المسألة الديمقراطية في فكر الشهيد القائد صدام حسين
أسيل كثير من الحبر واستهلكت مئات الآلاف من الأقلام في الكتابة عن الشهيد القائد صدام حسين وأسلوبه في الحكم وتصوره للممارسة السياسية وتطبيقاته للصيغ الديمقراطية في ميادين القيادة والمنظمات الشعبية والأحزاب السياسية والعلاقة مع الجماهير ؛ واختلفت الآراء والتصورات والتقييمات وتباينت بل وتناقضت في أغلب الأحيان انطلاقا من تناقض المرجعيات الفكرية والإيديولوجية لكلّ من تصدّى لمعالجة موضوعة الديمقراطية في فكر وممارسة الشهيد القائد .ولعلّ أغلب من كتب في هذا الموضوع كان يعتمد بالأساس على
موقفه الشخصي من العقيدة القومية العربية عموما وعقيدة البعث العربي الاشتراكي بصفة خاصة دون أن يحاول تجاوز الجانب الذاتي من الموضوع والاستئناس بالتحليل العلمي الواقعي والموضوعي المبني على تشريح المنطلقات النظرية انطلاقا من جملة تصورات وأفكار وأطروحات القائد الشهيد كما دونها بنفسه وخطّها بقلمه وعبّر عنها بلسانه في العديد من المناسبات والأحاديث المرجعية خلال مسيرة نضالية طويلة تراوحت بين العمل السري في إطار التنظيم الحزبي والعمل العلني في إطار قيادة الدولة والمجتمع . ومن هذا المنطلق كان من الضروري تناول موضوعة الديمقراطية في فكر الشهيد القائد بعيدا عن التشنج والانفعال والشخصانية المفرطة والتركيز بصفة أساسية على الجوانب الموضوعية من خلال الدراسة العلمية التوثيقية لأحاديثه وكتاباته التي تعبر حتما عن فهمه لهذه الإشكالية التي وقع تعويمها وتأويلها واستغلالها من طرف القوى المعادية لخدمة أهدافها السرية والعلنية بحيث أصبحت الديمقراطية عند هؤلاء كلمة حق يراد بها الباطل وشماعة يتخفى خلفها الغزاة والعملاء والطامعين وكلّ من هبّ ودبّ من المتسلقين والانتهازيين والوصوليين وأشباه المثقفين في الوطن العربي والعالم . وهذا ما يجعل من المسألة الديمقراطية في غاية التعقيد طالما أنها يمكن أن تستغل لخدمة أغراض لا علاقة لها بالمفهوم الديمقراطي الصحيح الذي أجمع عليها الباحثين والمفكرين والكتاب ؛ ولقد عبر الشهيد القائد عن هذا الموقف حينما قال : ((سوف تبقى المسألة الديمقراطية من أكثر المسائل تعقيدا ومن أكثر المسائل التي تشغل الفكر الإنساني والفكر السياسي والصيغ الدستورية الآن وفي المستقبل لأن المسألة الديمقراطية مسألة إنسانية في الوقت الذي هي مسألة سياسية كبرى ..))
(1)- والأكثر من ذلك فإن المسألة الديمقراطية تعدّ من المسائل السياسية والإنسانية الخاضعة إلى مبدأ النسبية إذ لا وجود لديمقراطية تامة المعالم ومكتملة الأركان حتى في أكبر مجتمعات ما يسمى بالعالم الحرّ ؛ فطالما لم تتحقق مقولة حكم الشعب بالشعب وللشعب كاملة غير منقوصة أو مجتزئة فإن الحديث عن الديمقراطية يصبح مجرد تبرير سياسي لأساليب الالتفاف حول إرادة الشعوب في ممارسة حقوقها الطبيعية في الاختيار الحرّ بعيدا عن مغريات المادة وضغط السلطة وتأثير أصحاب النفوذ والجاه والسلطان . ومن هناك فإن ما حققته البشرية من إنجازات في الممارسة الديمقراطية يعتبر مجرّد خطوة في الاتجاه الصحيح اتجاه حكم الشعب بالشعب وللشعب وجعل الإنسان قيمة عليا في المجتمع ولكنها خطوة لا بدّ أن تتلوها خطوات لكي يتحقق المعنى الحقيقي للديمقراطية على أرض الواقع الديمقراطية الأصلية المتأصلة وليس ديمقراطية المكيالين وديمقراطية الطوائف كما هو الشأن بالنسبة لما جاء به الغزاة الأمريكيون إلى أرض الرافدين . وعلى هذا الأساس كان فهم الشهيد القائد صدام حسين للديمقراطية مرتبطا أشدّ ما يكون الارتباط بمدى تحقيق شروط الحكم الشعبي والمصلحة الجماهيرية من خلال ممارسة الشعب لحقوقه كاملة غير منقوصة بصفة حقيقية وبعيدا عن الصيغ الشكلية المعروفة نتائجها سلفا في الأنظمة الرأسمالية والرجعية والديكتاتورية
؛ وهذا الفهم يجد أساسه ومصدره في أدبيات حزب البعث العربي الاشتراكي التي تربى عليها القائد الشهيد ونهل منها واستلهم أفكاره وتصوراته ومنها بالخصوص ما تضمّنه دستور الحزب من مواد وفصول تتناول فكرة سيادة الشعب ومصلحة الجماهير إذ جاء مثلا بالمادة الخامسة أن : (( حزب البعث العربي الاشتراكي شعبي يؤمن بأن السيادة هي ملك الشعب وأنه وحده مصدر كل سلطة
وقيادة وأن قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها عن إرادة الجماهير كما أن قدسيتها متوقفة على مدى حريتهم في اختيارها لذلك يعتمد الحزب في أداء رسالته على الشعب ويسعى للاتصال به اتصالا وثيقا ويعمل على رفع مستواه العقلي والأخلاقي والاقتصادي والصحي لكي يستطيع الشعور بشخصيته وممارسة حقوقه في الحياة الفردية والقومية …)) . كما جاء بالمادة 17 أن : (( حزب البعث العربي الاشتراكي يعمل على تعميم الروح الشعبية وجعلها حقيقة حية في الحياة الفردية
ويسعى إلى وضع دستور للدولة يكفل للمواطنين العرب المساواة المطلقة أمام القانون والتعبير بملء الحرية عن إرادتهم واختيار ممثليهم اختيارا صادقا ويهيئ لهم بذلك حياة حرة ضمن نطاق القوانين …)) .وهذه المبادئ العامة التي شكّلت نواة صلبة تكونت عبرها شبكة أفكار ومعتقدات الشهيد القائد هي نفسها التي بني عليها الصرح الإيديولوجي العظيم الذي خلّفه القائد المفكر من خلال التجربة
والممارسة في التسيير والقيادة فكان الشعب العربي عموما وشعب العراق بصفة خاصة على رأس الأولويات في البرنامج القومي التقدمي الطموح الذي طرحه حزب البعث العربي الاشتراكي منذ ثورة 17/30 تموز 1968 ؛ وكان البحث عن تحقيق آمال وطموحات الجماهير الكادحة الشغل الشاغل لكل المناضلين البعثيين وفي مقدمتهم الشهيد القائد ورفاق دربه في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب وكافة الهياكل والمؤسسات والمنظمات الشعبية والجماهيرية . وقد كانت كلمة السرّ في المنهج الديمقراطي الجديد هي حبّ الشعب والإحاطة به وتلبية احتياجاته وهذا ما أكّد عليه الشهيد القائد في جلّ كتاباته إذ لم يفوّت فرصة أو مناسبة دون حثّ المناضلين على الالتفات إلى جماهير الشعب مصدر القوة الدائم والعناية بمطالبها والتفاني في خدمة مطامحها حتى وصل به الأمر إلى اعتبار أن من لا يحبّ شعبه من البعثيين لا يحقّ له أن ينال شرف الانتماء إلى حزب البعث وفي هذا الإطار قال رحمه الله : (( أحبوا شعبكم تكونوا بعثيين والذي ينتسب إلى حزب البعث ولا يحب شعبه بالممارسة اليومية فهو ليس بعثيا لأن مسألة حبّ الشعب هي أولا ثمّ حبّ الحزب … إن كل ثوري أصيل في العالم ومنهم البعثيون أحبوا شعوبهم أولا لذلك صاروا ثوريين كل منهم من موقعه وحسب وجهة نظره …))
–(2)-. فحب الشعب إذن هو المصدر الأساسي لكل فكر وتوجه وممارسة ديمقراطية ولا يمكن لكائن من كان أن يدعي أنه ديمقراطي ومؤمن بالقيم الديمقراطية ما لم يضع مسألة حبّ الشعب نصب عينيه ولا يمكن لأي تنظيم أو حزب أو منظمة أن ترتقي إلى مستوى صفة الجماهيرية والشعبية والنضالية ما لم تشكّل الجماهير الكادحة من عمال وفلاحين وطلبة ومثقفين ثوريين عمودها الفقري وقلبها النابض وشريانها الحي .فالشعب والحالة تلك يجب أن يكون المنطلق والغاية في أية تجربة ديمقراطية ولأنه كذلك أولاه الشهيد القائد اهتمامه كله لأنه في البداية والنهاية ابن الشعب منه تعلم و به ارتقى إلى مرتبة القيادة بعد أن تمّ احتضانه من طرف الجماهير الشعبية أيام النضال السرّي ضدّ نظام الإقليمية والرجعية والعمالة والتخلف ؛ ولقد أدرك الشهيد القائد رحمه الله منذ البداية أن الاهتمام بالشعب يمر حتما عبر الممارسة الديمقراطية التي لن تتحقق أهدافها وتتجسد آلياتها على أرض الواقع إلاّ من خلال النهوض بوعي وثقافة الجماهير والخروج من دائرة الأمية والتخلف والجهل ذلك أن انتشار الأمية بين الجماهير من شأنه أن يعيق الممارسة الديمقراطية الأصلية والسليمة وستبقى تلك الممارسة سطحية وشكلية ومبتورة طالما لم تقترن بالتثقيف السياسي الذي يوفر للشعب حدا أدنى من الثقافة والتعليم والمعرفة الكفيلة بتحقيق نوع من الإدراك والتمييز والفهم للمسائل العامة والخطوط العريضة للقضايا السياسية ؛ ولهذا كان من الضروري حسبما جاء في المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في مؤتمره القومي السادس : (( تصفية الأمية تصفية سريعة وتامة والعمل علىتعليم المواطنين الأميين وأشباه الأميين لا القراءة والكتابة فحسب بل تمكينهم من استيعاب حد معين من المعارف يتيح لهم ممارسة حقوقهم الديمقراطية بوعي …)) وليس غريبا والحالة على ما سبق بيانه أن تمضي الثورة في العراق أشواطا متقدمة في سبيل استئصال الأمية والجهل في المجتمع العراقي بإشراف مباشر من الشهيد القائد وتوجيه يومي مستمر ومتواصل ومتابعة حينية من خلال تأكيده على أن : ((العملية الديمقراطية في حركة وعمل محو الأمية مسألة ضرورية وأساسية إذ يجب أن نتجنب انسحاب بعض الصيغ التربوية والسياسية العامة لمحو الأمية وأجهزتها وإلا أصبحت العملية مبتسرة وميكانيكية ولا يمكن أن تؤدي أغراضها السياسية والاجتماعية حتى عندما تحقق أغراضها المباشرة في تعلّم القراءة والكتابة …)) –
(3). إن هذا القول في حد ذاته يدلّ بدون شك على حرص من القائد الشهيد على تجاوز الهدف المباشر لمحو الأمية والمتمثل في تعليم القراءة والكتابة فقط إلى هدف أسمى وأرقى وأجلّ وأهمّ
يتجسد عمليا في تأهيل المواطن العربي للخوض في الممارسة السياسية والاجتماعية والمشاركة الواعية والفعالة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع ؛ وكنتيجة مباشرة للجهد الجبار الذي بذله القائد الشهيد ورفاق دربه في ذلك المجال تمكّن عراق البعث من الاحتفال بآخر أمّي في أرض الرافدين وهو الأمر الذي أستوجب استحقاق العراق للجائزة الممنوحة له من طرف منظمة اليونسكو في حقل مكافحة الجهل والأمية وقبل ذلك وبعده استحقاق شرف فسح المجال أمام تطبيق مقولة حكم الشعب بالشعب وللشعب التي وجهت ضربة قاصمة لمبدأ الوصاية على الشعب والتعالي على الجماهير الكادحة واعتبارها مجرد قطيع تتحكم في مصيره قلة قليلة من الانتهازيين والوصوليين وأصحاب النفوذ مستغلين حالة الجهل والأمية التي كانت متفشية أيام الحكم الملكي في عهد نوري السعيد والحكم الجمهوري في العهدين القاسمي والعارفي حيث كان المواطن محروما من المشاركة الفعالة والفعلية في الحياة العامة وكان عرضة لاستغلال حاجاته المادية وجهله وأميته السياسية والثقافية للسطو على إرادته في الاختيار الحرّ والواعي والمدرك.ومن هنا تبرز القيمة الحقيقية للخطوة الجبارة التي وضع أسسها القائد الشهيد في سبيل النهوض بوعي وحرية المواطن العربي انطلاقا من
قناعة مترسخة لديه قوامها أنه ليس هناك أمة حرة دون مواطنين أحرار لأن حرية الأمة هي حتما من حرية مواطنيها وهذه الحرية هي الشرط الأساسي والجوهري لأية ممارسة ديمقراطية أصيلة وأصلية .ولعلّ من أبرز معالم الحرية في فكر وممارسة القائد الشهيد هي استنباطه لنظرية الممرّين في تعريف الديمقراطية تلك النظرية التي رصدت العلاقة بين الأدنى والأعلى ؛ بين لمواطن والمسئول وبين القيادة والقاعدة فكلّ منهما مطالب بأن يؤمن بالممارسة الديمقراطية كنهج وقانون لا حياد عنه وفي هذا الإطار يقول القائد الشهيد رحمه الله : (( كلّ واحد منا عليه أن يتذكر بأن الممارسة الديمقراطية لا تأتي عن طريق ممر واحد وإنما يجب أن تكون بممرين الأدنى في علاقته مع الأعلى والأعلى في علاقته مع الأدنى أي يجب أن يؤمن الأعلى مثلما يؤمن الأدنى بالممارسة الديمقـــــــراطية ويطبقها لا لأغراض أو لظروف آنية وإنما بوصفها أحد القوانين الأساسية في الثورة ومبادئ الحزب ..))
–(4)-.فالمسئول والقائد يجب أن يمثل القدوة والنموذج والمثال الخلاق للممارسة الديمقراطية وذلك من خلال النزول إلى المواطن والاستماع إلى همومه ومشاكله كما أن المواطن ملزم حسب توجيهات الثورة بتقويم المسئول ومساعدته على القيام بمهامه وتوجيه الانتقادات الموضوعية لعمل الإدارة والمؤسسة الحكومية والحزبية في إطار الاحترام المتبادل والإيمان المشترك بالقيم الديمقراطية ولقد أثبتت التجارب وأثبت التاريخ أن استفادة القائد والمسئول من آراء وتصورات الجماهير وبحثه المتواصل عن الوسائل الكفيلة بإسعاد المواطنين وتلبية احتياجاتهم هي
من أهمّ الأسباب المؤدية إلى نجاح القيادة في تنفيذ مشاريعها التنموية والاجتماعية والاقتصادية وتطبيق خططها السياسية ؛ وهذا الفهم المتطور للممارسة الديمقراطية هو الذي سعى القائد الشهيد إلى فرضه فرضا على المسئول قبل المواطن والأعلى قبل الأدنى ومن يشغل خطّة قيادية في الدولة والمجتمع قبل الذي يشغل موقعا قاعديا ولذلك كان رحمه الله يؤكد دوما على هذا الجانب في العلاقات الديمقراطية المفترضة بين القيادة والقاعدة ويعتبره مفصليا في الحفاظ على المبادئ التي قامت من أجلها ثورة البعث في العراق لأنه في الواقع والحقيقة كان مقتنعا أشدّ ما يكون الاقتناع
بأن التفاعل مع جماهير الشعب هو صمام الأمان لبقاء واستمرار وتطور الثورة
وأنه يمكن لقيادة الثورة نفسها أن تتلقى دروسا كثيرة من المواطنين وفي هذا المعنى يتنزل قول القائد الشهيد : (( قابلوا المواطنين الذين يتصلون بدوائركم وقابلوا الموظفين الذين يعملون في دوائركم وتفاعلوا معهم وفق سياقات وصيغ التفاعل الصحيح وستجدون أنكم تستفيدون منهم فائدة عظيمة … ففي الوقت الذي تعلّم الآخرين درسا فإن الناس الذين هم دونك في المسؤولية يعلمونك دروسا كثيرة من خلال نماذج عديدة ومن خلال آراء عديدة يطرحونها من موقعهم وحسب تجربتهم وثقافتهم الخاصة …))
–(5)- .إن هذا التفاعل المطلوب بين القيادة والقاعدة ليس من شأنه أن ينقص من قيمة وهيبة وموقع القائد كما يتصوّر بعض المتعالين على شعوبهم والمتعطشين إلى التفرد والإنفراد بالرأي والقرار
والضاربين عرض الحائط بقيم الحوار ومبادئ الديمقراطية ؛ بل إن النزول إلى جماهير الشعب وتطبيق مقولة الديمقراطية ذات الممرين في علاقة الأعلى بالأدنى هو وحده القمين بأن يضع القائد في موقعه الذي يستحق بحيث يصبح بالضرورة محل احترام وتقدير الغالبية العظمى من الجماهير
الشعبية من خلال الاقتناع المشترك بقيمته كقائد شعبي وجماهيري وليس من خلال التملق والنفاق والتصفيق والتطبيل والتزمير . فديمقراطية الممرين بالنسبة للشهيد القائد لا تتناقض مع
القوة المشروعة والمتمثلة في الالتزام تجاه القيادة والاحترام الواجب لها ذلك أن المسألة ذات ارتباط جدلي بمبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية ألا وهو مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات وفي هذا الإطار بالضبط يقول القائد الشهيد رحمه الله إنه : (( لا يوجد تناقض بين الديمقراطية وبين القوة المشروعة فلا يتصور أحدكم أن الديمقراطية تضعفه أو تفقده هيبته وسيطرته المشروعة لأن هذا غير صحيح ؛ إن ضعاف القدرة والمعرفة هم الذين يتصورون وجود تناقض بين الديمقراطية والمركزية ؛ بين الرعاية والتعامل الأخوي الرفاقي وبين المحافظة على الدور والموقع القيادي … )) –
(6)-.وكلّ من يتصور خلاف ذلك هو في الحقيقة أعمى البصر والبصيرة ومصاب بمرض التعالي والغرور والاستعلاء ومفتقد للحس الوطني الأصيل وغير مدرك لحقيقة أن تواجده بموقعه القيادي كان ولا يزال بفضل الجماهير الشعبية وأن استمراره في قيادة الدولة والمجتمع مرتهن بمدى التزامه بالممارسة الديمقراطية التي لا غنى عنها وفق السياقات والظروف الموضوعية والمبادئ العقائدية الأساسية ؛ ولهذا كان الشهيد القائد يفرّق في أحاديثه وتوجيهاته وكتاباته بين موقعين قد يبدوان منذ الوهلة الأولى متجانسين من حيث المفهوم والمعنى ولكنهما في الواقع مختلفين تماما ومتناقضين في الجملة والتفصيل وهذين الموقعين هما موقع الحاكم وموقع القائد . فالحاكم في غالبية الأحيان يعيش حالة من العزلة المتعمّدة عن هموم ومشاكل وآمال وآلام الجماهير ويتعامل مع
هؤلاء عبر التقارير المكتوبة والشفهية التي ترد إليه من مستشاريه ومعاونيه وأعوانه دون أن يكلف نفسه عناء المعاينة الميدانية والشخصية والمباشرة لحال الجماهير وأحوالها على أرض الواقع دون الاعتماد على الوسطاء والناقلين وبذلك فإنه يضع حاجزا إسمنتيا مسلّحا بينه وبين الشعب لخاطبه خلف الحجاب ويصافحه بواسطة القفّاز ويتعامل معه بتعال مفرط وغرور وتكبر ولا يولي أيه أهمية لآرائه ومقترحاته وتطلعاته وانتقاداته . أما القائد فإنه يستمد وجوده أصلا من الشعب ويمارس مهامه النضالية بالتفاعل الحي مع الجماهير الشعبية والاستماع إلى مطالبها وتلبية احتياجاتها والوقوف عند همومها ومشكلاتها اليومية والسعي الدائم والمستمر والمتواصل للسهر على تحقيق سعادتها ورفاهها وبذلك استحق عن جدارة وبالاختيار الحرّ صفة القيادة التي لا تمنح ولا تهدى وإنما تكتسب بفضل المواصفات النضالية والأخلاقية والشعبية وبفضل رضا ومساندة ودعم الجماهير؛ وفي هذا المجال يتنزل قول القائد الشهيد رحمه الله : (( إن الناس الذين يحرصون على أن يكونوا في موقع القادة وليس في موقع الحكام هم الناس الذين يرون الشعب دائما في بصيرتهم وفي عيونهم ويعرفون من أي شيء يعاني ويقوون بالجانب النقدي الصائب ويسعون دائما لأن يكسبوا رضا الشعب لا لكي ينتخبهم بالطريقة البرلمانية كما يجري في بعض الدول وإنما من أجل المبادئ التي تحقق للشعب العدل والمساواة والسعادة …)) –
(7)-.ولعلّ هذا التوجه الثوري للشهيد القائد صدام حسين يجد أساسه في فهمه العلمي المعزز بالتجربة الميدانية لطبيعة الحركات الشعبية النضالية ولماهية القيادة المنبثقة عن الجماهير وآفاق استمرارها والأسلوب الأمثل لتحقيق التوازن المطلوب بين الطليعة والجماهير ؛
ولا غرو في ذلك على اعتبار أن القائد الشهيد قد تخرج من مدرسة البعث العظيم التي تعتبر أن
الاشتراكي الثوري هو الذي ينطلق في كل خطواته من مصلحة الأمة العربية ولوطن العربي فهوالوحدوي الثوري وهو الديمقراطي الثوري إلى جانب كونه الاشتراكي الثوري ولأنه كذلك فإنه مطالب أكثر من غيره بالتضحية والعمل والتواضع وأداء الواجب تجاه الشعب والوطن والأمة
بدون أن ينتظر جزاءا أو شكورا ؛ فالبعثي الأصيل والحقيقي حسب تعريف الشهيد القائد صدام حسين هو أول من يضحي وآخر من يستفيد وهو الذي يستمد قوّته وطاقته وقدرته من الجماهير
الشعبية المعلّم الأول للثوريين في العالم ومدرسة النضال أبدية ومن هذا المنطلق فإن المناضل الثوري الديمقراطي في حاجة دائمة إلى الجماهير كحاجة السمك إلى الماء وحاجة الرئة إلى الهواء ولا يجوز له أن ينزلق في أخطاء التعالي والغرور والتكبر لأنها أخطاء قاتلة قد تؤدي إلى الانحراف والعزلة والبيروقراطية والتفرد بالرأي لذلك قال القائد الشهيد رحمه الله : (( لا يجوز لأحد منا أن يحاول التصور أن بإمكانه الاستغناء عن الآخرين ممن هم دونه إذ بمجرد أن يتملكه هذا الإحساس فإنه سينتهي مهما كان مستواه الثقافي والنضالي وسينضب ويتلاشى لأنه في مثل هذه النظرة سيقطع عنه روافد التقوية وروافد الاستزادة من المعرفة ومن شروط وأسس التفاعل والتطور الصحيح …)) –(- .
وهذه الحاجة إلى الآخرين والضرورة إلى التفاعل معهم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون نابعة من ظرف طارئ أو مصلحة آنية أو غاية انتخابية بل يجب أن يكون منطلقها قيم المبادئ
ومتطلبات العقيدة العربية الثورية بحيث تصبح تلك الحاجة مصدرا دائما لقوّة الفرد داخل المجتمع وقوة القائد في علاقته مع القاعدة وقوة التنظيم الحزبي في شبكة العلاقات السياسية العامة ؛ ولذلك حرص حزب الثورة العربية المعاصرة حزب الشهيد القائد صدام حسين منذ البداية على إرساء هذه القاعدة الأساسية في الممارسة الديمقراطية والتأكيد عليها من خلال المبادئ التالية
:
-1- إن العلاقة الواجبة بين القيادة والجماهير الشعبية هي بالأساس علاقة تفاعل وتلاحم لا علاقة وصاية وتسلط فحاجة الحزب إلى أن يكون منسجما مع مبادئه تتطلب أن يكون ديمقراطيا في علاقاته .
-2- إن الحزب هو جزء من الجماهير وهو طليعتها الواعية المؤمنة وبالتالي فإن الحزب الذي لا يستطيع أن يجسد في علاقاته الداخلية وفي صلاته مع القوى والمؤسسات الأخرى طبيعته الثورية
والديمقراطية لا يمكن أن تقبله جماهير الأمة كقائد لحركتها التحررية ولا كممثل لمصالحها في بناء نظامها الديمقراطي الثوري .
-3- إن الحزب كمجموع من الأفراد يجب أن يعلم الجماهير ويتعلم منها وتطبيقه للديمقراطية في حياته الداخلية ينعكس إيجابيا في علاقته بالجماهير . فتعليم الجماهير الشعبية والتعلم منها يقتضيان الوقوف عند المسألة الجوهرية التي تقوم عليها أركان الممارسة الديمقراطية السليمة وأهمها التحصن بالمبادئ لخدمة الشعب من منطلق الإيمان الأصيل الثوري والعقائدي وليس من منطلق المصلحة الآنية والإغراض الشخصية وهذا بالضبط ما آمن به الشهيد القائد صدام حسين وناضل من أجله وعمل على تحقيقه حينما قال : (( إن القائد يجب أن لا يسعى لأن يكسب الشعب كسبا مصطنعا أو آنيا من أجل أن يمرر هدفا ما ضمن مرحلة معينة أو يجتاز محنة وإنما يجب أن تكون
مسألة كسب الشعب مسألة صميمية في تفكيره وفي إيمانه وفي عمله…))
–(9)-. وعندما يتعامل القائد بهذه الروحية وبهذه الهمّة وبهذه المبادئ فإنه يعطي النموذج ويوفر القدوة للقاعدة الجماهيرية الواسعة لكي تقوم بواجبها الوطني والقومي بكل حرية واقتدار ؛ ولمختلف قيادات الدولة والحزب والمجتمع لكي يكونوا في مستوى القيم النضالية التي آمنوا بها وجعلتهم يتبوءون مواقع مرموقة سياسية كانت أم اجتماعية أو إدارية وهي مواقع لم يكونوا ليصلوا إليها بدون دعم ومؤازرة القاعدة الجماهيرية وبدون مثابرة وعمل متواصل ونضال مستمر والأهمّ من هذا وذاك بدون إيمان متأصل ومتجذّر بالممارسة الديمقراطية كمبدأ وعقيدة ووسيلة وهدف في الوقت ذاته ؛ وهي الممارسة التي تقتضي قدرة استثنائية على الصبر والجلد ورحابة الصدر وتقبل الانتقادات الموضوعية وسماع كلمة الحق دون امتعاض أو استنكار أو استهجان ولهذا أوصى الشهيد القائد صدام حسين رحمه الله بهذه القواعد الذهبية في التعامل الديمقراطي الحقيقي من خلال قوله : (( اهتموا بطلبات المواطنين وشكاواهم ولا تتعبوا أو تملوا من ملاحقة هذه الطلبات لأنكم إذا ما أنقذتم إنسانا مظلوما بقدر جزئي أو كلي تكونون قد أديتم خدمة كبيرة لهذا الشعب ولمبادئ حزبكم …عليكم أن تتعاملوا مع الشعب بما يرضي الله والمجتمع ويجب أن يتأثر أحدكم من الحق وتحملوا ردود الفعل غير المشروعة من أجل الحق ومن أجل القيم الكبيرة التي ترسخونها والتي تناضلون لترسيخها … ))
–(10)- .
وبعيدا عن تفكيك العلاقات الواجبة بين القيادة والقاعدة والتي أخذت حيزا كبيرا في فكر وممارسة القائد الشهيد صدام حسين فإن المتتبع لأغلب أحاديثه وتوجيهاته وكتاباته وخطبه سوف يلاحظ بدون عناء اهتمامه رحمه الله بالشروط المنهجية الأساسية لأية ممارسة ديمقراطية حقيقية ومن أهم تلك الشروط تحقيق التوازن المطلوب بين لحقوق والواجبات وعدم ترك العنان لانفلات محتمل في العلاقة الجدلية القائمة بين جناحي التطبيق الديمقراطي السليم : الحقوق من جهة والواجبات من جهة أخرى فلا يجوز لأي منا أن يدعي بأن حقوقه الأساسية طبيعية كانت أم سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية هي حقوق مطلقة بمعزل عن واجباته في المجتمع وتجاه الآخرين ذلك أن مثل هذا الإدعاء يمثل ارتدادا عن المفهوم الحقيقي للممارسة الديمقراطية ويضمر عن أنانية مفرطة ونرجسية مشطة وعدم إدراك لأهمية المجتمع بالنسبة للفرد . كما أنه من غير الجائز أن يطالب أي منا بالقيام بواجباته تجاه الدولة والمجتمع ويحرم بالمقابل من حقوقه الأساسية التي خولها له القانون والمواثيق الإنسانية والشرائع السماوية لأن من شأن مثل هذا المنطق أن يجعل من المواطن مجردا من إنسانيته مستعبدا مسلوب الإرادة وهذا بدوره يعتبر ارتدادا عن الممارسة الديمقراطية
الحقيقية التي سعى الشهيد القائد صدام حسين طوال حياته من أجل تحقيقها عبر الحفاظ على التوازن الدقيق بين الحقوق والواجبات وعدم الميل إلى إحداها على حساب الأخرى ولذلك كان رحمه الله يقول : (( علينا أن نؤكد على أن للمواطن حقوقا وعليه واجبات وأن الواجب الوطني والمفاهيم الجديدة لبناء مجتمعنا تقتضي أن نجري موازنة دقيقة بين هذه الحقوق وتلك الواجبات وأن نتجنب الميل على حساب الحقوق لصالح الواجبات أو العكس…… .))
–(11)-. وعلى هذا الأساس فإن المواطن الفرد يجب أن يدرك بأن حقوقه الأساسية مضمونة داخل المجتمع وأن الدولة مطالبة بحماية تلك الحقوق والدفاع عنها ولكنه بالمقابل يجب أن يجسد مواطنته من خلال القيام بواجباته تجاه المجتمع ويحترم الإرادة الجماعية والقانون الجماعي وقيم العمل الجماعي ويحرص على عدم تجاوز حرية وحقوق الآخرين أو عدم الاحترام الواجب للقيادة المنبثقة عن إرادة الجماهير وهذا وحده كفيل بأن يجعل المواطن عنصرا حيويا لا غنى عنه ومصدر قوة
للقيم الديمقراطية بحيث يساهم مساهمة فعالة في تحصين الحياة الديمقراطية مما ينتج عنه بالضرورة انتقال حتمي من الديمقراطية بالموافقة إلى الديمقراطية بالمشاركة . وعندئذ يمكن ن نتحدث ونتباهى ونعتزّ بما تم إنجازه من مكاسب على طريق الممارسة الديمقراطية التي أصبح المواطن أداتها وغايتها طالما ألتزم بقواعدها المركزية وشروطها البنيوية وطالما أسهم
بفعالية في أداء واجباته تجاه المجتمع والدولة والقيادة الشرعية لأن القيام بالواجب في حد ذاته يمنحه الصفة
والمصلحة والأهلية والقوة للمشاركة الإيجابية البناءة والنقد الموضوعي الخلاق بدون أن يشكك أي كان في تلك المشاركة وذلك النقد أو ينتقص منهما ولهذا السبب قال القائد الشهيد رحمه الله : (( إن الرفيق الذي يريد أن يكون له حق النقد بشكل بارز عليه أن يسعى إلى التدليل على حرصه في عملية النقد من خلال أداء بارز للواجبات في عمله اليومي وإلاّ لن يكون له مثل هذا الحق في الواقع التطبيقي وسيجد أمامه عراقيل كثيرة …))
(-12)- .فعندما يؤدي المواطن واجباته على أكمل وجه في العائلة وموقع العمل وتجاه المجتمع والدولة يصبح في موقع يخول له أن يساهم بشكل مباشر في صياغة القرار وبلورته ومناقشة تفاصيله وجزئياته وتنفيذه بعد ذلك لا مجرد متلق للقرار بطريقة فوقية استعلائية بيروقراطية وهذا
في النهاية هو المغزى الحقيقي للممارسة الديمقراطية السليمة كما أرادها القائد الشهيد صدام حسين الذي لم بهمل في إطار تناوله للتوازن المطلوب بين الحقوق والواجبات م الة أخرى في غاية
الأهمية تتعلق بالحماية الواجبة لحقوق المواطن من خلال التأكيد على ضرورة أن يتحقق العدل والإنصاف ويطبق القانون على الجميع بدون استثناء أو تفضيل ذلك أنه لا يمكن الانتفاع بثمار الممارسة الديمقراطية إذا كان المواطن العربي محروما من الحماية القانونية التي توفرها العدالة للجميع فصرخة المظلوم كما يقول القائد الشهيد أقرب إلى باب السماء بحسابات المبادئ والقيم وبالتالي فإن رفع الظلم عن كاهل الجماهير يمر حتما عبر تحقيق : (( العدالة الشاملة للمواطنين مما يتطلب تشغيل كل أنشطة المجتمع والدولة في خدمة العدالة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبصورة متناسقة ومتجانسة وفي ميدان الإدارة والقانــــــون ..)) –
(13)-.إن الممارسة الديمقراطية بالنسبة للشهيد القائد صدام حسين هي جزء لا يتجزأ من معادلة التوازن الاجتماعي ولكنه جزء يحتاج إلى مساندة ومتابعة وحماية العدالة والقانون فلا ديمقراطية
في ظل غياب قيم العدل والمساواة ولا ديمقراطية في ظل التمييز في المعاملات بين المواطنين ولا ديمقراطية في ظل المحسوبية والترضية والتسلّق على حساب الأهلية والقدرة والاستحقاق والكفاءة
والمجهود المبذول وبالتالي فإن العدل هو أساس الممارسة الديمقراطية إضافة إلى أنه أساس العمران كما يقول العلامة ابن خلدون ؛ والحقّ هو جوهر العدل ومبتغاه وبدونه لن تقوم للعدالة قائمة وسوف تفتقد الممارسة الديمقراطية لأهم مرتكزاتها ومقوماتها بحيث تصبح مجرد هيكل عظمي لا روح ولا حياة فيه ومجرد شكل بدون مضمون لذلك دعي القائد الشهيد صدام حسين إلى إتباع قيم الحق ومناصرتها رغم علمه عبر الممارسة والتجربة بأن سلوك مثل هذه الطريق سوف يواجه صعوبات جمة ويصطدم بجملة من العراقيل والمصالح الشخصية التي تخشى الحق والمدافعين عنه باعتبار أنها تهدف إلى الباطل وتتمعّش منه ولهذا قال القائد الشهيد رحمه الله في معرض تشخيصه لتلك الحالة : (( ابتعدوا عن المجاملة على حساب الحق فإنكم إن فعلتم ذلك تنجحوا ويزداد حب الآخرين لكم رغم أنكم ستواجهون صعوبات ما .. إننا نتكلم هنا ونحن نعرف صعوبات الحياة العملية للذين يتمردون على النفاق والزيف وليس مجرد كلام نظري ونحن نعرف كذلك أن مثل هذا المسلك سيجعلكم تواجهون صعوبات …)) –
(14)-.ومن هذا المنطلق فإن حماية حقوق الجماهير ومصالحها الشرعية في مثل هذه الحالة قد تقتضي في بعض الأحيان التشدد والحزم والقوة المشروعة لفرض قيم الحق والعدل وإرساء الانضباط المطلوب لكي تستمر الثورة وتترسخ الممارسة الديمقراطية وتحفظ حقوق المواطنين من التعدي والتلاعب والتجاوز ؛ فالقوة تكون حينئذ ضرورية وحتمية طالما أنها تستعمل ضد أعداء الثورة والجماهير وتتنزل في إطار خدمة القيم العامة التي لا تقبل المساومة أو التفريط ويعتبر القائد
مسؤولا مسؤولية كاملة في هذا المجال فواجبه الوطني والقومي والأخلاقي والسياسي المفترض يملي عليه استعمال القوة كلّما اقتضت الحاجة ذلك ؛ كلّ هذا وفق ما يقتضيه القانون وتتطلبه قيم العدل الواجبة الاحترام من الجميع وأوّلهم من كان في أعلى هرم السلطة إذ أنه مطالب بأن يكون متواضعا بدون ضعف وقوي بلا غرور وعندئذ فقط تتحقق المعادلة الديمقراطية بكلّ مقوماتها وشروطها وتتحصّن الممارسة الديمقراطية بوجود القيادة العادلة المؤمنة بالحقّ المناضلة من أجله ولهذا قال الشهيد القائد رحمه الله : (( لكي تقود يجب أن يؤمن الناس الذين تقودهم بأنك عادل حتى ولو كنت قاسيا حينما يتطلب الأمر القسوة أما إذا شعروا بأنك غير عادل حتى ولو كنت مفكرا ومضحيا كبيرا فإنهم لا يقبلون بقيادتك طالما أنك غير عادل …))
–(15)- . وهكذا يتبين حجم اهتمام القائد الشهيد المناضل صدام حسين بتفاصيل العلاقة بين القيادة والجماهير والأسلوب الأمثل للممارسة الديمقراطية الحقيقية على أرض الواقع بدون تزييف أو تجميل وبعيدا عن المفاهيم النظرية المجرّدة والقوالب الجامدة المستوردة من الخارج والشعارات الفضفاضة التي يرفعها من كان أبعد الناس عن الديمقراطية وأكثرهم تجاوزا لقيمها ومبادئها وأخصّ بالذكر الدولة الراعية للديكتاتوريات في العالم دولة الغزو والعدوان ودولة الكيل بمكيالين ودولة غوانتانامو وأبو غريب : الولايات المتحدة الأمريكية ومن لفّ لفّها ودار في فلكها وآمن بخداعها وتضليلها وتلاعبها بالعقل والذكاء البشري من خلال رفعها لشعار الدفاع عن الديمقراطية .
ولقد كان فهم الشهيد القائد للمسألة الديمقراطية بسيطا وعلميا وعمليا في الوقت ذاته حيث لا صوت يعلو على صوت الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في التغيير ولهذا لن نجد أروع ولا أجمل من قوله رحمه الله كخاتمة لهذا البحث المتواضع : (( إن كل إنسان يعيش من أجل الشعب أعتبره مناضلا .. إنه الإنسان الذي يوقف حياته للمبادئ وكل من لا يعيش على سطحين أي يريد الحياة التقليدية ويريد أن يغرف من شرف النضال .. ولكي يعيش المناضل من أجل الشعب ينبغي أن يحرسه بعيونه عندما ينام وأن يتواجد في ضميره وعقله حيثما يكون وفي كل الظروف
وأن يحبه في كل أطواره عندما يصيب وعندما يخطئ عندما يتجاوب معه وعندما
يبتعد عنه …))
Leave a Reply