والدها علي أوكير الهدندوي الأرتيقا القادم من طوكر شرق السودان، وهو من القلائل الذين درسوا في كلية غردون ليعمل بعدها مترجماً للإنجليزية ثم قاضياً بمحكمة الدامر.
هاجرت أسرته لتعيش في دامر المجذوب فتزوج من نهر عطبرة الحاجة زهرة بت الفكي الطيب من #الكمالاب وبعد وفاتها تزوج من أهلنا الجعليين. الحاجة بلقيس أوكير ورثت من والدها موهبة الشعر ومن تلاقح البجا مع الجعليين جسارة الموقف وصلابة العود فسنت سنان أبنائها وشحذتهم ليوم كريهة فها هي تغني يوم ختانهم:
السيرة التسير والبخاف يتلم محمد ما بخاف محمد عقود السم
تاني ما بهم عندي البشيلوا الهم
حلق يا صقر ما تخشى قول وندم ناس بكور علي رهن الإشارة لزم
تاني ما بهم عندي البشيلوا الهم
خالد من صغرتو عينو التقول الدم
تاني أنا ما بهم عندي البشيلوا الهم
وتسترسل في قصيدتها التي تقول فيها لإبنها محمد:
وكت الحوبة تحتاج والسودان يدور لي رجال كان ماليه نصر ساكت وجع يوم داك
تاني ما بهم عندي البشيلوا الهم
بهكذا قيم أنشأت شاعرتنا أبناءها.
وهي قصيدة طويلة أصبحت تغنى في بيوت المناسبات في منطقة الدامر وأطرافها.
بلقيس بت أوكير أو كما يحلو لأهلنا الجعليين في الدامر أن يسموه (عكير الدامر) هي الشاعرة التي لها الكثير من المواقف
فقد كان منزلها في أمبدة مقراً لنضالات حزب البعث ضد النظام المايوي، كتبت يوم أعلن أمن نميري عن ضرب وكر الفتيحاب (وكر طباعة جريدة الهدف) وظن بأنها القاصمة كتبت قصيدة جاء في مطلعها:
يا زحف البعث تقدم لا نامت عين الجبناء
النمر تسلق سور الدار الشماء
وتمضي حتي تقول في متن قصيدتها:
ودفعت بفلذة كبدي إليه فهل من بعد الكبد غذاء
وأما عن مواقفها العديدة وزوجها المرحوم ضياء الدين أنه وفي أيام الإعداد الأمريكي الكوني لغزو العراق في (أم المعارك) كتبا خطاباً إلى إبنهم أبوبكر يحرضانه على القتال ضد الأمريكان (يا بكور يا ولدي البلد الأكلت حلوها ما تسيبها في مرها) وكان ذلك رد فعلهما بعد أن حضر أحدهم إلى السودان قبل بداية الحرب الأمر الذي اعتبراه تخاذلاً وجبناً.
في العام 1991 كان حال اولادها كالاتي محمد معتقلاً في بيوت الأشباح وأبوبكر متطوعاً للقتال في العراق وخالد مختفٍ لضرورات أمنيه وكان التفيش عليه ومداهمة المنزل أسبوعياً تقريباً وفي أحد المرات حاول أحد أفراد الأمن استفزازها بعد أن سألها قائلاً: في أم بتنوم وما عارفة ولدها وين؟
فقالت له: نحن ربونا ما نسأل عن الرجال وربينا رجالنا كده وديل بناتي نايمات في ضهري. فأمعن في استفزازها قائلاً ولدك هارب، فكتبت في ليلتها قصيدة لإبنها خالد جاء في مطلعها:
(فر يا ابن الوليد جهز جيوش الرجعة)
الحاجة بلقيس ظلت عصية علي الانكسار فما انهارت ولا ساومت من أجل إطلاق سراح أحد أبنائها أو أحفادها بل كانت دوماً تحفزهم على مواصلة الطريق مؤمنة بالبعث طريقاً للخلاص
(يا زحف البعث تقدم لا نامت عين الجبناء).
الآن وقد تجاوزت السبعين من عمرها وهي تعيش اعتقالات الأبناء والأحفاد وتري آثار التعذيب عليهم، لا تقول غير (اللهم اقتص لي منهم).
أم البعثيين قالت لها إحداهن تحرضها على الضغط على إبنها محمد لينثني بعد كثرة اعتقالاته التي وصلت مايقارب الثلاثين اعتقال منذ بداية انقلاب الإنقاذ فردت عليها بأنها (سنت ولدها لا ليكون إبن لها وحدها) ثم أنشدت:
عرش يا ابكريق وسوي سواتك..
ماني براي أمك كل الحريم أماتك..
هي خنساء العصر وصانعة الرجال..
الشاعرة (بت الشاعر) العلم أوكير سفر من البطولة، هي إمرأة قدمت وتقدمت، أطال الله في عمرها ورزقها فرحة النصر وتحقيق الخلاص.