رؤية البعث لقضايا ومهام المرحلة ..وطنيآ وقوميآ وعالميآ

حزب البعث العربي الاشتراكي أمة عربية واحدة
قيادة قطر السودان ذات رسالة خالدة

رؤية البعث لقضايا ومهام المرحلة
وطنياً .. قومياً ..عالمياً
مايو 2004

مقدمة :
لقد قام حزبنا منذ بدايات نشأته بتحليل واقع وإمكانات واتجاهات مختلف التكوينات السياسية والاجتماعية والعسكرية السودانية ، مثلما دأب على ذلك في مختلف منعطفات النضال الوطني والقومي والمراحل التي مرت بها ، منطلقاً من منهجه القومي الثوري المتكامل الأبعاد ، ابتداءً من تحليل مارس 1962م وما تلاه حتى الآن .
فلقد أشارت مجلة الحزب – وعيّ الجماهير – في يناير 1976م إلى أنه ( من الخطأ اعتبار التناقض بين القوى التقليدية وبين قوى اليمين الحديث تناقضاً رئيسياً ، يمكن الاعتماد عليه بمغازلة أحد طرفيه ) معتبرة أن ( مغازلة النظام لن تؤدي إلا إلى إعطائه صك براءة وغفران عما ارتكبه في حق الجماهير ، وتضليل وارباك لنضالها المتصاعد بخطى واسعة وحثيثة . بينما مغازلة القوى التقليدية ، لن تكون إلا استجابة وخدمة مجانية لتكتيكاتها المستهدفة – وما زالت – الاتفاق مع النظام أو إسقاطه لمصلحتها ) .
وخلصت ( وعيّ الجماهير ) إلى أن اليمين بقسميه – القديم والحديث – هو في المحصلة النهائية التناقض الرئيس أمام جماهير شعبنا بنفس مستوى العدو الأساس ، لهذه الجماهير ، الصهيونية العنصرية والإمبريالية العالمية . وجاءت التطورات السياسية اللاحقة مصدقة لما بين يدي ذلك التحليل ، حيث انخرط الأخوان المسلمون ، والصادق المهدي مع نظام نميري ، فيما عرف بالمصالحة الوطنية 77 – 1978م ، بينما رفض حزب البعث العربي الاشتراكي وتصدى بمسئولية لمواجهتها معتبراً إياها محاولة لانقاذ النظام المايوي من السقوط من خلال تجديد دمائه بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية ، ومن أجل قطع الطريق أمام البديل الوطني الديمقراطي المستقل ، ولبلوغ ذلك الهدف لعبت أمريكا وأطراف عربية دوراً كبيراً من خلال ممارسة الضغوط على كل الأطراف ، من أجل الوصول إلى تلك المصالحة التي اجتمعت تحت سقفها قوى التبعية والارتباط بالأجنبي وطريق التطور الرأسمالي ومعاداة التطور الديمقراطي المستقل .
بعيد المصالحة وفي مايو 1978م أصدر حزبنا بياناً بعنوان (نحو مخرج ديمقراطي تقدمي لأزمة التطور الوطني ) أكد فيه (( أن الصراع السياسي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي حقيقة موضوعية ، وله أفقه التاريخي الذي يتجه نحوه .. صراع بين الجماهير الواسعة التي تريد حرية وطنها وتقدمه إنطلاقاً من تطور حركتها المستقلة عن القوى المعادية للثورة الوطنية التقدمية بأفقها القومي الاشتراكي ، وبين فئة اجتماعية محددة تريد احتكار السلطة لمصلحتها الطبقية الضيقة ولمصلحة أسيادها الإمبرياليين ، وهو ما طبع ساحة الصراع السياسي داخل السودان منذ أن نال استقلاله وحتى الآن ، وإن ما يجري هذه الأيام هو جزء هام من هذه العملية رغم محاولات التغبيش والتعتيم التي تصاحبه )) واعتبر ذلك البيان أن التطورات السياسية ستؤدي إلى ( إنشاء تحالف معارض صحيح سيعيد خارطة الصراع السياسي في البلاد إلى صورة الاستقطاب الاستراتيجي بين القوى الرجعية بكافة اطرافها والقوى الوطنية التقدمية ، الأمر الذي يهئ ظرفاً موضوعياً لتنامي وتجذر حركة الصراع السياسي والاجتماعي ، كما يفرض على القوى الوطنية التقدمية أعباء كبيرة باتجاه توفير الشروط اللازمة لاستنهاض الحركة الجماهيرية واندفاعاتها الديمقراطية الثورية ) .
وفي خطوة عملية على ضوء ذلك التقييم ، حدث تحالف هام في مسيرة التطور الوطني ومناهضة الدكتاتورية في يوليو 1979م بين حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة الشريف حسين الهندي .. ذلك التحالف مضافاً له انتفاضة يناير 1982م ، التي انطلقت من إضراب المعلمين وامتدت لفئات أخرى ولعب فيها الحزب دوراً كبيراً قد فتحا الطريق لتكوين جبهة أوسع تمثلت في ( تجمع الشعب السوداني ) والذي ضم إضافة إلى البعث والاتحادي الديمقراطي بقيادة الشريف حسين الهندي ، أنصار الإمام الهادي المهدي وحزب سانو ، وتضامن أبناء غرب السودان وشخصيات وطنية وقومية مستقلة ، حيث خاض تجمع الشعب السوداني نضاله وسط جماهير الشعب حتى تكلل بالظفر في ( انتفاضة مارس / أبريل المجيدة ) .
لقد كانت المحاور الأساسية للصراع السياسي والاجتماعي خلال الديمقراطية الثالثة تتركز بين قوى الانتفاضة وفي قلبها حزب البعث العربي الاشتراكي وبين قوى الردة من بقايا مايو ، صراعاً بين من يريدون ترسيخ الديمقراطية وتطويرها وتوطينها وربطها بالإنجاز لصالح الجماهير الكادحة والرفض الحقيقي للتبعية السياسية والاقتصادية ومعالجة الأزمة الاقتصادية وتوفير شروط التنمية الشاملة والمتوازنة والمستقلة ، وإشاعة الحريات العامة ونبذ العنف في العمل السياسي وتصفية آثار مايو ومرتكزاتها وسياساتها وعقليتها وبقاياها . ومن أجل ترسيخ الوحدة الوطنية والمحافظة على استقلال السودان وسيادته الوطنية وحرمة ترابه ، الحريصون على تضامنه الوثيق مع القوى الحرة في الوطن العربي ومساندته للنضال الأفريقي والحريصين على أن تكون سياسة السودان الخارجية متحررة ومستقلة ومتوازنة .. وبين قوى الردة من بقايا مايو وامتدادتها داخل القوى التقليدية ، لقد كان ذلك الصراع معقداً ومتشابكاً ، أدى تلكؤ الحكومات المنتخبة في تصفية آثار مايو ثم مهادنتها وأخيراً التخلي الكامل عن أهداف الانتفاضة بإشراك بقايا مايو في الحكم ، إلى تحول ميزان القوى لصالح قوى الردة من بقايا مايو ، حينها أعلن حزبنا في مايو 1988 ( أن ما أعلن وما يسعون لإكماله ليس بأي حال من الأحوال وفاقاً وطنياً أو قومياً ، أنه تحالف وائتلاف بين زعامة الجبهة الإسلامية وقيادة حزب الأمة – كعمود فقري – لائتلاف أوسع مع بعض الاتحاديين والساسة الجنوبيين . إنه إلتقاء قوى المصالحة 77 – 1978م مع بعض الاتحاديين والجنوبيين ضد تجمع قوى الشعب السوداني وضد قوى الانتفاضة ، إنه استئناف لما كان يسمى بالجبهة الوطنية ، إنه البديل السلطوي الذي لا تناقض بين برنامجه وبرنامج مايو .. إنه في جانب منه صراع الزعامة على السلطة لا على الأهداف أو المصالح الفئوية أو المنهج في جوهره ) .
لقد أدت سياسة نظام الجبهة خلال أكثر من عقد من الزمان ، القائمة على التفرقة الدينية والسياسية والقبلية والإقليمية ، إلى أن تصبح قضية إعادة بناء الوحدة الوطنية في صدارة الاهتمامات الوطنية ، وأصبحت قضية الوحدة بجانب الديمقراطية مسألة مفتاحية لبقية قضايا البلاد ومشكلاتها الكبرى ، فالمنهج الطائفي واللا ديمقراطي للسلطة الحاكمة ، أفرز العديد من الصراعات ذات الصبغة القبلية والاجتماعية والثقافية ، والتي أصبحت تشكل مهدداً جديداً لوحدة البلاد ، ولم تعد مشكلة الجنوب التي تم تدويلها تحت مظلة النهج المذكور ، وتحولت إلى ثغرة تنفذ منها التأثيرات الأجنبية والدولية ، هي بؤرة الخطر الوحيد – في الصراع أو اتفاق الصفقات – وإنما هناك مشكلة غرب السودان ، وما ينطوي عليه شرقه من توترات مماثلة ، تتضافر المطالب الإقليمية والجهوية المشروعة ، التي تنطلق من المناطق الأكثر تخلفاً مع الحركة المطلبية للنقابات والقوى الحديثة في المدن والمناطق الحضرية في الكشف عن الأزمة العامة بالبلاد بحيث أن الحديث العاطفي عن الوفاق والسلام والذي يقتصر على التصالح بين الزعامات السياسية في الحكم والمعارضة ، يعجز عن ملامسة جذر المشكلات ومعالجتها . بهذا المستوى ، فإن المصالحة أو الوفاق لا تعني أكثر من إضافة قوى جديدة للنظام القائم ، وتوسيع قاعدته ، بما يسمح بإطالة عمره ، دون أن يؤدي ذلك إلى معالجة قضايا البلاد الذي يمثل النظام نفسه ، مصدراً لها ، وعقبة أمام حلها وتسويتها .
ما يجري على الصعيد الوطني يتم في ظروف تشهد فيها ساحة الوطن العربي تصعيد الهجمة الإمبريالية الصهيونية التي قادت إلى إحتلال العراق مما أدى إلى اشتداد وطأة العدوان الصهيوني على فلسطين ومقاومته الباسلة في ظل خضوع كامل وذليل من قبل النظام العربي الرسمي والعديد من القوى السياسية التي تعمل على تسويق نفسها للإمبريالية الصهيونية وتتصاعد الهجمة الإمبريالية والصهيونية . تحت عنوان الشرق الأوسط الكبير لفرض سياسة الهيمنة الإمبريالية الصهيونية في الوطن العربي وطمس الهوية القومية لشعبنا . ولقد سبق لحزبنا أن أشر التدخل الأجنبي لبلادنا تحت مختلف السيناريوهات منذ العام 1993م باعتباره أخطر احتمالات التغيير ، كما أشر على احتمال مصالحة الزعامات التقليدية للنظام الراهن كبديل زائف .
إن تطور الأحداث منذ عام 1998م سارع خطاه بدمج الاحتمالين المشار إليها وتناغمهما بما يهدد الاستقلال والوحدة والسيادة الوطنية ويفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لأبناء شعبنا الأمر الذي سيجعل من قضية المحافظة على الاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية واستعادة الديمقراطية والاصلاح الاقتصادي والاجتماعي ومناهضة المخطط الإمبريالي الصهيوني وإملاءاته أبرز محاور الصراع السياسي والاجتماعي الذي يسم مرحلة النضال الوطني الراهنة .
يتزايد يوما بعد يوم حجم الحملة التي تستهدف القومية العربية والاسلام معا باعتبارهما إطارين للتوحيد والتواصل الحضاري فى منطقة تمتلك حيوية استراتيجية ، فائقة الأهمية بالنسبة الي القوى الطامحة إلى الهيمنة على مقدرات العالم اليوم .
ومن الرائج القول أن الآمة العربية وبلدان العالم الثالث ، قد خسرتا في مرحلتهما الراهنة قوه كونية استراتيجية موازنة لقوة المعسكر العدواني بانهيار الاتحاد السوفياتى . مما احدث اختلالاً فى موازنة القوي وأدى إلى تفرد أمريكا ، مؤقتاُ بالسيطرة والهيمنة على العالم , بيد أن هذا التطور لم يكن مفاجئاً تماماً لحزب البعث العربي الاشتراكي . إذ كان احتمالاً على الأقل منذ عام 1957. كما اشار القائد المؤسس حينذاك ( أن حركة البعث ترى انه ليس من مصلحة الأمة العربية ، فى المرحلة الحاضرة من التاريخ أن ينهار أي من المعسكرين ، الرأسمالي أو الاشتراكي ). لان انهيار المعسكر الاشتراكي معناه ظفر المعسكر الراسمالى الاستعماري ، وزيادة سطوته الاستغلالية على مواردنا وثرواتنا ، بالمقابل اكتساح الفكرة الشيوعية للعالم بما تتضمنه من إنكار للقومية والحرية . ومنذ عام 1970، تمكن القائد المؤسس من التنبؤ بانهيار الشيوعية عندما قال ( فى الوقت الذى تتزعزع فية الأسس الفكرية التقليدية للشيوعية بشكل ينذر بأن الشيء الذى سمى شيوعية منذ نصف قرن يصبح بعد 20أو 30 سنة شيئامن التاريخ).
وبانفراد الإمبريالية الأمريكية بالقطبية الأحادية ، منذ أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات ، وبالتحالف الإستراتيجي مع الصهيونية العنصرية ، فان أهم ثقل مخططاتها لإخضاع العالم وتحقيق هيمنتها المطلقة ، قد وقع على عاتق امتنا فى ابرز إشراقات مشروعها النهضوى الرسالى، و الذى يندرج فيه مخطط العدوان على العراق ، قاعدة النهوض القومى ، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية ، وتعميق التمزق فى أوضاع الأمة العربية باشاعه النعرات العنصرية , العرقية والطائفية والقبلية وتغذية الصراعات المسلحة والحروب الأهلية . فقد أستهدف العدوان الثلاثينى على العراق ، تحطيم قدرات العراق الاقتصادية والعسكرية وتفتيت وحدته الوطنية وضرب تطوره العلمي والتقني وإجهاض انتصار القادسية وضمان تفوق الكيان الصهيوني على الأمة العربية فى جميع المجالات ، واحكام السيطرة الأمريكية على منابع النفط فى الجزيرة والخليج العربي ، ومصادر الثروة الأخرى فى المنطقة . وبما يمكن الولايات المتحدة من الخروج من أزمتها الاقتصادية ومواجهة المنافسة الاقتصادية الرأسمالية الأوربية واليابانية . ولذلك فان العدوان الثلاثيني لم يكن يستهدف العراق وحده ، بل الأمة العربية والإسلامية وبلدان العالم الثالث وحقها فى الاستقلال والنهوض والتقدم . مما يعنى أن قدر المواجهة بين تجربة البعث فى العراق وبين أعداء نهضة الأمة ، قد اصبح سياقا ً موضوعياً يفرض نفسه على مسيرة الأحداث . كما أشار لذلك ، حزبنا ، حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1992 ، والذي أكد آنذاك أنه إلى جانب العوامل التاريخية والجغرافية والعامل الاقتصادي البارز الدلالة فى أم المعارك ، كان ثمة عامل فكرى وعقائدي قد ميز هذه المنازلة التاريخية بصفاتها . وقد لعب هذا العامل الفكري والعقائدي دورا ً تضليلياً من طرف الأعداء ، ودورا تصحيحيا كاشفا ً للزيف والمغالطة من الطرف العربي الذى واجه بسلاح العروبة والإسلام عملية التستر بالإسلام للعدوان على نهضة العرب ، من خلال العراق . كما انه بسلاح شرعية ( وحدة المقاييس الدولية ) واجه الازدواجية الممالئه للصهيونية وعملية التزييف الكاملة للشرعية الدولية التى مارست فيها الولايات المتحدة الأمريكية نفس الدور الذى لعبته الإمبراطوريتان الاستعماريتان البريطانية والفرنسية تجاه ( عصبة الأمم ) ، التى لم يسبق للعرب أن نالوا منها بأفضل مما نالوا من الأمم المتحدة . وبهذا المعنى سوف تبقى المنازلة تاريخية : طالما أن كل ما يمس المصالح والاهتمامات الكبرى للغرب فى المنطقة العربية وفى مقدمتها النفط والكيان الصهيوني والموقع الإستراتيجي للمنطقة العربية . من شأنها أن تجدد فعل العقد التاريخية فى السياسة الغربية بحيث تتأكد حتمية العدوان . مما يجعل العرب امام خيارين ، أما النهضة أو الانحطاط واما التحرر أو الاستسلام ، وان يكونوا عربا يدافعون عن حقهم فى الحياة والديمقراطية ، والاشتراكية والنهضة الشاملة ، والذي يتكافأ مع حاجات الأمة العربية وتحدياتها الراهنة ، تتداخل فيه متطلبات النضال الوطني والقومي ، فى كل خطوة تخطوها حركة التحرر القومى العربية ، حيث تطرح قضية الوحدة العربية إلى جانب قضية الديمقراطية والحريات العامة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستقلة لذلك لابد أن تتحمل كافة القوى الوطنية والقومية مسئوليتها فى التصدي للمخطط الإمبريالي الصهيوني ، وفى دفع الحكومات العربية إلى الالتزام بواجباتها ومستلزمات التضامن العربي الحقيقي والفعال والدفاع عن قضايا الأمن العربي والمصالح الوطنية والقومية العليا .
المقاومة التعبير الحقيقي عن إرادة الأمة
أن النكسات التى حدثت بانهيار دولة الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961 ، وسقوط حكم البعث فى العراق عام 63وهزيمة يونيو 67، وان كانت أصابت البعث فقد أصابت الأمة العربية فى الصميم .فقد كان البعث منذ تأسيسه عام 1947 ، ،مؤشراً لحالة الصعود والتداعى فى الأمة . ومن هنا كانت ثورة 17-30 يوليو 1968فى العراق رداً على تلك الهزائم والنكسات وإعلاء لرايات القومية العربية والحرية والاشتراكية وتحرير فلسطين وبفضل إنجازات ثورة 17-30 يوليو فى العراق ، على كافة الأصعدة الوطنية والقومية والدولية استأنفت الأمة العربية حقبة جديدة فى النضال والتقدم ، مدعومة بمكتسبات تحرير الثروة النفطية والتنمية المستقلة والتقدم العلمي والتكنولجى ومنهج الوحدة الوطنية وتحرير فلسطين ، حيث وضع العراق امتنا فى سوح معركة مقاومة الهيمنة الإمبريالية والأمريكية والصهيونية والانجلوساكسونية ، على الوطن العربي ، والعالم الثالث . وفى الإطار الدولي .
لقد تعزز النضال القومى بجهاد البعث فى مقاومة كامب ديفيد وفى التصدي للأطماع الفارسية فى الخليج العربى ، وفى دعم الانتفاضة الفلسطينية وفى حماية الوحدة الوطنية والهوية القومية العربية في السودان واليمن ولبنان وغيرها من أقطار الوطن العربي . إن هذا المنهج هو الذى جعل البعث والعراق مستهدفين من أعداء الأمة بحلقات من التآمر والمخططات التي جعلت ذروتها فى غزو العراق واحتلاله من لدن أمريكا وبريطانيا والحركة الصهيونية دون غطاء من شرعية دولية ، وبمسوغات زائفة ، وفى ظل تواطؤ دولي وعربي رسمي ، وانتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية .
وفى ظل هذا الواقع يكتب البعث والعراق تاريخ ميلاد جديد يعبر عن حقائق المشروع القومي عبر المقاومة وحرب التحرير . ويقدم المثال ألحي لمواجهة مخططات الهيمنة الإمبريالية الأمريكية التي تقدم نفسها فى المنطقة العربية تحت شتى المسميات : الشرق الأوسط الكبير دمقرطة المنطقة العربية، والإصلاح السياسي والتعليمي ، مكافحة الإرهاب الدولي ، خارطة الطريق ، القضاء على أسلحة الدمار الشامل .. الخ. فإرادة الأمة ، لا تتحقق بالاستسلام الوقائي او اى مسميات انهزامية أخري أمام انكشاف التهديدات الإمبريالية الصهيونية ، لبلدان عربية أخري , بعد احتلال العراق مثل سوريا وليبيا والسودان .. الخ, وانما تتحقق إرادة الأمة بمغالبة الموجة الاستعمارية الأمريكية والتصدى لها بكافة الوسائل المشروعة المتاحة . ويقدم العراق مرة أخرى ، رده الحاسم على حالة الانهزام المتفشية فى الساحات العربية من خلال مقاومته للاحتلال وإصراره علي انتزاع النصر من جديد حيث يعبر الشعب فى العراق عن ارتباطه بحزب البعث وجسارته ومبدئية قيادته التاريخية بمختلف الصيغ وفى مختلف المناسبات ، بالتظاهرات والعمليات الفدائية والمقاومة الجسورة فى كل أنحاء العراق.وإذا كان المخطط الإمبريالي الأمريكي ، قد اتضحت أبعاده ، بعد غزو العراق واحتلاله ، وما ترتب على ذلك من أثار مباشرة فى مقدمتها : تكشف استسلام ليبيا الكامل واشتداد حرب الاباده على الفلسطينيين فى الأراضي المحتله، وتزايد الضغوط على سوريا ، باعتباره مخطط يستهدف الأمة العربية كلها ، ويتخذ مختلف الوسائل والأساليب للوصول لغاياته. فان الحرب الأمريكية على أفغانستان ، الذي تولت تنفيذه إدارة بوش ، قد وضعت السودان بشكل مباشر أمام التحدى . بحيث يجد النظام نفسه فى نفس موقف القيادة الليبية بعد غزو العراق واحتلال العراق ، والذي ظلت الولايات المتحدة تسعى لترويجه فى الأوساط العربية كنموذج للاستجابة المثالية للضغوط والتهديدات الأمريكية . وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت باعتداء مسلح على مصنع الشفاء فى عام 1998فى إطار ضربة مزدوجه استهدفت السودان وأفغانستان معاً فى رسالة لم يخف مضمونها على النظام فى السودان . وبينما اختار العراق ، طريق التصدي للعدوان ومقاومة الغزو والاحتلال ، فان النظام فى السودان ، وانسياقاً مع النهج السائد عربياً على المستوى الرسمي ، قد اختار طريق الانحناء إمام ألا رادة الأمريكية والاستسلام لمشيئتها . وقد بدأ أولى خطواته فى هذا الاتجاه بقبول الرعاية الأمريكية المفروضة على عملية السلام ، بدء من قبول مهمة دانفورث ومارافقها من املاءات وفروض تحت الضغوط والتهديد ، لاسيما بمثال حرب أفغانستان . وانتهاء بالتعاون غير المحدود، مع الولايات المتحدة ، فيما نسمية بالحرب ضد الإرهاب العالمي . والتي تضع نظام الجبهة الإسلامية فى مواجهة حلفائه من الإسلاميين ، وفى تعارض تام مع كل الشعارات التي ظل يطرحها منذ 30يونيو عام 1989م .
وفى نطاق مشروع السلام الأمريكي ، عنوان الهيمنة القادمة على السودان ، تتعرض وحدة البلاد لخطر التفتيت ، ليس ذلك نتيجة انفصال الجنوب الذى تقود إليه مفاوضات نيفاشا وحسب ، وإنما نتيجة الاستثارة المتزايدة للنزاعات العرقية والدينية ، فى بقية أرجاء القطر ، كما هو الحال ألان ، فى العراق المحتل . مما يجعل من قضية الوحدة الوطنية وسيادة البلاد وسلامة استقلالها الوطني ، تتصدر اجندة النضال الوطني فى المرحلة الحالية .
فشل المشروع السياسي للتجمع المعارض والنظام
بالاتفاقيات الثلاث التي وقعها النظام مع كل من الحركة الشعبية فى مشاكوس والتجمع الوطني بزعامة الميرغني فى جدة فى ديسمبر 2003م ، ومن قبل حزب الأمة فى جيبوتي فى يونيو 1999 ، فان معالم مصالحه مع القوى الرئيسية فى تحالف المعارضة قد اكتملت . واكتمل معها بالتالي فشل المشروع السياسي لتلك المعارضة , والناتج عن عجزها فى تحمل مسئولية الشعارات التي طرحتها . وقد اتخذت المعارضة التجميعية سبلاً معقدة لمداراة عجزها ، بدء من نقل مركز عمل المعارضة للخارج ، والتحالف مع الحركة الشعبية عام 1990وتبنى أطروحاتها السياسة والفكرية فى مؤتمر القضايا المصيرية فى اسمرا عام 1995. وقد شهدت الفترة نفسها تخلى الحركة عن أطروحاتها اليسارية والاشتراكية عقب انهيار الكتلة السوفيتيه ، وتوجهها للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وبالتالي التصدي لمهمة قيادة التجمع التي آلت أليها ، من مواقع اليمين والتبعية . جملة التراجعات من هنا ومن هناك ، هي التي أسهمت مجتمعة فى دفع خطى تحالف المعارضة بعد اكثر من عشر سنوات من المناورات ، إلى التخلي عن كامل البرنامج الوطني الديمقراطي ، والتصالح مع النظام باسم السلام والمشاركة فى تنفيذ اتفاقاته من موقع السلطة ، بعد أن تم تهميشها ومن ثم تجاوزها فى المفاوضات وما تمخض عنها وذلك عبر الصيغة الثنائية للتفاوض وصفقته السياسية ، وعبر تنصل حليفها الذى استقوت به من الالتزامات المتفق عليها داخل التجمع . هذا التطور الذى يرهص بنهاية صيغة التحالف التي جمعت تلك المعارضة ، وبكل ما ارتبط بها من تكتيكات، أدت – فيما أدت أليه – ألي إشاعة أجواء الترقب والانتظار لحلول تتنزل مما وراء الحدود ، ودون مشاركة فعلية للجماهير ، يؤكد فى جانب آخر ، أن تمسك التجمع بالحل السياسي والتفاوض ، والمفتقر لآليات تحقيقه ، كان غطاؤه الأخير للاستمرار فى تقديم التنازلات الإستراتيجية التي ظلت تسم تطوره . ولايعنى تأكل خياراته وسقوط شعاراته , بالضرورة سقوط الأهداف الوطنية والديمقراطية التي كانت مبررأً لقيامة وتبلور ميثاقه فى أكتوبر 1989م.
ولم تخل مسيرة النظام منذ العام 1990 من تعقيدات ، على طريق وصوله للتوافق والوئام مع تجمع المعارضة وما ارتبط بذلك من تنازلات أملتها ألا خفاقات والانتكاسات المتوالية لسياساته .
يعتبر العام 1997 عاماً حاسماً فى مسيرة نظام الإنقاذ والحد الفاصل بين مرحلة شهدت تماسك النظام ووحدة جبهته ، ومرحلة تالية اتسمت بالصراع والتمزق . ففي هذه الفترة التي شهدت اندحار الخيار العسكري للنظام من جهة واتساع نطاق التمرد وامتداده إلى شرق السودان ، برز إلى السطح شعار الوفاق مع مجموعة الهندي ، وعاد النظام للقبول بحق الجنوب فى تقرير مصيره ، تحت مظلة اتفاقية الخرطوم – فشودة للسلام التي وقعها مع الفصائل الجنوبية المتحالفة معه ، مما مهد له السبيل للعودة لمفاوضات الإيقاد مجدداً .وقد دفعت الضغوط الدولية ، وتصاعدها بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسنى مبارك فى العاصمة الأثيوبية ، أديس أبابا ، ألي دفع النظام نحو المزيد من التنازلات ، والى التوجه نحو البحث عن بدائل لسياسة المواجهة مع الداخل والخارج التي ظل يعتمدها منذ استيلائه على السلطة عام 1989. وقد تمثلت تلك البدائل على نحو عام فى شعارات السلام من الداخل والوفاق مع الخارج. غير أن مضامين تلك الشعارات لم تكن محل اتفاق داخل النظام . مما أدي لبروز تكتلات وتيارات ، أبرزها ما عرف بمجموعة مذكرة العشرة ، والتي عبرت فى حينها عن نضج الصراع داخل النظام ،ليس حول التوجهات التي يتعين عليه تبنيها للتوافق مع متطلبات قوى الضغط الدولي ، وحسب ، وانما حول المجموعات المؤهلة لقيادة السلطة .
فبعد تصفية مجلس قيادة الانقلاب ، واقرار دستور 1989 ،برز الصراع سافراً بين الدكتور الترابي ، مهندس الانقلاب من جهة والفريق البشير رئيس النظام ونائبه الأول من الجهة الأخرى . وهو الصراع الذي دفعت به الي السطح مذكرة العشرة فى ديسمبر 1998م ، ووجد تعبيره فى المؤتمر الأول للحزب الحاكم ، وانتهى بإعلان حالة الطوارئ فى نهاية عام 1999م وحل المجلس الوطني الذى يتزعمه الترابي بقرارات ديسمبر 1999 م ومن ثم انقسام الحزب الحاكم إلى قسمين : وطني حاكم وشعبي معارض .
فى إطار الصراع بين طرفي النظام ، والذي تم التواضع علية باسم صراع القصر والمنشية ، تم لقاء جنيف بين الصادق المهدي والترابى ، الذى لم يزل حتى ذلك الحين رئيساً للمجلس الوطني .وإن كان اللقاء ، الذى لم يسفر عن أي نتائج ملموسة ، على صعيد ما عرف بتوجه الوفاق الذى تبلور فى أوساط السلطة الحاكمة في ذلك الحين ، ولم يتعد حدود المناورة بين طرفي الصراع فى السلطة ، للاستقواء بهذا الطرف أو ذاك من أطراف المعارضة ، فان لقاء جنيف كان له آثره الملموس على تصدع جبهة المعارضة . حيث أدى إلى انفجار صراع علني بين حزب الأمة من جهة وبقية إطراف التجمع من جهة أخري.
ومن ناحية ثانية ، وفي اطار صراع القصر والمنشية ، عمد الجناح الأخر في السلطة لكسب نتائج لقاء جنيف ، باستمالة الصادق وحزبه عبر اتفاق نداء الوطن في يونيو 1999م ، الذي تم توقيعه بين النظام وحزب الامة في جبوتي ، تمهيدا لإخراج حزب الامة نهائيا من التجمع الوطني .
سنة خروج حزب الامة تمثل هي الاخري معلما مهما علي طريق اضمحلال التجمع المعارض . ففي هذا العام 2000م ، عقد التجمع مؤتمرا في مصوع بارتريا في ديسمبر 2000م ، ليتبني استراتجية ما عرف بالحل السياسي الشامل ، بديلا لاستراتيجية الكفاح المسلح والانتفاضة المحمية التي تم اقرارها في مؤتمر اسمرا عام 1995م ولم يكن هذا التراجع الجديد في مسيرة التجمع ، معزولا عن القصور الذاتي الملازم لعمله ونشاطه وعن الظروف الموضوعية التي رهن نفسه لها منذ ان نقل مركز نشاطه للخارج ومنذ العام 1995م رصد حزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي في بيانه المعنون ( البعث والمخرج من الازمة الوطنية الشاملة ) توجه الأطراف النافذة في معارضة الخارج نحو التصالح مع النظام من جهة ونحو التورط والانزلاق فيما اسماه البيان (الرمال المتحركة للسياسة الدولية ) لقد كان خروج حزب الامة من التجمع ، بالكيفية التي تم بها اعلانا جهيرا بعمق ازمة التجمع وتضعضعه ، وارهاصا بالبداية الفعلية لتفككه العضوي قبل ان يتمكن من اقتلاع النظام او تفكيكه، مثلما كان مؤشرا لعمق اختراق اطروحات النظام حول الوفاق والمصالحة لكيانه فضلا عن القواسم المشتركة السياسية والايدلوجية والاجتماعية …الخ التي اشرها بيان أغسطس 1995م كأرضية للمصالحة المحتملة بين النظام والقوي التقليدية تحديدا . اما بالنسبة لحزب الأمة فقد كان الخروج من التجمع تعبيراً عن إن التجمع لم يعد الإطار المناسب لتحقيق الطموحات الذاتية لزعامة الحزب .
ومع انهيار نظام منقستو فقدت الحركة الشعبية ( القوة الرئيسية في التجمع المعارض ) اهم معاقلها فيما ادت تطورات الأحداث الي تخلي الاطراف الداعمة للتجمع عن إستراتيجية اسقاط النظام وتبني الاتجاه الداعي لتشجيع التحاور والتصالح مع النظام الذي ابدي تجاوبا ملحوظا مع ضغوط تلك الاطراف وهو ما مهد منذ العام 1998م واقرار الدستور كواحد من الاشتراطات الدولية في اتجاه تحسين اوضاع حقوق الانسان في البلاد ، الي ظهور مناخ موات للمبادرات السلمية الهادفة الي ايجاد تسوية سياسية للصراع في السودان وتعتبر المبادرة المصرية الليبية ابرز تلك المبادرات التي حاولت ملء الفراغ الناشيء عن تعثر مبادرة الايقاد وجمودها ومثلما أشرت طبيعة التحول في المناخ السياسي المحيط بالتجمع المعارض بالخارج وساهمت في تشكيل استجابته وفعاليتة ونشاطه تحت مظلة تلك المبادرات الخارجية فقد عبرت عن وصول مسيرة الكفاح المسلح والنشاط المعارض الخارجي في عمومه الي طريق مسدود وهذا ما جسدته مقررات مؤتمر مصوع في ديسمبر 2000م
ان التحول في المناخ الدولي والاقليمي والذي انعكس بدوره علي اوضاع المعارضة الخارجية والناتج من استجابة النظام لضغوط القوي الاقليمية والدولية لم يكن له تأثير جوهري علي خيارات النظام الأساسية خاصة فيما يتعلق بالموقف من الحريات الديمقراطية والتعددية السياسية الحل السلمي للحرب الأهلية في الجنوب والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ….الخ .
وبالرغم من المبادرات المتصلة للحركة الجماهيرية في الداخل ومراكزها النشطة في أوساط الطلاب ونقابات العاملين في السنوات 95/96/1997م الا انها ظلت رهينة الانتظار لما يجري فيما وراء الحدود . وافتقرت بشكل واضح للقيادة وللرؤية السياسية الواضحة وسط ضباب المناورات ومع ذلك شكل التحرك الشعبي في ديسمبر 2000م علامة مهمة وفارقة في مجري التطور السياسي في البلاد لا في عنفوان تعبيره واتساع نطاقه وتنوع اطرافه واساليبه النضالية (التظاهر ، الاضراب ، الاعتصام، …) فحسب وانما في توقيته ايضا. اذ انطلق التحرك العفوي ذو الطابع الاحتجاجي والمطلبي بعد اربعة اشهر مما عرف بالمفاصلة بين جناحي الحزب الحاكم المتصارعين علي السلطة وانتهاء مرحلة الازدواجية والتي دشنها رئيس النظام باطلاق المزيد من الوعود والشعارات حول السلام والوفاق وتحسين الأوضاع المعيشية مثلما جاء توقيته بعد وقت وجيز علي انقضاء مؤتمر مصوع الذي تبني خلاله التجمع خيار المصالحة مع النظام وجاء التحرك شاملا ومن حيث لم تحتسب قوي مؤتمر مصوع من الفاشر الي بورتسودان ومن نيالا الي مدني ومن الابيض الي الخرطوم .
ومثلما كانت اانتفاضة الطلبة في يونيو 1995م، التى اعقبت انفضاض مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية، وانتفاضة يونيو1996م، فقد كانت انتفاضة ديسمبر 2000م رد فعل شعبى طبيعي علي الأزمة المزدوجة للنظام والتجمع معا وتاكيدا ملموسا من الجماهير بانها لايمكن ان تظل مغيبة علي الدوام. وان الانتفاضة التي استقرت في وعيها ووجدانها، باعتبارها خيارها الوحيد،تطلقها معاناتها وتتشكل من مبادراتها. وقد مثل التحرك الشعبي في ديسمبر 2000م حالة افتراق بائنة بين نهج الجماهير وخيارها واستعدادها من جهة وبين نهج واساليب وخيارات المعارضة التقليدية من الجهة الاخري. وقد كان لتوازن القوي بين الطرفين، النظام وتجمع المعارضة، والذين انهكهما طول الصراع، اثره في الجمود الذي اعتري الوضع السياسي طوال تلك الفترة، واثر بالتالي في قدرتهما علي الوصول الي المصالحة والوفاق بالرغم من قناعة الطرفين . وهو ما ابقي الباب مفتوحا امام شتي التدخلات الخارجية باسم المبادرات والمساعي الحميدة وراب الصدع …الخ
نظام الجبهة الاسلامية من العداء الظاهرى لامريكا الي موالاتها
وضعت احداث 11 سبتمبر 2001م وتداعياتها، النظام امام خيارين لا ثالث لهما اما مواجهة الهجمه الامبريالية الامريكية واما الاستسلام. ويبدو ان النظام قد اختار منذ العدوان الامريكي الذي استهدف مصنع الشفاء في بحري عام 1998م ما سيعرف لاحقا باسم الاستسلام الوقائي وقد اتخذت الاستجابة طابعا رمزيا بقبول مهمة المبعوث الرئاسي الأمريكي جون دانفورث، بعد طول تمنع وتردد وقد تبع ذلك القبول بما عرف باملاءات دانفورث التي فتحت الطريق الي ابرام اتفاق سويسرا حول جبال النوبة من ناحية والي تجديد التفاوض مع الحركة الشعبية تحت مظلة الايقاد وبرعاية امريكية للمفاوضات.
وتشكل هذه المرحله تحولا حاسما في تطور النظام الذي بدا كما هو معلن في سياسته وشعاراته واناشيده مناوئا لامريكا باعتباره جزء مما عرف بتيار الصحوة الإسلامية المتاثرة بالخمينيه الايرانيه لينتهي متعاونا مع امريكا في حربها الدولية علي ما تسميه بالارهاب، والذي يشمل الفصائل والانظمة الإسلامية ابتداء بما في ذلك نظام الجبهة الاسلامية نفسه.
ولايبدو ان هذا التحول من خانة العداء لامريكا الى خانة نسف الأسس التي يقوم عليها النظام نفسه، الايدلوجية والاجتماعية والسياسية، مفاجئا او طارئا علي تكوين النظام. فالحركة الإسلامية في عمومها ظلت رديفا للقوي الامبريالية العالمية طوال سنوات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي . وساهم الغزو السوفياتي لافغانستان في تعزيز التلاحم العضوي بينهما، والذي أنتج ما عرف بظاهرة الجهاد الأفغاني بتزاوج رأس المال الخليجي، والتسليح والتدريب الامريكي. و قد تحولت ظاهرة الجهاد الأفغاني بعد خروج الاتحاد السوفيتى، الي ما عرف في الادبيات الامريكية بالارهاب العالمي .
واثر التدخل العسكري الامريكي في أفغانستان والقضاء علي نظام طالبان، اختار نظام الجبهة الاسلامية في السودان سلوك طريق الخضوع لإملاءات الولايات المتحدة الامريكية فيما يسمي بالحرب علي الارهاب، تعبيرا عن تخليه عن برنامجه الاسلاموي وما يفرضه عليه من التزامات، والقبول باستئناف التفاوض برعاية امريكا للوصول الي اتفاق عاجل مع الحركة الشعبية كشرطين لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، وتطبيع علاقات امريكا الرسمية مع السودان. وكانت مذكرة العشرة ديسمبر 1998م مناسبة للكشف عن وجود تيار متأمرك داخل النظام. حيث جري تبادل الاتهام بين اطراف صراع القصر والمنشية بموالاة اهل المذكرة للولايات المتحدة الامريكية . ولقد ورد الحديث عن اولاد امريكا واولاد وواشنطن لأول مرة علنا في اعقاب حركة 28/رمضان المجيدة والي هذا الثقل الامريكي داخل النظام المسنود بكوادر تلقت تدريبا ودراسة في امريكا، وبلدان الغرب الاخري، بعضها يحمل جنسيات تلك البلدان، مثل امريكا وكندا وبريطانيا الي جانب الظروف الموضوعيه والذاتية الاخري، يمكن تفسير تلك النقلة المعاكسه في اتجاهات النظام وسياساته.
غير ان الاختراق الامريكي للساحة السودانية لم يقتصر علي النظام. فالمعارضة الخارجية ممثلة في التجمع وعلي راسه الحركة الشعبية ظلت تعتمد كليا، علي الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه الولايات المتحدة، الي جانب دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والكويت. وفي مقابل الضعف الذاتي، الذي وسم قدرات قوي المعارضة الخارجية اضافة الي افتقار نشاطها للعمق الشعبي والجماهيري في الداخل، فقد راهنت كليا علي دور الضغوط الخارجية، بالذات لدول الجوار، التي تتسم علاقاتها مع نظام الجبهة بالتازم، وعلي ما يمكن ان تضطلع به الولايات المتحدة خاصة، ودول الغرب بشكل عام، من الجهود الرامية لاسقاط النظام فى الفترة السابقة لعام 2000،من خلال الانشطة العسكرية المنطلقة من دول الجوار والمقاطعة السياسية والاقتصادية …الخ.
وقد وفر نشاط المعارضة الخارجية، الملتحم عضويا باستراتجيات الخارج شروطا مواتية لتدويل الشان السوداني الداخلى، ولولوج مختلف اللاعبين الاقليميين والدوليين لساحة الصراع السوداني، تحت مختلف العناوين واللافتات، وأبرزها المبادرات والوساطات للتأثير على الوضع السوداني ومجرياته. وقد لعبت الحركة الشعبية من موقعها المؤثر داخل المجتمع، دوراً مهماً في إضعاف خطوط الأطراف الناشطة على خط المصالحة والوفاق، من أجل تغليب الخيار الامريكي في هذا الخصوص، وتبدي ذلك بشكل واضح من خلال وضع العراقيل امام المبادرة المصرية /الليبية، التي وجدت القبول من مختلف الاطراف في النظام والتجمع عدا الحركة الشعبية .
ولم تكن الهيمنة الامريكية علي الساحة السياسية وتوجهات تطورها عبر احتكار ملف المسالة السودانية واتجاهات معالجتها، لتتم بمجرد استسلام نظام الجبهة الاسلامية، للمشئية الأمريكية وحسب، اذ لعبت الحركة الشعبية دورا مهما في ترجيح الخيارات الأمريكية التي تضمنتها ورقة مركز الدراسات الإستراتيجية والمتمحورة حول سودان واحد بنظامين في مرحلة الانتقال، والتي حلت محل مبادرة الإيقاد، وتعزز موقف الحركة الشعبية في هذا الاتجاه، بمواقف الأطراف الاخري، التي عملت علي الاستقواء بالحركة الشعبية في التجمع وخارجه بتخليها عن الاضطلاع بدورها ومسؤولياتها في الدفاع عن وحدة السودان أرضا وشعبا وعن استقلاله وصيانة سيادته ، غض النظر عن الموقف من نظام الحكم ، والتخلي عن التصدي للتوجهات الامبريالية الأمريكية والتي كانت بعض مسلمات الحركة الوطنية، وهو ما حذر منه حزبنا في بيانه في اغسطس 1995م (البعث والمخرج من الأزمة الوطنية الشاملة ).
ومثلما تخلت الحركة عن حلفائها في تجمع المعارضة، فقد تحللت من كافة الالتزامات التجمعية للتلاؤم مع الرؤية الامريكية لترتيب الاوضاع في السودان ومتطلباتها، وفي هذا السياق يعتبر الاقرار بحق الجنوب في تقرير مصيره، حد الانفصال، ابرز معالم الاختراق الامريكي للسياسة السودانية، وحجر الزاوية في مشروع السلام الامريكي في السودان، فقد عملت الادارة الامريكية عبر مؤتمر واشنطن عام 1993م، لتوحيد السياسة السودانية، وجناحي الحركة الشعبية بقيادة مشار وقرنق ، حينذاك علي وجه الخصوص، اضافة للقوي السياسية الشمالية حول ذلك الشعار، وهو ما تحقق في مؤتمر اسمرا عام 1995م، ثم تبناه النظام رسميا فيما عرف باتفاقية الخرطوم /فشودة للسلام عام 1997م، ولم تعد منذ ذلك الحين وحدة السودان ارضا وشعبا، مسلمة وطنية لدي النظام وبعض فصائل المعارضة، واصبح مصير السودان في اطار ممارسة مثل هذا الحق وتداعياته، في ضوء اتفاقيات السلام، التي ترعاها امريكا، وتبرمها حكومة الجبهة مع هذا الطرف او ذاك، محل اختبار جدي وخطير. فمنذ اتحاد النظام والفصائل المؤثرة في تجمع المعارضة، شمالية وجنوبية، حول حق تقرير المصير، اصبح الانفصال خطرا يهدد السودان لامن قبل الجنوب وحسب، وانما من قبل اجزاء اخري في الغرب والشرق وجبال النوبة ايضا .
ولايمثل حق تقرير المصير في سياقه التاريخي الراهن، مطلبا وطنيا بقدر ما يمثل اداة امريكا الرئيسية لاعادة هندسة السودان، انطلاقا من رؤيتها الاستراتيجية للاقليم والوطن العربي. واذا كانت الولايات المتحدة قبل 11سبتمبر قد وقفت ، وبشكل علني، الي جانب مطلب ازالة نظام الجبهة الإسلامية، فان تحولا مهما قد طرأ علي إستراتجيتها، وبما يجعل من النظام، بعد استئناسه وتدجينه الي جانب اطراف سودانية اخري، علي راسها الحركة الشعبية، عناصر فاعلة في اطار رؤيتها للسودان ولدوره في مرحلة مختلفة ، وفي سياق ما تسميه بالحرب علي الارهاب العالمي .
وقد اضاف الغزو الانجلو امريكي للعراق، واحتلاله، وضوحا جديدا لاستراتجية الهيمنة الامريكية، باغطيتها المختلفة، مثلما احدث تغييرا دراماتيكيا في الاوضاع السياسية، في المنطقة العربية والافريقية بشكل خاص، جعل من امريكا بحضورها العسكري والسياسي الملموس، عاملا مؤثرا وفاعلا رئيسيا في مختلف الاوضاع. واذا كان نظام الجبهة الاسلامية قد سلك طريقا متدرجا نحو الارتهان للادارة الامريكية، فان تطورات الاوضاع في المنطقة (افغانستان ، العراق ، ليبيا دول الخليج ، جيبوتي ….الخ ) تتجه نحو ادماج السودان في امبراطورية امريكية متنامية في المنطقة، باسم التعاون الدولي لمكافحة الارهاب . والدفع به باتجاه تطور سياسي اقتصادى، لايعبر عن تطلعات شعبه واولوياتها، وبمعزل عن ارادته.
مرحلة الانتقال الي الهيمنة الامريكية
فعلى خلفية فشل المشروعين السياسيين، للنظام والتجمع المعارض معا، وبلوغهما مرحلة الإفلاس، في ظل صعود تيار الهيمنة الامبريالية الامريكية عالميا، تواجه بلادنا مخاطر الانقسام والتفتيت وانتقاص الاستقلال والسيادة الوطنية وضياع احلام التقدم والرفاهية.
فالمشروع الامريكي والذي قدم نفسه في البدء باقنعة الاعتبارات الانسانية مع قدوم دانفورث الي السودان ، قد انتهي الي نتائج سياسية وعسكرية وايدلوجية ذات مساس كبير بحاضر السودان ومستقبله .
فالمرحلة الامريكية ، في السودان والتي ساهمت قي بلوغها العديد من الاطراف السودانية في المعارضة والحكم بوعي ، وبغير وعي تستهدف دمج السودان في شبكة المصالح الامبريالية الامريكية في افريقية والوطن العربي ، واعادة ترتيب مختلف اوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية بما يخدم تلك المصالح وفي مقدمتها تكريس واقع الهيمنة الامبريالية في المنطقة وتدعيم الوجدود والنفوذ الصهيوني. وشكل قيام نظام الجبهة الاسلامية ، بحد ذاته في ظروف تضعضع القوي السوفيتية وانهيارها ، واختلال التوازن الدولي ،عاملا مهما في إدخال السودان في مناخ الصراع الدولي .
فبتوجهاته الايديولوجية وطموحاته الدولية وارتباطاته الخارجية ، خصوصا بتيارات الحركة الإسلامية ومراكزها الناشطة في ايران وافغاستان والجزائر ومصر وتونس الخ ،اصبح النظام جزء من منظومة اقليمية تضع نفسها في مواجهة القوي المتعاظمة للولايات المتحدة للانفراد بتقرير مصائر العالم، وقد سعي قادة الجبهة الاسلامية للتاثير علي الاوضاع الداخلية في عدد من البلدان لاسيما المجاورة للسودان . وهو ما وضع السودان في مركز المواجهة مع عديد من البلدان التي استشعرت خطر المخططات التي يتبناها قادة الجبهة علي آمنها الوطني والاقليمي واكتسب السودان ، في ظل قيادة الجبهة الموروث السلبي لعلاقات الحركة الاسلامية الاقليمية والدولية مما جعله يندرج في اطار مابات يعرف في الغرب بالإرهاب ولم تكن السياسات الداخلية للنظام والقائمة علي القمع ومعاداة الحركة الجماهيرية وعلي الحسم العسكري لمشكلة الجنوب الا تعبيرا عن السياسات نفسها وامتدادا لها علي الصعيد الاقليمي والدولي ففرض الاسلام السياسي عن طريق الكبت والارهاب علي المستوي الداخلي رافقه نشاط مماثل علي صعيد دعم واسناد الحركات الاسلامية في العديد من البلدان العربية والافريقية من اجل تغيير الاوضاع السياسية في بلدانها عن طريق القوة.
وقد اسهمت مجمل تلك الاوضاع وملابساتها في الزج بالسودان في صراعات معقدة مع العديد من دول الجوار ووجدت المعارضة الخارجية في مناخ العداء السائد بين السودان وتلك الدول وضعا مواتيا لنشاطها وحركتها ، وللارتباط في نهاية المطاف بإستراتيجية تلك البلدان وقد ادي التحول اللاحق في مواقف تلك البلدان من النظام في السودان الي ان يلقي بظلاله وتأثيراته علي مواقف المعارضة التي تشكلت وفق ما انتهت اليه تلك البلدان من مواقف مستجدة بضوء مصالحها بعد التحسن الذي طرأ علي علاقتها مع نظام السودان وقد حدث ذلك بشكل خاص مع مصر وأثيوبيا وليبيا والي حد ما ارتريا وتشاد. لقد اصبح الوضع في السودان بشكل عام شانا يهم العديد من البلدان المجاورة لجهة مصالح امنها الوطني والإقليمي. وقد سعت من خلال علاقاتها بفصائل المعارضة الخارجية التي تتخذ من تلك البلدان مراكز لنشاطها ، معابر للتأثير علي مجريات الوضع في السودان عبر محاولات ومساعي الوساطة المتعددة مثل مبادرة الايقاد ، المبادرة المصرية الليبية ، المسعى الارتيري ، المبادرة النيجيرية ، والمبادرة القطرية ، ……الخ .
من جهة اخري ، فان الصراع في داخل النظام قد استقطب بدوره وساطات القوي الإسلامية في المنطقة العربية والإسلامية كتجسيد لشبكة العلاقات والترابطات المعقدة التي تربط النظام بتلك الاوساط واذا كان القبض علي كارلوس في الخرطوم وتسليمه الي فرنسا ، وإبعاد اسامة بن لادن الي أفغانستان وابعاد عناصر من حماس قد اشرت بداية تحلل النظام من بعض تلك الارتباطات استجابة للضغوط الإقليمية والدولية الا انها تشكل دلالة واضحة علي مدي تورط السودان في الصراعات الإقليمية والدولية وتمركزه بالاحرى في بؤرتها .
وقد شكلت الحرب الاهلية في جنوب السودان ومن خلال اختيار النظام لخيار الحسم العسكري عاملا هاما في تركيز الاهتمام الإقليمي حول السودان لما للحرب المتفاقمة من اثر ملموس علي الأمن الإقليمي لبلدان الجوار ، علي وجه الخصوص النزوح .. حقوق الانسان . وأدى استثمار البترول في جنوب البلاد والبدء في تصديره اوائل عام 1998م عاملاً اضافيا في تسعير الحرب باضافة مادة جديدة لمبررات تصاعدها من ناحية واستقطاب المصالح البترولية العالمية لساحتها من الناحية الاخري وقد تعززت المصالح البترولية الامريكية بشكل خاص بصعود الادارة الامريكية الجديدة بقيادة جورج بوش كممثل لها ، مما جعل للبترول السوداني وبترول غرب أفريقيا بوجه خاص أهمية خاصة للسياسة الافريقية لادارة بوش .
ان الموقف من حرب الجنوب بكل تعقيداتها وكيفية معالجتها ظل يشكل اهم اجندة الحكم ومحددا لاتجاهاته وبوابة التدخل الاجنبي في شئونه .
وحدة خندق المواجهة قوميا ووطنيا
لقد ادرك حزبنا منذ نشأته طبيعة الصراع مع العدو الصهيوني ومن خلفه الغرب الاستعماري ، كصراع مصيري وحضاري مؤكداً حتمية المواجهة معه داعيا للنضال الشعبي كطريق سليم للاعداد لهذه المواجهة المصيرية ، كما دعا لتوفير الاسباب اللازمة لمواجهة الاحتمالات السياسية والعسكرية المرتبطة باستمرار الصراع بين الامة والعدو الصهيوني ومن خلفه الامبريالية ورفض الحزب منذ البداية مخطط فرض التسوية والاستسلام في أعقاب هزيمة يونيو 1967م ، والتسويات الاستسلامية التي يروج لها البعض والتي لا تخدم غير العدو ودعا الي نقل الوضع العربي الراهن الي حالة جديدة مقتدرة وواعية لمسؤولياتها ، لازالة التناقصات التي هي سبب الضعف والانهزامية والي فضح الأدوار المزدوجة التي تمعن في تمزيق وحدة المقاومة الفلسطينية . لقد اعتبر حزبنا منذ تأسيسه تحرير فلسطين هدفاً ثابتاً ، مركزيا كما حرص علي تاكيد تمسكه بقضية التحرير الكامل لفلسطين من النهر الي البحر ، معتبرا ان أي موقف جدي ومسئول لابد ان ياخذ بعين الاعتبار استعداد شعب فلسطين للنضال حتي التحرير واستعداد الامة العربية الدائم لجعل قضية فلسطين قضيتها المركزية . وتعتبر الانتفاضة الفلسطينية الباسلة ابرز اشراقات هذه المرحلة ، حيث نقلت النضال الفلسطيني الي مستوي جديد يتكافأ مع طبيعة الصراع ، متجاوزا لكل المواجهات السابقة مع العدو الصهيوني تجاه التعبير عن الطاقة الكامنة في امتنا وتطلعها نحو المستقبل وعن رفض جذري لواقع الانحطاط والتردي الذي انحدرت اليه الأوضاع العربية . فأبرزت روحا جديدة للنضال والصمود وارادة التحرير لدي شعبنا المجاهد في فلسطين ، مثلما كانت الانتفاضة حسما لواقع سلبي تعرضت فيه القضية المركزية للأمة وما تزال ، تتعرض لمحاولات التصفية والطمس والتشويه علي المستويين الداخلي والخارجي ، بدلالة المازق الذي تعاني منه مسيرة التسوية التي بدات بمدريد واوسلو ، والتي خلصت الي خارطة الطريق والجدار العنصري الفاصل
ولايمثل انبثاق المقاومة الوطنية العراقية في مواجهة الاحتلال الانجلو امريكي ، غير تعزيز لخط المقاومة ، كخيار استراتيجي للامة ، في كل مكان في مواجهة التحالف الامبريالي الصهيوني المعادي . تاكيدا لمقولة مؤسس البعث : امتنا موجودة حيث يحمل ابناؤها السلاح فالمقاومة في العراق وفلسطين هي التعبير الصحيح عن فعل الامة تجاه المخططات الامبريالية الصهيونية التي تفصح عن نفسها ، في استهدافها لجموع الامة وتطلعاتها نحو الوحدة والحرية والاشتراكية كطريق وحيد لتحقيق مصالح الجماهير والخروج من حالة التجزئة والتبعية والتخلف ، وتمكين الامة من النهوض بدورها الحضاري التحرري في حركة التطور الانساني لبناء عالم تسوده قيم الحق والعدل والسلم والتقدم فوحدة العدو ووحدة المخطط المعادي تقتضي من جديد التأكيد علي وحدة خندق المواجهة والمقاومة ، وعلي الترابط بين القومي والوطني علي صعيد الرؤية والفعل ، وعلي تنسيق النشاط في اطار جبهة قومية وعلي مستوي كل قطر عربي .
ومن هذا المنطلق فان حزبنا يجدد دعوته لكل القوي الحية علي المستوي الوطني ، لاعادة ترتيب صفوفها في اطار تحالف صحيح ، وفق برنامج يستهدي به النضال الوطني والقومي في بلادنا .
محــــــاور أهــــــداف النضـــــال الوطـني :
إن الخروج من الأزمة الوطنية الشاملة ، التى يتهدد فيها استقلالنا وسيادتنا ووحدتنا الوطنية بعد اتفاقيات جبال النوبة ومشاكوس ومفاوضات نيفاشا وانجمينا ، لا يتحقق بالمناورات والمساومات التي تجري خلف الكواليس خضوعاً للإرادة الأجنبية ، وإنما بانطلاقة جديدة من شأنها بناء موقف وطني وقومي باصطفاف جديد للقوى السياسية والاجتماعية الحية كسبيل وحيد لتجاوز تداعيات الوضع السياسي الراهن في بلادنا ، على أسس مبدئية وإسترتيجية تتمسك بثوابت الوحدة والسيادة والاستقلال الوطني واستعادة الديمقراطية المرتبطة بالإنجاز والتنمية المستقلة الشاملة والمتوازنة جهوياً واجتماعياً ووقف الحرب وتحقيق السلام والتصدي لمشاريع التدخل الاجنبي وترتقي بالعمل السياسي إلى مستوى الفعل النضالي التاريخي ، ليصبح المعيار لأي انجاز وطني هو إمكانية تغييره لواقع التجزئة والتخلف والتبعية وابتعاده عن نهج المصالح الذاتية الضيقة وعقلية الصفقات الثنائية المشبوهة .
إن تعزيز القدرات النضالية والتنظيمية لهذه القوى الحية ضمن هذا الاصطفاف الجديد ومفاهيمه المبدئية هو الكفيل ببلورة وتفعيل آلية النضال الشعبي القومي التقدمي الديمقراطي كخيار تصنعه ارادة الشعب وفعله ، تحت إطار تحالف وطني ديمقراطي جامع وفعال للنضال السلمي داخل قطرنا ينشط ويستنهض ويؤطر منظمات الشعب السياسية والديمقراطية والنقابية والاجتماعية.
ولا بد من التأكيد هنا على أن المخاطر المحدقة بشعبنا التي تشكل الأزمة الوطنية الشاملة والتهديد الجدي لنسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية ، تقوم على اعتبارات مترابطة لا يمكن معالجة أي منها بمعزل عن الأخرى ، ذلك أن الترابط قائم قطعاً بين شعارات الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الانسان والأزمة الاقتصادية متكونة من أو متمثلة في الخصخصة والفساد المالي والاداري وتشجيع التهريب وتسهيل ممكنات التدخل الأجنبي ، . وتقوية الصلات مع من يستبيح الوطن العربي وأفريقيا بالقواعد الأجنبية لقوات الأعداء جواً وبراً وبحراً أو ينصاع بأي شكل من الأشكال لقرارات الامبريالية الأمريكية والصهيونية بفرض رؤيتهما لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة . لذلك فإن حزبنا يدعو القوى المخلصة للحوار الجاد والعمل المشترك حول هذا البرنامج الذي يؤشر أهم محاور أهداف النضال الوطني في هذه المرحلة . ومن خلال هذا الحوار سيتبلور التحالف الصحيح القادر على انقاذ البلاد من الأزمة الوطنية الشاملة .
هذه الوثيقة التى يطرحها حزب البعث العربى الاشتراكى هى مشروع اطار عام لبرنامج وطنى وقومى ,يعرضه لكافة القوى والفعاليات السياسية والنقابية,ويدعو من خلاله الى مؤتمر دستورى ومؤتمرات فرعية متخصصة (سياسية ومهنية) لمناقشة قضايا الوطن المختلفة وفق عدة محاور نوردها فيما يلي :
1. النضال من أجل بديل وطني وقومي ديمقراطي تقدمي يحافظ علي الاستقلال ويصون ويعزز الوحدة والسيادة الوطنية للسودان شعباً وأرضاً ويستند للشرعية الدستورية ويتأسس على الاقرار بمبدأ التعددية الحزبية والسياسية ومبدأ التداول السلمي للسلطة ، ويكفل الحريات الأساسية والاستقرار والتطور السياسي ، وإنماء عناصر الوحدة الوطنية والتقدم وشق دروب السلام والتعايش الوطني والانبعاث الحضاري بما يعزز دور السودان في النضال القومي العربي وفي أفريقيا والعالم الاسلامي وفي الساحة الدولية .
2. النضال من أجل السلام والوحدة الوطنية والديمقراطية السياسية والاجتماعية والاستقلال والسيادة ، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنضال الحازم ضد الامبريالية والصهيونية ونهج الهيمنة والتبعــــية.
3. النضال من أجل الغاء القوانين المقيدة للحريات وفي مقدمتها قانون تنظيم الأحزاب ، قانون الأمن الوطني ، والمحاكم الاستثنائية ، وقوانين ولوائح الطوارئ والقوانين المقيدة للعمل النقابي وحرية الصحافة والنشر وكفالة استقلال الخدمة المدنية والدفاع عن استقلال التعليم العالي واستقلال وحيدة ونزاهة القضاء ، وحرية الاعتقاد والبحث العلمي .
4. النضال من أجل وحدة واستقلالية وديمقراطية الحركة النقابية واعادة صياغة قوانين واسس ولوائح التكوين والبنيان النقابى بما يضمن تحقيق تلك الاهداف
5. النضال من اجل تأكيد حيدة ووطنية الخدمة المدنية ، وتاكيد حق كل المفصولين تعسفياً من الخدمة العامة المدنية والعسكرية في نيل حقوقهم والعودة الى وظائفهم ومواقعهم، وتعويضهم عن الاضرار التى لحقت بهم .والتاكيد على ان معايير الاستيعاب والترقى فى الخدمة المدنية والعسكرية تنبني على اسس العدالة والكفاءة والاهلية.
6. دعم صمود أسر شهداء المقاومة الشعبية لنظام الجبهة الاسلامية من العسكريين والمدنيين وإحياء ذكراهم والتعبير عن تمسك شعبنا بحق القصاص بالقضاء العادل من المجرمين الذين أزهقوا أرواحهم الطاهرة . )
7. التأكيد على ان السودان هو قطر عربي افريقي اسلامي ، وان مصطلح(سوداني) يعني الانتماء الى جنسية قانونية لكيان سياسي موحد يتساوي فيه المواطنون مساواة مطلقة وتتفاعل فيه حضارة عربية اسلامية وثقافات جنوبية .
8. الاعتراف بواقع التنوع الثقافي بين شمال القطر وجنوبه والعمل على حل قضية الجنوب بالانطلاق من هذه الحقيقة لبناء الوحدة وتعزيزها بالسلام وبالتنمية المتوازنة والشاملة وبالعدالة في توزيع الثروة والسلطة وإقرار الحقوق المشروعة كافة .
9. النضال من أجل حل سلمي ديمقراطي لمشكلة الجنوب تأميناً لاستقلال الوطن وصوناً للوحـــدة الوطنية والتاكيد على ان هذا الحل يصنعه شعب السودان باحزابه ونقاباته ومنظماته الديمقراطية فى الشمال والجنوب بعيداً عن اى وصاية او تدخل اجنبى .
10. النضال ضد دعاة الانفصال وفضح كافة أغطيته ومظاهره المتمثلة في حق تقرير المصير ، والكونفدرالية ، وفي خيار الحل العسكري والحرب الدينية . والعمل لرفع راية وحدة السودان كثابت وطني لا يجوز المساس به .
11. النضال من اجل دستور ديمقراطي تكون المواطنة فيه اساس الحقوق والواجبات بلا تمييز وينص، على سيادة حكم القانون واستقلال القضاء وكفالة الحريات العامة.
12. النضال ضد رهن مقدرات بلادنا الاقتصادية لسياسات صندوق النقد الدولي ، وضد ربطها التبعى بعجلة السوق الحر والرأسمالية العالمية وبمصالح الرأسمالية الطفيلية – ولا سيما الجبهوية – التي تتصدر قوى النهب والفساد والاحتكار في بلادنا منسجمة مع الشعارات الاقتصادية للنظام الدولي الاستعماري الجديد في – الانفتـــاح والتحرير ، والاستخصاص على نطاق واسع.
13. النضال ضد تصفية القطاع العام وتفكيك مرافق الدولة الخدمية ومؤسساتها الانتاجية لصالح الفئات الطفيلية المستغلة المرتبطة بنظام الجبهة ، ومقاومة سياسات الاستخصاص ، وتأكيد حق شعبنا في استعادة المنشآت الانتاجية والمرافق الخدمية الاستراتجية التي طالها الاستخصاص الى نطاق الملكية العامة .
14. التمسك بحق الشعب في السيطرة عبر القطاع العام على مصادر الثروة الوطنية الأساسية وعلى التجارة الخارجية والقطاع المصرفي .
15. النضال ضد نمط التنمية الذى أدى الى الفقر والجوع والجهل والمرض والنقص المريع في الخدمات الاجتماعية الأساسية سيما في القطاع التقليدي والمناطق الأكثر تخلفاً وإعتماد خطط لتحقيق التوزان في التنمية والخدمات بين مناطق القطر المختلفة وترقية وعي الشعب في مواجهة قوى التخلف التي تسعى لإضفاء طابع عنصري على التمايزات الاقتصادية والاجتماعية .
16. التلاحم مع كفاح القوى المنتجة في قطاعي الزراعة والصناعة وتدعيم نضالات شعبنا في سبيل تحسين شروط خدمة العاملين بزيادة الأجور والرواتب ودعم السلع الأساسية – كالدواء والسكر والخبز والمحروقات وخدمات الكهرباء والماء والتعليم والصحة – . والنضال مع جماهير شعبنا كافة ضد السياسة الضريبية التي ينتهجها النظام والتي توقع العبء الضريبي على كاهل القطاعات الفقيرة من الشعب وتفتح الأبواب أمام تهرب الدخول العالية والطفيلية من التزاماتها الضريبية .
17. النضال ضد نهج ونتائج العولمة الاقتصادية التي تكرس التبعية للامبريالية وتديم التنمية المشوهة في البلاد، وذلك عن طريق قيام التكتلات الاقتصادية الاقليمية والتكامل الاقتصادي العربي.
18. التصدي للهجمة الامبريالية الصهيونية على الوطن العربي ، وتعزيز صمود الأمة العربية في ساحات المواجهة في فلسطين والعراق وجنوب لبنان .
19-تأكيد موقف شعبنا وأمتنا بالنضال المستمر ضد مخططات تصفية القضية الفلسطينية ، وضد كافة الحلول الاستسلامية .
20. رفض كل اشكال التطبيع مع العدو الصهيونى تحت اى صورة وفى اى مجال، وادانة الخطوات التى تمت لاختراق المقاطعة للكيان الصهيونى .
21. دعم الانتفاضة المجاهدة فى فلسطين والمقاومة الباسلة فى العراق ضد الاحتلال، والمقاومة الوطنية والاسلامية فى جنوب لبنان.
22. النضال من أجل اجلاء القواعد والقوات الأجنبية عن الوطن العربي ورفض كل المشاريع والمخططات التى تستهدف اعادة رسم خرائط الوطن العربى بما يقود الى طمس هوية الامة وهيمنة دولة الكيان الصهيونى والامبريالية على مقدرات الوطن.
23. تأكيد الروابط الأزلية والكفاحية لشعب وادي النيل في جنوب الوادي وشماله ودعم أواصر الصلة والتكامل الاقتصادي والتلاحم الشعبي بين السودان ومصر وليبيا وكافة بلدان الوطن العربي.
24. الدعوة الى عودة التضامن العربي ، على أساس تدعيم حقوق أمتنا في الوحدة القومية وتحرير فلسطين والعراق والتنمية القومية المستقلة .
25. التعبير عن جوهر العلاقة بين العروبة والاسلام ، لبيان دور الأمة العربية الناهضة في رفعة شأن الشعوب الاسلامية كافة ، ولازالة ما لحق بدور الاسلام في الحياة العامة من تشويه متعمد من لدن الجبهة الاسلامية القومية والقوى التي على شاكلتها في الوطن العربي وفي العالم الاسلامي .
26. النضال ضد المخططات الامبريالية والصهيونية لتعميم الحروب والاقتتال في القارة الأفريقية ولا سيما في القرن الأفريقي ومنطقة البحيرات وغرب افريقيا ، والتي تستهدف الهيمنة السياسية على القارة ونهب ثرواتها والتحكم في منابع النيل .
27. دعم التضامن والكفاح المشترك بين أفريقيا العربية ، وأفريقيا جنوب الصحراء . وفضح التآمر الغربي على وحدة النضال العربي الأفريقي .
28. التعبير بكل الوسائل وفي كل المنابر عن دور السودان المتلاحم مع النضال الانساني لأحرار العالم ضد الامبريالية والصهيونية والهيمنة والعدوان والتدخل في شؤون الشعوب الحرة تحت ذرائع حماية الديمقراطية وحقوق الانسان والأقليات .. الى آخر الأقنعة التي تستخدمها قوى الاستعمار الجديد .
29. اصلاح الامم المتحدة ومؤسساتها لضمان بناء نظام عالمى متعدد الاقطاب يحقق العدل والمساواة وحق الشعوب فى تقرير مصيرها وتنمية قدراتها الاقتصادية والعلمية والتقنية .
30. دعوة كافة القوى الوطنية والقومية والاسلامية والعربية لبناء جبهة شعبية عربية لمقاومة مخططات الامبريالية والصهيونية ودعم واسناد المقاومة الوطنية فى العراق وفلسطين وجنوب لبنان وعلى طريق تحرير كامل الاراضى العربية المحتلة.
31. تأكيد حق الشعوب في امتلاك وسائل الدفاع عن نفسها لتصبح أداة رادعة لمنطق القوة والهيمنة الذي تنتهجه الإمبريالية والصهيونية .
32. التأكيد على أن الإصلاح السياسي والاقتصادي في أي قطر هو مسئولية أبناء القطر أنفسهم ولا يتم عبر أي ضغوط أو وصاية أجنبية .

حزب البعث العربي الاشتراكي
قيــــــــــــــادة قطــــــــــر الســــــودان

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.