بمناسبة تدشين موقع “الهدف”
رحم الله الرفيقتين بخيتة وعزيزة
رفيقتينا بخيتة وعزيزة تحملتا ولسنين عدداً عبء طباعة الإصدارات الحزبية الداخلية منها والجماهيرية: ماكنتا رونيو من صنع إنجليزي اشترتهما منظمات الاشتراكيين العرب في العامين 1965 و 1966 على التوالي وآلت ملكيتهما لحزب البعث العربي الاشتراكي، فيما بعد، بعد استكمال حملة التبعيث الأولى ما بين يونيو 1968 (المؤتمر الثاني والأخير لمنظمات الاشتراكيين العرب) ومنتصف عام 1972..
على هاتين العزيزتين البخيتتين طبعت وثائق المؤتمر الأول لمنظمات الاشتراكيين العرب (يونيو 1966) ووثائق المؤتمر الثاني في يونيو 1968 وكل بيانات الاشتراكيين العرب الجماهيرية، إضافة إلى أعداد من مجلة وعي الطلبة (صحيفة جبهة كفاح الطلبة).. ولبخيتة شرف طباعة مذكرة الشهيد فاروق حمد الله التي خاطب فيها مجلس قيادة انقلاب مايو 1969 وقدمها في 16 نوفمبر 1970 ليعلن بعده جعفر نميري إبعاد الشهداء فاروق حمد الله و بابكر النور و هاشم العطا ..
تعود البدايات الأولى للصحافة البعثية الجماهيرية لأواخر العام 1965 حيث صدرت صحيفة وعي الطليعة التي اقتصر توزيعها على منظمات الاشتراكيين العرب في العاصمة المثلثة، ومنظمات الأقاليم، وكان توزيعها محدوداً لا يتجاوز الاشتراكيين العرب واصدقائهم.. اهتمت وعي الطليعة بالتأصيل للخط التقدمي العربي العام وللحديث النظري عن ضرورات الوحدة العربية في عالم الثنائية القطبية (المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي) وركزت مقالاتها أيضا على الثورة الفلسطينية والكفاح المسلح الذي انطلقت رصاصته الأولى في الأول من يناير 1965.. وتناولت بالتحليل السياسي مجريات الحراك السياسي داخل السودان بالتركيز على فضح مشاريع الإسلامويين المتمثلة في مشاريع الدستور الإسلامي.. ازداد توزيع وعي الطليعة بعد المؤتمر الثاني لمنظمات الاشتراكيين العرب، وأصبح التركيز في موادها على انتقاد التجربة الناصرية وفرديتها و فوقيتها، الأمر الذى يعبر عن تزايد إتجاه تبعيث الاشتراكيين العرب.. وأوائل العام 1974 تقرر استبدال وعي الطليعة بصحيفة جديده تحمل اسم فجر الكادحين، فبينما كانت وعي الطليعة تحمل في ترويستها عبارة صحيفة الاشتراكيين العرب، خلت فجر الكادحين من أية إشارة للاشتراكيين العرب وحملت في ترويستها بدلاً عن ذلك شعار (أمة عربية واحده ذات رسالة خالدة).. وبنهاية العام 1974 وبداية العام 1975 صدرت “الهدف” باعتبارها ناطقة باسم حزب البعث العربي الاشتراكي..
ليس من السهل بعد هذه السنين الطويلة تقصىي الأسباب المباشرة لهذه المسميات فصحف الاشتراكيين العرب في الجامعات والمعاهد العليا السودانية، كانت في الغالب تحمل اسم الرائد وهي الصحيفة الحائطية للجبهة العربية الاشتراكية في جامعة الخرطوم، بينما كانت صحف الاشتراكيين العرب في جامعة القاهرة فرع الخرطوم والمدارس المصرية تحمل في الغالب اسم الطليعة وذلك باعتبارها ناطقة باسم الطليعة التقدمية العربية في الفرع والمدارس المصرية.. في الغالب الأعم تم اختيار اسم وعي الطليعة انطلاقاً من الطبيعة التأسيسية لمنظمات الاشتراكيين العرب باعتبارها طليعة للفكر القومي الاشتراكي في بلادنا..خاضت هذه الصحف نضالات نظرية في مجال شرح الفكر القومي الاشتراكي وتنزيلاته على الواقع السوداني، إضافة للمعارك السياسية المختلفة بداية من انتقاد عجز الفئات الرأسمالية الطائفية عن استكمال تحقيق التحرر الوطني مرورا بالنضال الشرس ضد الأخوان المسلمين احتياطي اليمين وفلاسفة الرجعية السودانية وانتهاء بالنضال ضد انقلاب مايو 1969..
ظلت الرفيقتان عزيزة وبخيتة هما أدوات حزبنا ورأسماله الوحيد في طباعة صحف الحزب الأولى والهدف في شكلها الحالي، وإن كانت بخيتة قد انتقلت منتصف العام 1972 إلى البحر الأحمر وظلت تؤدى دورها إلى أن وافاها الأجل بعد سنوات قليلة، بينما انضمت إلى عزيزة رفيقات أخر من بينهن ماكينة طباعة رونيو كهربائية..
خلال النضال ضد نظام نميري انتشرت الهدف في أوساط جماهير الحزب بشكل واسع وبلغ توزيعها ما يزيد على ال 45 ألف نسخه في مارس 1985 إضافة إلى عشرات آلاف النسخ التي كانت تصور وتوزع على السودانيين..
في هذه المسيرة الطويلة تعرضت الصحافة البعثية الى ضربتين موجعتين: كانت الأولى أواخر العام 1973 حين تم ضرب وكر الطباعة في امتداد ناصر (الرابعة) وخسر الحزب وقتها جزءاً كبيراً من أرشيف مطبوعاته.. وكانت الثانية نهاية العام 1984 المعروفة بضربة وكر الفتيحاب حيث تم اعتقال الرفيق بشير حماد عليه رحمة الله ورفاقه الثلاثة وقدموا لمحكمة الردة..
وبعد انتفاضة الشعب المظفرة في مارس ابريل 1985، صدرت الهدف لأول مرة في شكل صحيفة جماهيرية واسعة الانتشار، لتعود مرة أخرى بعد انقلاب 30 يونيو 1989 إلى الصدور بشكل سرى لفضح انقلاب الإسلامويين على النظام الديموقراطي. ولقد شكلت الهدف في هذه المرحلة هاجساً وخوفاً دائماً لدى الأجهزة الأمنية للنظام الإسلاموى بتقاريرها الجريئة ومصادرها المتنوعة ومصداقيتها الأكيدة..
صدور الهدف في موقعها الجديد على الشبكة الإلكترونية، لم يكن الظهور الأول لها.. فقد جرت محاولة وتم الحصول على موقع باسم www. Elhadaf.net في أواخر عام 1999 و انتظم الموقع ، إلا أن صعوبات الاتصال بالداخل والمشاكل التقنية وعامل الخبرة الفنية أدتا إلى تهكير الموقع وكان التهكير الأول من أعوان النظام الإيراني بسبب تركيز الموقع على كشف الدور الإيراني في العدوان على العراق و الحصار الظالم الذى تم فرضه على العراق. واستمر الموقع يعمل رغم ذلك إلى العام 2004 حيث توقف بسبب التهكير المستمر..
والآن والهدف تستعيد موقعها على الشبكة العنكبوتية في وقت تتصاعد فيها انتفاضة الظفر والحسم، نتذكر كل رفاقنا ورفيقاتنا الذين ساهموا دون كلل أو ملل في اصدار وتوزيع مطبوعات حزبنا منذ البدايات الأولى: نذكر من رحلوا عنا تاركين في وجداننا وعقولنا جهدهم الكبير حين كانت البدايات الصعبة: من طباعة المجلة والمنشور عدة مرات على أوراق الشمع إلى تدوير ماكينات الرونيو بالأيدي ولساعات طويلة الى جمع الصفحات وتدبيسها على أضواء الشموع والفوانيس إلى تسليمها لمراكز التوزيع.. سنين من العرق والدموع وأحبار الطباعة نتوجها اليوم بتدشين موقع الهدف كإضافة مهمة ونوعيه للنضال الجماهيري..
ستظل الهدف في موقعها على الشبكة الإلكترونية أو على الوسائط الاجتماعية أو في شكلها الورقي، منبراً لكل نضالات الجماهير، مفتوحة للرأي والرأي الآخر ولكل قلم وطني ملتزم، في سبيل انجاز الإضراب العام والعصيان المدني والانتفاضة الجماهيرية لاقتلاع النظام الإسلاموى الدكتاتوري وبناء سلطة الشعب الوطنية والتقدمية والديموقراطية.