب الأمريكي، بالذات، للربط بين السعودية والإسلام السني والإرهاب. وفى شمال أفريقيا، وفى غربيها، يشير المسؤولون إلى تدفقات المال السعودي وإنتشار بناء المساجد، كما فى النيجر، جنباً إلى جنب مع تفشي التشدد الديني كما يتجلى لدى بوكو حرام وقاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي وأنصار الدين وغيرها.. تشكل الضغوط الأمريكية، متضامنة مع غيرها من الضغوط المتعددة الأطراف، أداة أساسية لإحداث تحولات عميقة فى المملكة، تجسد مجتمعة، وفق تعبير ماركس، القابلة التي تولد مجتمعا قديماً، يتمخض عن مجتمع جديد. مجتمع ما بعد عاصفة خاشقجي . فيما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لأجل تغيير محدود و مسيطر عليه، من ناحية، ومنع الروس وإيران من تحقيق أي مكاسب، من ناحية أخرى. مثل هذا التغيير قد يستهدف تجريد المملكة من ثقلها وقوتها ونفوذها الإقتصادي، كأمر لا غنى عنه لإعادة بناء شرق أوسط جديد، ظل طموحاً أمريكياً ملحاً، فى العقود الأخيرة، تكون إسرائيل القوة الإقليمية الغالبة والمهيمنة فيه، وخصوصا بعد القضاء على قوة العراق وسوريا واشغال مصر بحرب داخلية لا هوادة فيها مع الأخوان المسلمين، وهي البلدان التي ظلت، بجانب السعودية، الأكثر تأثيراً على السياسة في الشرق الأوسط، خلال القرن الماضي.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.