خطاب البشير من زاوية حادة

بقلم: معتز عبدالله الحسين

هناك ملاحظات جديرة بالاهتمام لاختيار البشير لباحة القصر الجمهوري، وعلي الهواء الطلق.. لالقاء خطابه، ودعوة وتجميع كل النافذين في النظام، وقيادة المؤتمر الوطني ككمبارس صامت لا ينبسون ببنت شفه.. متجهمي الوجوه.. نلاحظ أن هناك رسالة أعدت للكل بمن فيهم أعضاء المؤتمر الوطني نفسه.. ولسان حال البشير يقول لهم أنا ربكم الأعلى فانتظرون حتى أخرج إليكم، فكانت الإشارة الأولى إنه باقٍ في السلطة بإرادته، وبذلك  فلتخرص كل الأصوات النشاذ من أعضاء حزبه، والتي تريد أن تقدمه قربانا لهدوء جذوة الثورة المستمرة منذ شهرين..
أو تلك الأصوات التي نادت وفي العلن ألا تجديد، ولا تشريع يجيز للبشير الترشح مرة أخرى في انتخابات 2020، أو التي تجنح إلى فكرة انقلاب القصر من خلال الجيش… أو التي أعدت عدتها للقفز من المركب الغارق وأعدت (بقجها) للهرب،
وقد تجلت هذه الملاحظة بصورة واضحة في اختيار لغة الخطاب التي اختلفت جذريا عن نمط خطاباته السابقة والتي يحلو معها رفع الأصبع والتكبير والتهليل والرقص وباستهتار (كية للمعارضة). بل امتد الأمر حتى إلى عدم الالتفات إليهم بعد نهاية الخطاب  وخروجه دون أن يعبر عن تقديره لجلستهم البلهاء أمامه.. ولسان حاله يقول لهم أعرفوا قيمتكم  فأنا ولي نعمتكم وحالة الطوارئ التي أعلنتها يتم تنفيذها عسكريا وأنا عسكري، وأنا لها.
زاوية أخرى من خطابه ظهرت في طرحه الخجول لقوى المعارضة للحوار، متجاوزا لتجمع المهنيين  والإشارة إليهم بالشباب.. هذه الزاوية بها رسالة واضحة بأن لديه احتياطي جاهز من الانتهازيين لسد الفجوة والفراغ الذي أحدثه باقالته لكل الحكومات الاتحادية والولائية، دون أن يحدد البدائل حتى على مستوى تسيير الأعمال، وهو أمر الواضح منه محاولة شق قوى الحرية والتغيير، ومساومة البعض منهم بالوزارات، والمناصب السيادية  بدعوى الحرص على الوطن  وتجنيب البلاد الانزلاق إلى متاهات الفوضى والنزاعات المسلحة.. وستكشف لنا قادمات الأيام اختيار عناصر من أحزاب لها ارتباط بقوى الحرية والتغيير، مما يخلق حالة بلبلة وتخوين بين أعضائه المنضويين تحت مظلة تجمع المهنيين.
كما أن لحضور حميدتي، وبتركيز إعلامي عليه أثناء تلاوة الخطاب، إنما هو رسالة مبطنة لعناصر الجيش بأن من يحمي البشير ليس الجيش وحده، وإنما هناك مليشيات جاهزة للذود عنه في حالة انقلاب الجيش ضده.
الخلاصة البائنة بينونة كبرى إن البشير وصل به الخوف من المصير القادم مرحلة متأخرة جداً، وأضحى لا يثق في أي من قطاعات نظامه المتهالك لحمايته في هذه المرحلة الحرجة.. لذلك لجأ من خلال خطابه ورمزيته المعدة بعناية لمحاول تخويف الكل بالكل، دون استثناء وأنه قادر على الامساك بكل خيوط هذه اللعبة بيده.
المحصلة النهائية إن البشير يمر بمرحلة أزمة ثقة عميقة، وحالة تخوف حقيقي، وعلى حافة الانهيار التام.. وبمزيد من الحراك والمواجهة القوية وكسر حالة الخوف، التي يحاول تطويق الجميع بها، سينهار تماماً وتنتصر إرادة الجماهير.